من المثير للسعادة رؤية مجرم الحرب الذي لم يتردد في قتل النساء والأطفال والعجائز، ولم يطرف له جفن أثناء قصف المستشفيات ومباني الإعلام، يتجرَّع كأس الهزيمة، ويتنازل عن أهدافه الإستراتيجية من حربه المسعورة على غزة.
لم يكن مفاجئًا ما فعله بغزة، فتاريخه السياسي تجاه الفلسطينيين كفيل بفهم الخلل الفكري الذي يعيشه هذا المجرم؛ فقد سبق أن تحدث نتنياهو عن ضرورة ضرب الفلسطينيين بضراوة، وجعْل الثمن الذي يدفعونه لا يُطاق، هكذا هي عقليته التي لم تسمح له بتوقُّع اشتداد المقاومة وتحفيزها -سواء في القطاع أو الضفة الغربية- كنتيجة منطقية للاعتداء عليهم، لقد ظن أن الإيلام سيُنسي الفلسطينيين المقاومة، وقد خاب فكره وخذلته ظنونه.
لا تحتاج لأن تكون خبيرًا سياسيًّا كي تتوقع أن القنبلة الموقوتة في الضفة وفي غزة ستنفجر في آنٍ ما، إلّا أن نتنياهو لم يستطع استقراء ذلك، ولم يعر اهتمامًا لتحذيرات ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ولم يَخَل نتنياهو ولا في أسوأ أحلامه أن يعاصر حدثًا مزلزلًا كالسابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لقد دخل سُباتًا عميقًا لم يسبقه له سوى قادته الذين سبقوه قبل السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973.
جُن الاحتلال الإسرائيلي إزاء الهجوم، وهاجم غزة بوحشية واضعًا مجموعة أهداف تتمثل في القضاء على حماس، وإعادة الأسرى، وتهجير الفلسطينيين لسيناء المصرية. ولم ينجح الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ أيٍّ من أهدافه كما كان يخطط؛ لم يستطع الإسرائيليون بمشاركة الأميركان إقناع القاهرة بالقبول بصفقة لاستقبال الفلسطينيين في غزة، ولم ينجح كذلك في القضاء على حماس، ولم يرد الرهائن بفعل القوة.
ظهر نتنياهو في مقطع وخلفه خريطة، يشرح سبب عدم رغبته في سحب قواته من الحدود بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي، تظهر فيها قطعة من سيناء منضمة لأراضي الاحتلال الإسرائيلي
تهجير الفلسطينيين إلى سيناء
مثَّلَ طوفان الأقصى حدثًا مفجعًا لإسرائيل، كشف هشاشة منظومتها الأمنية والمخابراتية، وجعلهم يشعرون بأنه بات من المستحيل العيش بأمان في ظل وجود جماعات مقاومة على بعد أميال قليلة من مستوطناتهم، وبات الجانب الإسرائيلي يرى أنه لا يمكن السماح باستمرار غزة في وضعيتها قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بكثافتها السكانية وفكرها المقاوم وخنادقها الوعرة، كذلك لم تتوانَ إسرائيل في تحميل الجانب المصري مسؤولية وجود أنفاق بين سيناء وغزة، لتحسين صورة نتنياهو، وتجنب تحمل مسؤولية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أمام شعبه.
اقرأ أيضا.. إتفاق الهدنة.. هل يلبي طموح الشعب الفلسطيني؟
كذلك أصبح الواقع الجديد لإسرائيل دافعًا يجدد مطامعها في سيناء، ويجدد محاولاتها في تنفيذ مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة نحو سيناء المصرية، لضمان الأمن الإسرائيلي، وتقوية قدراتها الهجومية ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، والقدرة على التوغل في القطاع بشكل آمن، غير أن هذا من شأنه تصفية القضية الفلسطينية.
ظهر نتنياهو في مقطع وخلفه خريطة، يشرح سبب عدم رغبته في سحب قواته من الحدود بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي في مايو/ أيار الماضي، تظهر فيها قطعة من سيناء منضمة لأراضي الاحتلال الإسرائيلي، وهو يعكس ما يدور في ذهنه من خطط لضم جزء من سيناء إلى قطاع غزة لتنفيذ خطة التهجير.
في بداية الحرب كذلك ظهرت وثيقة مؤلفة من 10 صفحات، سربتها المخابرات الإسرائيلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تهدف إلى تهجير سكان غزة، تتضمن عدة اقتراحات أهمها تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر، نحو مخيمات في شبه جزيرة سيناء.
عقلية نتنياهو، التي تتمثل في الضرب والإيلام لاجتثاث جذور المقاومة، لم تنجح وباءت بالفشل، وتحول الضرب إلى عامل محفز للشعب الفلسطيني كي تشتد مقاومته أكثر فأكثر، وغرس في نفوس الأجيال رغبة أشد في المقاومة
القضاء على حماس
حسب التقارير، فإن إسرائيل قد فشلت في تنفيذ خطة الجنرالات، ولم تستطع التمكن من مناطق شمالي غزة كما خططت، لم تَقضِ على حماس، قوضتها على أقصى تقدير، ولم تتمكن من إضعافها كما يجب أن تفعل اتساقًا مع حرب وعدوان دام 15 شهرًا.
قال أمير أفيفي، وهو لواء متقاعد في الجيش الإسرائيلي: “نحن في وضع حيث وتيرة إعادة بناء حماس لنفسها أعلى من وتيرة القضاء عليها من قبل الجيش الإسرائيلي”. ويقول الجيش الإسرائيلي” إن حماس جندت مئات الأشخاص في الأشهر الأخيرة، وربما الآلاف حسب بعض التقارير.
الجدير بالذكر أن عقلية نتنياهو، التي تتمثل في الضرب والإيلام لاجتثاث جذور المقاومة، لم تنجح وباءت بالفشل، وتحول الضرب إلى عامل محفز للشعب الفلسطيني كي تشتد مقاومته أكثر فأكثر، وغرس في نفوس الأجيال رغبة أشد في المقاومة، وعدم قبول أي نوع من التعايش مع الإسرائيلي؛ أي إنه بينما سعى نتنياهو لإضعاف قيمة المقاومة، أسهم في إعلائها بشكل ملحوظ.
نتنياهو أجرم كذلك في حق شعبه وأجندته، لقد تبخر الإرث الذي لطالما حلم به، وتحول من شخص يحلم بقيادة خالدة إلى مجرد شخص يحاول فقط الإمساك بطوق النجاة والهروب من العقوبة
استرداد الرهائن
لطالما راهن القادة الإسرائيليون على رأسهم نتنياهو في استرداد الأسرى بفعل القوة، مع أن الجميع يعلم أن وفاة الأسرى جميعهم هو حلم نتنياهو، حتى يبطل سبب الضغط الشعبي عليه لوقف الحرب، لكنه فشل في كل شيء!. فشل في استرداد الرهائن، لم يستعد رهينة واحدة، ولم ينجح في التخلص منهم جميعًا، ولم يستطع إكمال الحرب، ولم يكسب ثقة الداخل، وهو بالأساس فاقد لثقة الخارج منذ زمن.
لقد شرع شعب نتنياهو بالفعل بسؤاله عن دماء الأسرى الذين قُتلوا بفعل القصف الإسرائيلي، وسيسأله شعبه كذلك عن ثمن دماء الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا من أجل لا شيء.
نتنياهو ليس مجرمًا بحقنا فقط، نتنياهو أجرم كذلك في حق شعبه وأجندته، لقد تبخر الإرث الذي لطالما حلم به، وتحول من شخص يحلم بقيادة خالدة إلى مجرد 57 يحاول فقط الإمساك بطوق النجاة والهروب من العقوبة، وربما يفلح في ذلك، إلّا أنّ المؤكد والواقع، أنه يتجرّع كأس الهزيمة ومراراة التسفيل.