جيد أن هذه الحرب المجنونة قد وقفت ، وقفت حرب الابادة الجماعية ، وقفت معاناة المحتجزين الاسرائيليين والاسرى الفلسطينيين ، وقفت سياسات التحويع لمليوني وربع المليون فلسطيني ، وقفت صفارات الإنذار في القدس وتل ابيب ، ولكن لا احد يعلم كم سيكون الوقت الذي سيسعد فيه الشعبان بالهدوء والامن ، لا احد يعلم ذلك ، ولن يكن بمقدور احد ان يعلم ، استمرار الاحتلال يحمل دوما مخاطر تجدد العنف والحروب والمعاناة . لكن من الجيد ايضا ان تشكل هذه الحرب الكارثية على الشعبين فرصة للتفكير وبمسئولية في منهجية مختلفة قادرة على انهاء امكانية العودة إلى مثل هذه الحروب .
ليس صحيحا أن الحرب هي قدر الشعبين على هذه الارض ، ليس صحيحا أن العيش على حد السيف هو الخيار الوحيد المتاح لنا ، ليس صحيحا ان الحروب تستطيع ان تحقق امال وتطلعات أي من الشعبين ، تجربة قرن من الصراع والحروب والمآسي تؤكد حقيقة ان الحروب لا تحقق الامن والسلام ، وتجربة خمسة واربعون عاما على انهاء احتلال اسرائيل لسيناء تؤكد ان انهاء الاحتلال يجلب امنا وسلاما وحياة مستقرة بين اسرائيل ومصر .
اننا نرى في نهاية هذه الحرب فرصة اخرى للشعبين ، انهاء الاحتلال بما يزيل مخاوف ومعاناة الشعبين هي فرصتنا ، هي غايتنا ، هي خيارنا الاخير ، وهي نهاية لمعاناة شعبينا . هل يمكن ذلك ؟؟؟؟؟
نعم يمكن ، يمكن بقناعة اكيدة ، يمكن وبثقة كبيرة ، تجربة الشعوب على مر التاريخ تقول ان ذلك ممكن بل وحتمي ايضا … ان سلام قائم على العدالة النسبية التي تأخذ في الاعتبار مخاوف الشعبين سيكون هو الوصفة الاكيدة للوصول إلى سلام ثابت ومستقر ، ان سلام يعزز ما هو مشترك ويحترم خصوصية كل ما خاص بالشعبين يستطيع ذلك ، ان سلام لا يخرج منه طرفا مهزوما بل يخرج الشعبان باتفاق تاريخي على مصالحة تاريخية ويشعر كل منهما انه حقق اهدافه دون ان يكون ذلك على حساب الطرف الاخر يستطيع ، ان سلام لا يريد تغيير الامر الواقع بل يسعى إلى اعادة ترتيب معطيات الأمر الواقع بطريقة تجعل حياة الشعبين افضل ، وأمنها افضل ، وأحلامهما اقرب للتحقق وحياتهما مصانة اكثر يستطيع ذلك.
اقرأ أيضا.. التسوية الإقليمية للقضية الفلسطينية.. ماذا سيحدث؟
هذه الحرب بويلاتها اكدت على حقيقة واحدة ان امتلاك مصادر القوة العسكرية لا يحقق انتصارا اما شعب يسعى للحرية والاستقلال ، غزة جسدت مقولة ارنست همنغواي في رائعته الخالدةالشيخ والبحر ” قد يحطم الانسان ولكن لا يهزم ” . تحطمت غزة فعلا بفعل همجية القوة ولكن إنسانها خرج من بين الرماد باصرار اقوى على الحرية والاستقلال . اسرائيل القوية لم تنتصر ولن تنتصر إلا عبر الاعتراف بالاخر ، بحقوقه ، بإنسانيّته ، بالاستعداد للعيش بجانبه . هذه الحرب اكدت بما لا يدع مجالا للشك بان السلام وحده هو القادر على ضمان الامن والاستقرار.
هذا السلام والذي يحقق المصالحة التاريخية هو دولتين في وطن واحد . هذه الرؤية ليس اكتشاف سحري ولا هي تحليق في الخيال ، انها مستمدة من رؤية موضوعية للواقع السياسي الديمغرافي وآخذة في الاعتبار تطلعات ومخاوف الشعبين ، هناك شعبان يعيشان على هذه الارض متداخلان ليس في السكن فقط بل في المصالح المرتبطة بعضها مع بعض ، ولهما مشاعر متشابهة اتجاه هذه البلاد ، دولتين في وطن ذلك عبرت عن ذلك بنفس مستوى هذا الوضع ” دولتان بكامل الاستقلالية والسيادة على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ ، بحدود مفتوحة تراعي التداخل السكاني ، ويسمح بحرية الاقامة والعمل والتنقل بمساواة مدنية كاملة ، هذا ليس اختراع انه ترجمة لواقع موضوعي ، انه فهم عميق للمكن والمتاح وتجسيد له . هناك وفق معطيات الواقع نصف الفلسطينيين او اكثر لاجئين وهناك على الجانب الاخر نصف مليون اسرائيلي او اكثر من الإسرائيليين يسكنون في مناطق يفترض انها اراضي دولة فلسطينية.
هذه معطيات الواقع ، دولتين في وطن واحد تمن كل هؤلاء من الفلسطينيين والاسرائيليين ان يسكنوا حيثما أرادوا وكيفما ارادو كجاليات لهم حقوق مدنية كاملة وبالتزام كامل بالقانون والنظام في المكان الذي يسكنو ا فيه حسب قوانين الدولة السيادية هناك وتحت سلطتها . صحيح ان الاستيطان غير شرعي وغير قانوني وغير إنساني ، وصحيح ايضا ان اللاجئين الفلسطينية شردوا عن ديارهم بالقوة وعودتهم شرعية وواجبة واحقاق للعدل ، وصحيح ايضا ان لا مقارنة بين المعتدي والضحية ، ولكن الصحيح اكثر هذا الحل هو الاكثر امكانية والأكثر واقعية والأكثر جرأة في مس احتياجات الشعبين ، حل ينهي الاستيطان كبنية دون تطهير عرقي ويعيد اللاحئين موضوعيا دون اخطار ديمغرافية وتغيير في البنية السياسية لاسرائيل . هذا ليس أحجية ولكنه واقع يمكن يتحول إلى فرصة بدل ان يكون تهديد وهذا ممكن في الواقع وممن وفق رؤيتنا . والقدس مدينة يتداخل فيها المقدس ويتداخل فيها السكن وتتداخل فيها الحلام والطموحات وتتداخل فيها الرمزية التاريخية ، القدس هي التحدي الذي افشل كامب ديفيد ، وهي الفرصة الحقيقية لنموذج الحل الذي نراه ، القدس موحدة وواحدة ، وعاصمة لكل من يراها عاصمته ، وعنوان مساواة في الحل بدل ان تكون عنوان تمييز في الصراع ، وأمنها مسئولية دولية ، القدس هي الأزمة كما كانت في كل مراحل الصراع وهي الحل النموذجي في كل مرحلة السلام ، القدس يمكن ان تكون كذلك ، بل يجب ان تكون كذلك .
إننا لا نتجاوز حل الدولتين التقليدي ولكننا نضع اسس نجاحة ونخرجه من أزمته ، ولا نقطع الصلة بحل الدوله الواحدة المستحيل الان بل نفتح له أبوابا رحبة ، اننا على شفا امل من المستقبل المنفتح والمشرق والواثق .