لمنع الفتن الافتراضية.. الإمارات تطلق أول مبادرة عربية لمكافحة “الذباب الإلكتروني”
بحملة غير مسبوقة عربياً، تقود دولة الإمارات العربية المتحدة قاطرة مكافحة الشائعات والأخبار المضللة وتطهير المساحات الرقمية من الحسابات الوهمية لمنع الفتن الافتراضية بين أبناء الوطن العربي.
وأطلق رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام الشيخ عبدالله آل حامد، مبادرة عبر منصة “إكس” لمكافحة ما يعرف بـ“الذباب الإلكتروني”، بهدف منع إثارة الفتن والإساءات للدول الشقيقة ومكافحة الشائعات والأخبار المضللة.
وقال آل حامد مع إطلاق المبادرة غير المسبوقة عربيا: “الرد على السفيه ليس من الأدب العربي، ولا مكان للذباب، أرجو منكم حظر كل من يسيء لأي عربي أينما كان، إيماننا بأصالتنا وعروبتنا هو ما يمنحنا هذا الدافع، كلهم نفس الأشخاص، يعيدون إنشاء حسابات للنميمة والتفرقة، مهنة مسلية تملأ الفراغ أحيانا، صيد الذباب”.
ودشن آل حامد هاشتاغاً (وسماً) باسم “تبليك بدون تعليق”، و”أوقفوا الإساءات”، قائلا عبر حسابه على منصة “إكس” يوم الجمعة الماضي: “في المعارك، كثيرًا ما نسمع عن الدروع البشرية، وكثيرًا ما نسمع عن الضحايا التي تخلفها هذه الطريقة من التخفي بين البشر والسكان عامةً، وهي نفس الأداة التي يتخذها هذا الذباب الإلكتروني، حيث يتخفى بين الأحبة والإخوة لتقع أكبر الضحايا بين أيديهم ويحققوا أهدافهم في التفرقة بين الأخوة والأحبة في دول الخليج والدول العربية”.
وأضاف: “لذلك نحن لن نكون دروعًا بشرية، وإنما السد المنيع الذي يردهم من حيث أتوا، نرى هذا التأثير الآن على منصاتنا الاجتماعية، ونرى أن أبناءنا عادوا إلى عقولهم وفهموا ما لم يكن واضحًا أمام أعينهم.. أشكر كل من تعاون معنا على هذه الوحدة واللحمة ولم الشمل والصف الموحد. شكرًا للجميع، نحن صامدون حتى تندثر أصواتهم”.
ترحيب إعلامي
ولقيت مبادرة مكافحة الذباب الإلكتروني تفاعلا واسعا وترحيبا كبيرا في مختلف الوطن العربي، إذ امتدت أصداءها من منصات التواصل الاجتماعي وحتى المنابر الصحفية والإعلامية، فيما انتشرت هاشتاغات للتضامن مع المبادرة باسم “خليجنا واحد”، “تبليك المسيئين مطلب خليجي”، وتبليك مسببات الفتن بين دول الخليج”، و”حظر الحسابات المسيئة”، و”لا للذباب الإلكتروني” وغيرها.
وتفاعل مع المبادرة العديد من الصحف العربية، أبرزها من مصر صحيفتا “الأهرام” (المملوكة للدولة)، و”الوطن” (الخاصة)، ومن الكويت “الرأي” (الخاصة)، و”السياسة” (الخاصة) وغيرها.
وتحت عنوان “الإمارات تطلق حملة لمكافحة الذباب الإلكتروني وترويج الشائعات ضد العرب” تفاعلت صحيفة الوطن المصرية مع المبادرة، كما نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية تقريرا بعنوان “الذباب الإلكتروني.. خطر يهدد المجتمعات”.
وكذلك شاركت صحيفة الرأي الكويتية بتقرير بعنوان “الوحدة الخليجية تضرب الذباب”، فيما نشرت صحيفة السياسة الكويتية تقريرا بعنوان “مكافحة الذباب الإلكتروني.. ضمانة لوحدة الخليج”.
ومن جانبها، أبرزت فضائية “إكسترا نيوز” المصرية قيادة الإمارات لمبادرة مواجهة الذباب الإلكتروني على الفضاء الرقمي، إذ قال الإعلامي ياسر عبدالستار إن “الحملة لقيت تفاعلا كبيرا من قبل وزراء ومسؤولين وإعلاميين وفنانين وأكاديميين وجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي”.
وأشار الإعلامي المصري إلى أن “المبادرة انطلقت بدعوة قدمها رئيس المكتب الوطني للإعلام عبدالله بن محمد آل حامد، بهدف مواجهة أصحاب الأجندات الخاصة والأصوات المأجورة التي انتشرت في الفترة الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي، وتتعمد نشر الأكاذيب والشائعات بهدف إثارة النعرات وضرب التلاحم بين قادة وأبناء دول الخليج”.
تضامن رسمي
بدوره، قال رئيس المؤسسة القطرية للإعلام، حمد بن ثامر آل ثاني، إن ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي، يهدف إلى نشر الفتن والتفرقة بين شعوب دول الخليج.
وأضاف: “انتشار حسابات مجهولة المصدر يهدف إلى إثارة الشكوك في وحدة النسيج الاجتماعي الخليجي، في الوقت الذي تشهد فيه مسيرة مجلسنا الخليجي مزيداً من التلاحم والتكاتف”.
ودعا المسؤول القطري إلى “تضافر الجهود والعمل الدؤوب على كل المستويات الرسمية والأهلية، للتصدي لمثل هذه الحسابات المجهولة والمسيئة، والعمل على كل ما من شأنه تعزيز مسيرة مجلسنا الخليجي، بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار لدولنا وشعوبنا الخليجية الواحدة”.
وعلى صعيد متصل، أكد وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي عبدالرحمن المطيري، أن “دول الخليج تربطها أواصر أخوة ومحبة أصيلة ومُتجذّرة عبر التاريخ في وجداننا وقلوبنا، منطلقة من القيادة الحكيمة لقادتنا حفظهم الله ورعاهم والعلاقات الأخوية التي تجمع شعوبنا”.
وأضاف: “من هذا المنطلق يقع على عاتقنا جميعاً المحافظة على متانة وحدتنا الخليجية، ونبذ كل ما من شأنه المساس بنسيجنا الاجتماعي الخليجي من قبل الحسابات المسيئة وغيرها وندعم كل الجهود المبذولة للتصدي لها ومحاربتها”.
وأعلنت جمعية الصحفيين الإماراتية دعمها لمبادرة “مكافحة الذباب الإلكتروني” بهدف نشر المعايير المهنية وترسيخ القيم الوطنية ومكافحة الفتن التي تعد من أخطر آفات العصر.
وقالت رئيسة جمعية الصحفيين الإماراتية، فضيلة المعيني، إن الجمعية تعمل على التنسيق والتفاعل مع المؤسسات الإعلامية لدعم المبادرة الوطنية لمكافحة الذباب الإلكتروني الذي يمارسه الحاقدون وضعاف النفوس الناقمون على نجاح الدول والمؤسسات والأفراد والذين يسخرون حسابات وهمية لنشر معلومات مغلوطة وقيم وأفكار هدامة في محاولة منهم لتشويه النجاحات والإنجازات التي تحققها الدول والأفراد والمؤسسات”.
وأكدت المعيني أن الجمعية تعمل حاليا على تنظيم عدة دورات للصحفيين الشباب ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، للتدريب على مواجهة الأفكار الهدامة والتصدي للقيم غير الصحيحة التي تنتشر على وسائل التواصل الإجتماعي، وذلك حفاظا على السلم والأمن الاجتماعي للوطن والمواطنين.
وأوضحت أن إطلاق المبادرة من قِبل المكتب الوطني للإعلام يؤكد حرص دولة الإمارات العربية المتحدة وسعي القيادة الرشيدة لتعزيز الأمن ونشر الاستقرار في كل دول المنطقة وإعلاء قيم التسامح ونبذ الشائعات والفتن من خلال العمل على تطبيق المعايير المهنية ونشر القيم الصحيحة ومواجهة كل الأعمال الإرهابية والأفكار الهدامة التي يمارسها الحاقدون وأعداء النجاح.
ودعت المعيني، المؤسسات الإعلامية الخليجية والعربية إلى تبني هذه المبادرة نظرا لدورها المهم في مواجهة الحسابات المزيفة والمبرمجة لنشر معلومات مغلوطة لهدم قيم وأخلاقيات المجتمعات ونشر الفوضى والإساءة إلى الشخصيات العامة والناجحة.
بدوره، ثمن المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، الدكتور أنور قرقاش، الجهود المهمة والجادة للتصدي للحسابات المسيئة للدول الخليجية والساعية لتحقيق أهداف مختلفة عبر نشر الفتنة وخلخلة النسيج الاجتماعي الخليجي.
رجع الصدى
ورداً على التفاعل الواسع لمبادرة “مكافحة الذباب الإلكتروني”، أشاد رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام الشيخ عبدالله آل حامد، بالدعم الكبيرة للمبادرة، قائلا: “يا حلاة الخليج وأهله، والله ثم والله ثم والله إن الخير والكرم والطيبة فيهم”.
وأضاف عبر حسابه على منصة “إكس”: “تفاعلت مع الكثيرين في التواصل الاجتماعي، ولم يكن غير الذباب الذي تردد معي في الكلام، لله الحمد والمنة، يدًا واحدة ولن تروا لهم أثراً.. أطلب من ذوي الغيرة في خليجنا طلبًا واحدًا: كل مسيء حظر وبدون رد. هذا ما حدث في اليومين الماضيين، وهذا ما رأينا أثره اليوم.. ما بقي إلا الذباب. أبناؤنا وبناتنا في الخليج تربوا على الأصول، والجميع التزم.. أتمنى اتباع هذه العقيدة وأنا متأكد أن الذباب سيبقى في سلة المهملات”.
وفي تغريدة أخرى، قال آل حامد: “كل الشكر لإخواني في الخليج والوطن العربي على دعمكم وجهودكم المتواصلة والمشرفة في استئصال ونبذ كل من تسوّل له نفسه زرع ونشر الفتن بين أبناء الخليج والوطن العربي. الدال على الخير كفاعله، بادر بفعل الخير، علينا أن ندعم، نعزز، ونستمر في هذه المبادرة، ولا ننسى أن المتربص لا يزال يسعى لزرع الفتن، وتضليل الجمهور، وإبعاد الأشقاء عن بعضهم بعضا”.
وتابع قائلا: “لا تنسوا هذه المبادرة. إن ما وصلنا إليه من إنجاز هو بفضل الله ثم بفضل الشرفاء الغيورين على خليجهم. أتمنى أن تَلقى هذه المبادرة دعماً اضافياً خليجياً وعربياً شاملاً لتتخلص الدول العربية كافة من الفتن”.
الإمارات في الطليعة
ويوم الاثنين الماضي، أفادت وكالة الأنباء الإماراتية (رسمية) بأن بلادها تأتي في طليعة الدول التي أولت مكافحة التهديدات الرقمية اهتماما كبيرا عبر التدابير التشريعية ومن بينها المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الإشاعات والجرائم الإلكترونية الذي أصدره الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
ويهدف القانون الاتحادي إلى تنظيم الفضاء الرقمي، وتحديد المسؤوليات القانونية للأفراد والمؤسسات ويشمل مجموعة من القوانين والتشريعات التي تتعامل مع نشر المعلومات المضللة، والجرائم المرتبطة بالهاكرز، والاحتيال الإلكتروني، وغيرها من السلوكيات التي تشكل تهديدا للأمن الرقمي.
ونصت المادة (52) من القانون في ما يخص جرائم نشر الإشاعات والأخبار الزائفة بالمعاقبة بـ”الحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن مئة ألف درهم (نحو 28 ألف دولار)، لكل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات لإذاعة أو نشر أو إعادة نشر أو تداول أو إعادة تداول أخبار أو بيانات زائفة أو تقارير أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو مضللة أو مغلوطة أو تخالف ما تم الإعلان عنه رسمياً، أو بث أي دعايات مثيرة من شأنها تأليب الرأي العام أو إثارته أو تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو بالاقتصاد الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة”.
وشدد القانون على أن تكون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن مئتي ألف درهم (نحو 56 ألف دولار) إذا ترتب على أي من الأفعال المذكورة بالبند (1) من هذه المادة تأليب الرأي العام أو إثارته ضد إحدى سلطات الدولة أو مؤسساتها أو إذا ارتكبت بزمن الأوبئة والأزمات والطوارئ أو الكوارث”.
ونصت المادة (53) من القانون في ما يخص بإتاحة محتوى غير قانوني والامتناع عن إزالته بالمعاقبة بغرامة لا تقل عن ثلاثمئة ألف درهم (نحو 84 ألف دولار) ولا تزيد على عشرة ملايين درهم (نحو 280 ألف دولار) كل من استخدم موقعا أو حسابا إلكترونيا في ارتكاب أي من الأفعال الآتية:
1. خزن أو أتاح أو نشر محتوى غير قانوني، ولم يبادر بإزالته أو منع الدخول إلى هذا المحتوى خلال المدة المحددة في الأوامر الصادرة إليه والمنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون.
2. امتنع عن الامتثال كلياً أو جزئياً لإحدى الأوامر التي صدرت إليه والمنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون، دون عذر مقبول.
ويتطرق القانون الإماراتي أيضا إلى تجريم نقل بيانات زائفة في الدولة، والحصول على عطية لنشر محتوى غير قانوني أو بيانات مضللة، وإدارة أو إشراف على تشغيل حساب أو موقع إلكتروني مسيء، وتزوير المستندات الإلكترونية، وغيرها من الجرائم الإلكترونية.
وتبذل دولة الإمارات العربية المتحدة جهودا كبيرة على الصعيدين التشريعي والتوعوي لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، بهدف الحفاظ على بيئة رقمية آمنة ومأمونة، وقد أحرزت تقدماً كبيراً في معالجة مثل تلك التحديات، غير أن سرعة تطور المشهد الرقمي عادة ما تحتاج إلى مواصلة تكييف الاستراتيجيات للبقاء في طليعة الدول المكافحة لهذه التهديدات الرقمية.