ليبيا

ليبيا القذافي مستعادة في أسوأ أحوالها

عبر أكثر من عقد، هو زمن تحررهم الزائف من جماهيرية القذافي قتل الليبيون بعضهم البعض الآخر مستعينين بمجرمي حرب استقدموهم من مختلف أنحاء الأرض. لم ينفع القتل في بناء دولة جديدة. فبعد أن تعبوا من القتل وأدار العالم لهم ظهره انكفأوا على أعقابهم وصار كل فريق يحكم منفردا في منطقته

بعد 13 سنة من مقتل العقيد معمر القذافي الذي حكم بلاده لأكثر من أربعين سنة لا تزال ليبيا تعيش حالة انقسام، تعددت أشكالها غير أنها تصدر كلها من مكان واحد هو غياب الدولة. لقد أخذ القذافي الدولة معه. كانت تلك الدولة التي أنشأها على مقاسه قد أنتجت شعبا لا يعترف بالقانون الذي لم يحترمه الأخ العقيد حين اقتلع الأسس التي أقيمت عليها دولة ليبيا يوم كانت مملكة.

حين قاد الزعماء الأوروبيون حملات سلاحهم الجوي من أجل إسقاط نظام العقيد الذي كان صديقا لعدد منهم، بل إنه كان يدفع بشكل منتظم أموالا لهم كانوا يعرفون أن شيئا من الدولة لن يبقى في ليبيا في حالة غياب القذافي وأنها ستكون مجرد صحراء ونفط وقبائل. أما النهر الصناعي العظيم فهو ذكرى يمكن أن تزول مع الزمن. لا أحد في إمكانه أن يتفاعل إيجابيا مع عصر القذافي. ذلك سلوك أعمى.

ارتكب الليبيون أخطاء عظيمة حين توهموا أن ثورتهم أسقطت القذافي في سياق وقائع الربيع العربي المشؤوم. ما جرى يؤكد أن حلف الناتو كان مستعدا للتدخل جوا من أجل إسقاط نظام العقيد الذي دفع ما بذمته من أموال هي تعويضات لضحايا طائرة لوكربي. لم تنفعه أيضا الأموال التي قدمها رشى لعدد من الزعماء الأوروبيين. كان الحكم بإعدامه قد صدر من الولايات المتحدة وكان يجب تنفيذه. أما البطولات التي أدعاها ليبيون فهي صفر على اليسار.

كان يجب أن يسقط نظام القذافي. أولا لأنه انتهت صلاحيته منذ عشرات السنين. وكما أعتقد أن ذلك النظام بدأ من غير صلاحية للاستمرار. ثانيا لأن القذافي لم يعد مرغوبا به في التفكير الغربي ذلك لأن سلوكه الفضائحي صار يشكل عنصر تهديد لكثير من الزعماء الغربيين. وأخيرا فإن الولايات المتحدة بالرغم من انتقامها المبطن لحادثة بان أميركان في لوكربي فإنها لا ترغب في أن يذكر وجوده بتلك الحادثة. قبل كل هذه الأسباب تظل ليبيا بلدا نفطيا، السيطرة عليه من خلال أساليب ووسائل الاستعمار الجديد ستكون نافعة.

في الحقيقة لم تُترك ليبيا حرة في تقرير مصيرها. تعرف القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة أن القذافي لم يترك وراءه شعبا يملك القدرة على التصرف بإرادته المستقلة. وفي حالة الشعب الليبي فلا معنى للإرادة المستقلة. فما أن سقطت دولة القذافي حتى حلت الفوضى. كانت الفوضى هي الأساس في جماهيرية القذافي.

هل فهم الليبيون أسس اللعبة التي تجري من حولهم أم أنهم كانوا مجرد أدوات لمخطط عالمي؟ لا أظن أن ليبيي ليبيا الجديدة لهم القدرة على النظر بطريقة يضعون من خلالها بلادهم على الطريق التي تؤدي بها إلى أن تكون دولة حديثة ومحترمة من جهة احترامها لكرامة مواطنيها. فبالرغم من أن الواقع السياسي يقول إن حكومة طرابلس لا تحكم إلا مساحة صغيرة من ليبيا غير أنها أصدرت قوانين تقيد من خلالها حرية النساء في لباسهن وحركتهن. كان معروفا بالنسبة إلى الغرب أن الليبيين سيفهمون الحرية بطريقة خاطئة. لقد تحرر الليبيون من القذافي من أجل أن يضطهدوا النساء.

لعبة الليبيين الجديدة على قدر هائل من الغباء. ذلك لأن حكومة طرابلس بدلا من أن تسعى إلى إقامة دولة موحدة وجدت في اضطهاد النساء نوعا من استعراض قوتها. ليس هناك خطأ. كل الميليشيات الإسلامية التي جُلبت إلى ليبيا من أجل تدميرها كانت تحمل رسالة ضد النساء. الاستعمار أم النساء؟ طبعا الليبيات خط أحمر كما لو أنهن قضية وطنية. أما ليبيا الموحدة، دولة ليبيا فإنها ليست جزءا من اللعبة. تلك لعبة أكبر من حكومة طرابلس.

عبر أكثر من عقد، هو زمن تحررهم الزائف من جماهيرية القذافي قتل الليبيون بعضهم البعض الآخر مستعينين بمجرمي حرب استقدموهم من مختلف أنحاء الأرض. لم ينفع القتل في بناء دولة جديدة. فبعد أن تعبوا من القتل وأدار العالم لهم ظهره انكفأوا على أعقابهم وصار كل فريق يحكم منفردا في منطقته. انتهت الحروب أو أنها وصلت إلى قاع تفاهتها بحيث صار الاستمرار فيها نوعا من السخرية. وهكذا وجدت حكومة طرابلس أن عليها أن تعلن الحرب على الحريات العامة وبالأخص ما تعلق منها بالنساء.

“الإدارة العامة لحماية الآداب العامة”. ذلك هو اسم الجهاز المكلف بالمهمة التي هي في حقيقتها محاولة لقمع الليبيين وإذلالهم وسلبهم حرية اللباس والكلام وقبلهما التفكير. لم تكف أربعون القذافي. لا يزال هناك وقت ضائع. تلك شعوب صاغت مزاجها على إيقاع الفوضى. ولكن أيعقل أن الشعب الذي يقال إنه صحا وثار منتصرا لكرامته يقبل بيسر أن يعيده خريجو مدرسة القذافي إلى قفص الجماهيرية وهي في أسوأ أحوالها؟ هناك خطأ في مكان ما أو أن الكذبة أكبر مما توهمه العقيد يوم تحدث عن مكافحة الجرذان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى