الجيش الإسرائيلي نشر مؤخرا فيديو مسجلا لقائد حركة حماس يحيى السّنوار، 62 عاما، زعم فيه أنه موجود رفقة زوجته سمر أبو زمر، 44 عاما، وأطفالهما داخل نفق في خان يونس في قطاع غزّة، وقد تمّ تداول هذا الفيديو على أوسع نطاق لأهميته وأهمية الشخصية المتواجدة فيه والتي تتصدر محركات البحث هذه الأيام، وقد تمّ أيضا تداول فيديو لأحد الأنفاق المجهزة بأعلى التجهيزات من طعام وشراب وثياب وكماليات الحياة الباذخة حتى زجاجات العطر.
ولو قمنا باستعراض ما عُرِض في الفيديو الأوّل والثّاني، لاكتشفنا ببساطة التضليل الإعلامي الذي لا تنفك إسرائيل تستخدمه منذ بداية احتلالها للأراضي الفلسطينية. هذا التضليل الذي كان مطلعه زعم إسرائيل مقتل 1400 شخص ثم انخفض الرقم لـ1200 وأخيرا 1150 في هجوم حماس، وبدورها للأسف الشديد لم تقم حماس وأخواتها بنفي هذا الرقم أو تأكيده، وبالتالي سيظل هذا الرقم قابلا للنقاش والانخفاض المتزايد مع مرور الأيام، فقد يكون هذا الرقم كذبة كبيرة ككذبة قطع رؤوس الأطفال والتي تراجع عنها الإعلام الإسرائيلي فيما بعد.
يظهر في الفيديو الأوّل والذي يعود إلى العاشر من أكتوبر تحديدا حسب ما ذكر الإعلام الإسرائيلي، مُرافق السّنوار وهو يحمل بيده مصباحا ضوئيا (بيل ضوئي) ويرشدهم إلى الطريق، وهذا يدلل على عدم وجود الكهرباء في الأنفاق، أي أنها ربما غارقة في الظلام.
ولكن الفيديو الثاني لا يمكن أخذه كلّه أو نفيه كلّه، فأساليب المخابرات الكلاسيكية تتشابه في غالبية دول العالم، من حيث تكديس الأموال التي تكون بحوزة “الإرهابيين” على حد تسميتهم، لإشعار الجمهور أنّ القيادة تعيش في النعيم والشّعب يعيش في الجحيم. وهذا بدا جليّا في تعليق الجيش الإسرائيلي على الفيديو الأوّل، لكن من الطبيعي أن تكون هذه الأنفاق مجهّزة بالطعام والشّراب.
أحد المعلّقين السّاخرين قال إنّ السّنوار ينوي تمضية شهر رمضان المبارك في النّفق، وهذا غير مستبعد، فمن المعروف أنّ السّنوار يجهز لحرب طويلة الأمد، ولم يقدم أي تنازلات تفوّت الفرصة على إسرائيل للهجوم على رفح والعيث فيها قتلا وفسادا وتشريدا، وزيادة “غلّتها” من الأسرى الفلسطينيين الأبرياء. فكلما ازداد عدد الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل تعقّدت مهمة تحريرهم لدى الفلسطينيين، ليضاف عبء على الأعباء السّابقة، فقد تضاعفت أعداد الأسرى في سجون الاحتلال أضعافا مضاعفة، حتى وصلت إلى 7040 في الضفة الغربية والقدس منذ طوفان الأقصى إلى اليوم، أمّا في غزة فالعدد مفتوح وغير معروف نهائيا، حيث أن إسرائيل رفضت مرارا وتكرار طلب الصليب الأحمر للالتقاء بهم وذلك حسب نادي الأسير الفلسطيني وهيئة الأسرى.
لا يختلف اثنان على أن كل الخيارات متاحة للشّعب الذي يرزح تحت الاحتلال لتخليص نفسه من الاحتلال، بما في ذلك الخيار العسكري، وهذا أمر تضمنه كافة الشّرائع والنواميس الكونية.
وبالعودة إلى الأنفاق التي هيأتها حركة حماس لحرب عسكرية طويلة الأمد أو ما نسميه “مترو أنفاق غزّة” كدليل على امتدادها وتعقيداتها، فلا آتي بجديد عندما أقول إنها قد تمتد لعشرات الكيلومترات وتشكّل شبكة معقّدة تحت أرض قطاع غزّة، وقد أنفقت عليها حركة حماس كما يبدو مئات الآلاف من الدولارات لتجهيزها وتحصينها لأطول فترة زمنية ممكنة، وقد ظهرت في إعداد هذه الأنفاق مهارة بالغة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ألا يجب أن تكون سلامة الشعب الفلسطيني وحياته هي الأولوية القصوى وأن يتم في البداية تجهيز الملاجئ له وألا يترك فريسة سهلة للاحتلال الفاشي والجوع والعطش والحر والقرّ والتّشرد والذّل والهوان؟
من المبرر تجهيز هكذا أنفاق تحسبا لهذه الحرب الشّاملة، بل هي أكثر من ضرورة، وبما أن حركة حماس هي من بادرت بالهجوم ولم يُفرض عليها، بالتالي هي من حددت الوقت لفتح أبواب جهنم على الشّعب الفلسطيني في القطاع والضفة والقدس، وهذا أمر مؤكد تماما لحماس وقيادتها، ومن المؤكد أيضا أنّ القيادة اليمينية المتطرفة لن تقابل الهجوم بالتنديد والاستنكار أو الاحتفاظ بحق الرد. كان بوسع حماس تأخير الهجوم لحين بناء الملاجئ للشعب الفلسطيني وتزويدها بالمواد الغذائية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس مبررا انعدام أي شعور بالمسؤولية أو اعتبار للشعب الذي يدفع هو الفاتورة الأولى والأخيرة. إن كانت هذه الحروب تُشَن لصالح هذا الشعب وحريته وكرامته، فلماذا لا يتم توفير مقومات الحياة والسّلامة الأدنى له وبناء ملاجئ آمنة للمدنيين من النساء والأطفال والرجال والشيوخ تحت الأرض في البداية، ومن ثمّ الانتقال إلى حفر وتجهيز مترو أنفاق للعسكريين.
اليوم في قطاع غزة الحبيب، من لم يمت بفعل القصف، يموت بفعل الجوع والأوبئة والبرد. وبهذا تكون حماس قصرت الطريق على الاحتلال، والذي هو غايته الأولى والأخيرة تهجير الشّعب الفلسطيني وإحلال الشّعب الإسرائيلي محله، وهذا أمر لا يحتاج لاستنتاج.
وفي المحصلة إنّ ما منع حركة حماس من تجهيز هكذا ملاجئ يلوذ إليها الشّعب الفلسطيني، وليس فقط قياداتها وعائلاتهم من زئير المروحيات وحممها وقذائف البر والبحر، ليس ضيق اليد أو قلّة الكفاءات المهنية أو المعدات أو الأيدي العاملة، لا إطلاقاً، بل لتقديمها اسم الحركة وإنجازاتها على الشّعب، هذا هو ما يعنيها، ولهذا يكون ختام القول هو “ربحت حماس وخسرت غزّة”.