لم تكن عمليّة السابع من أكتوبر لتأتي من فراغ ، فممّا لا شكّ فيه أنّها كانت نتيجةً للقهر والظّلم والعدوان، وهدم البيوت، واقتلاع الشّجر، واعتداء المستوطنين، والاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى ،وغير ذلك مضي خمسةٍ وسبعين عامًا على احتلال الأراضي الفلسطينيّة، ونزوح معظم المواطنين من ديارهم إلى الدّول العربيّة ، والضّفة الغربيّة من أراضيهم وبيوتهم عام 1948م، وهذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة ، ولا زالت قضيّة فلسطين تشغل العالم كلَّه ، وتشغل مجلس الأمن الّذي اتّخذ العديد من القرارات التي تدعم الحقَّ الفلسطيني والتي ذهبت هباءً حتّى هذه الأيّام .
لقد قامت إسرائيل بعد السّابع من أكتوبر باجتياح قطاع غزّة ردًّا على هذه العمليّة ، وقتلت وجرحت الآلاف ، ومحت معظم البيوت والمعاهد، والمدارس، والمساجد، والكنائس، والكثير من الآثارات التّاريخيّة ؛سعيًا وراء أهدافٍ وضعتها الحكومة الإسرائيليّة بقيادة نتنياهو وهي : سحق حماس ، استعادة الرّهائن ، تحقيق الأمن لإسرائيل ، وبعد مضي حوالى أربعة شهور لاجتياح غزّة لم تستطع تحقيق أي هدف .
لقد كانت نتيجة عمليّة أكتوبر والاجتياح الإسرائيلي لغزّة أن عادت قضيّة فلسطين تتصدّر الرّأي العام كلّه ، وعمّت المظاهرات ، والمسيرات الشّعبيّة معظم الدّول الأوربيّة ، وحتّى في الولايات المتحدة الدّاعمة الرّئيسة لإسرائيل تطالب بوقف العدوان ، وحماية المدنيّين ، وأهم ذلك كلّه تحقيق السّلام ، وإقامة الدّولة الفلسطينيّة كحلٍّ لهذا الصراع ، وبرزت تصريحات هامّة لقادة الدّول الأوربيّة ، ولرئيس الولايات المتحدة (بايدن) أقوى من المرّات السّابقة بوجوب إقامة هذه الدّولة مع رفض اسرائيل القاطع لهذا الحل .
والآن ماذا تريد إسرائيل ؟ لو فرضنا أنّها استطاعت أن تقضي على القوّة العسكريّة لحماس وبقيّة الفصائل الفلسطينيّة المقاومة هل تستريح؟ ألا تدرك أنّ هناك جيلًا شابًّا نشأ وترعرع على حب الأرض ، ولا يزال يطالب بعودته إلى أرضه السّليبة، إلى بيته ، وأرضه ؟ ألا تدرك أنّ السّلام وحده مع الفلسطينيّين هو الّذي يجلب الأمن والاستقرار لها ولغيرها؟ أم أنّ قادة إسرائيل والمتطرّفين فيها يسعَوْن إلى الحلم القديم الّذي راودهم من النّيل إلى الفرات حدودك يا إسرائيل؟ألم تعرض الدّول العربيّة كلُّها على اسرائيل التّطبيع الكامل معها مقابل انسحابها من الأراضي المحتلّة عام 1967 وإقامة الدّولة الفلسطينيّة ، وإحلال السّلام الشّامل ؟ أما آن لقادة إسرائيل أن يدركوا أنّ السلام وحده هو الحل النّهائي لقضيّة لن تموت ؟