ماذا بعد مقتل نصرالله؟
قد تجد القوى المناهضة لـ"حزب الله" فرصة لتعزيز نفوذها لكن هذا لا يعني أن تأثير الحزب سينتهي بصورة فورية. وقد تشهد المنطقة تصعيداً جديداً بين الحزب وإسرائيل في حين يظل الدور الإيراني محورياً في تشكيل المستقبل
يمثل اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصرالله تحولاً كبيراً في المشهد السياسي والعسكري ليس فقط في لبنان بل في الشرق الأوسط بأكمله.
هذه العملية التي نفذت في سبتمبر (أيلول) الماضي بواسطة غارة إسرائيلية أثارت ردود فعل واسعة، وكشفت عن تداعيات محتملة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الوضع الإقليمي على مستويات متعددة.
يأتي ذلك في وقت يشهد فيه لبنان الآن حالة من الفراغ السياسي والعسكري، كما أن غياب نصرالله الذي كان يمثل الشخصية المحورية لـ”حزب الله” على مدى أكثر من ثلاثة عقود سينعكس أيضاً على الوضع السياسي، ومع رحيله، يدخل الحزب مرحلة انتقالية معقدة قد تؤدي إلى انقسامات داخلية، إذ كان نصرالله يتمتع بتأثير كبير في جميع جوانب اتخاذ القرار داخل الحزب.
رغم ذلك، لا يتوقع أن يؤدي مقتله إلى نهاية “حزب الله” بصورة فورية، فوفقاً لعدد من المحللين فإن الحزب لا يزال يحتفظ بقوة عسكرية وتنظيمية كبيرة، ومن المحتمل أن يحاول إعادة بناء هيكله القيادي بسرعة.
ومع ذلك، هذه اللحظة قد تفتح الباب لظهور قوى سياسية أخرى داخل لبنان قد تحاول استغلال الفراغ لتعزيز نفوذها، سواء من القوى المحلية المعارضة لـ”حزب الله” أو حتى من الجيش اللبناني الذي قد يحاول بسط سيطرته على المشهد الداخلي.
على المستوى الإقليمي فإن مقتل نصرالله له تأثير مباشر في الصراعات الإقليمية، خصوصاً في ظل التوتر المستمر بين إيران وإسرائيل، فـ”حزب الله” كان ولا يزال الذراع العسكرية والسياسية لإيران في لبنان، وكان يؤدي دوراً رئيساً في تنفيذ استراتيجيات طهران الإقليمية، سواء في لبنان أو في سوريا واليمن، لهذا فإن مقتل نصرالله قد يعد ضربة قوية لإيران، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى تراجع نفوذها بصورة كاملة. بل قد تلجأ إيران إلى تكثيف دعمها الحزب وتعزيز قبضتها على المنطقة عبر وسائل أخرى.
اقرأ أيضا.. لماذا على لبنان دفع فاتورة التشظي؟
على الصعيد العسكري، فإن اغتيال نصرالله قد يؤدي إلى تصعيد جديد بين “حزب الله” وإسرائيل، خصوصاً في ظل الغارات الإسرائيلية المستمرة على لبنان منذ فترة. حتى الآن، كانت تلك الغارات تركز على منع “حزب الله” من تعزيز قدراته الصاروخية والمعدات العسكرية، لكن مقتل نصرالله يمكن أن يدفع الحزب إلى رد فعل قوي، مما قد يؤدي إلى نزاع مفتوح على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
أما على صعيد التأثيرات في السياسة الدولية فالدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا، قد تجد في هذه اللحظة فرصة لدفع عملية إعادة تشكيل النظام السياسي في لبنان.
من المحتمل أن تسعى تلك الدول إلى دعم قوى داخلية تسعى لإضعاف نفوذ “حزب الله”، ومن ثم تقليص الهيمنة الإيرانية على البلاد. ومع ذلك، هذا السيناريو يعتمد بصورة كبيرة على قدرة الأطراف المحلية على استغلال الفراغ الذي خلفه مقتل نصرالله، وأيضاً على التنسيق بين القوى الإقليمية والدولية للتعامل مع هذا التغير المفاجئ.
أيضاً لا يمكن تجاهل تأثير مقتل نصرالله في الوضع في غزة، إذ تتعرض “حماس” لضغوط مماثلة من إسرائيل. قد يؤدي نجاح إسرائيل في توجيه ضربة كبيرة لـ”حزب الله” إلى تشجيعها على تكثيف عملياتها ضد “حماس” التي لها علاقات قوية مع الحزب.
ومن المتوقع أن يقوم قادة “حماس” بتشديد موقفهم وزيادة مستوى التوتر مع إسرائيل، خصوصاً مع اقتراب الذكرى السنوية لهجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ختاماً فإن مقتل حسن نصرالله يمثل لحظة تحول في المشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، بينما يدخل “حزب الله” مرحلة من عدم اليقين، قد تجد القوى المناهضة للحزب فرصة لتعزيز نفوذها، لكن هذا لا يعني أن تأثير الحزب سينتهي بصورة فورية. وقد تشهد المنطقة تصعيداً جديداً بينه وبين إسرائيل، في حين يظل الدور الإيراني محورياً في تشكيل المستقبل.