شق قيس سعيد طريقه “مجددا” إلى كرسي قرطاج بأريحية كبيرة، بعد فوزه بفترة رئاسية ثانية بنسبة تفوق 90 بالمئة من مجموع الأصوات بانتخابات الـ 6 من تشرين الأول.
في ولاية سعيد الأولى، واجه الرئيس التونسي انتقادات سياسية وحقوقية واسعة، لا سيما بعد إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو من عام 2021 شملت حل مجلسي القضاء ومجلس النواب، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وأطلقت التحذيرات من جر “السلطة المنفردة” البلاد إلى مربع ما قبل ثورة 14 يناير 2011.
وعلى الرغم من حجم الانتقادات لسعيد وللمسار الانتخابي والمشهد السياسي “المشحون”، خرج الرئيس التونسي منتصرا في أول اختبار لـ “شعبيته” بعد 2019، واستغل نقاط قوته المستمدة من تفويض الشعب، ويمكن حصر نجاحه في 4 عوامل كبرى ساهمت في تعزيز نفسه كمرشح مفضل بين الناخبين.
زخم شعبي
مما لا شك فيه، أن الرئيس التونسي قيس سعيد ما زال محاطا بـ “حزامه الشعبي”، واستمرار شعبيته لدى جزء هام من الناخبين التونسيين، وذلك من خلال مساندتهم “للأستاذ” القادم من خارج المستنقع السياسي.
هذا الحزام الشعبي منح سعيد “تأشيرة” ثانية لخوض غمار انتخابات 2024 “منفردا” وسط توقعات مبكرة بفوزه، في ظل غياب خصم سياسي شرس يكسب ود الناخبين التونسيين، ويجمع المعارضة المشرذمة تحت عباءة واحدة.
مفارقة لا يمكن تخطيها في انتخابات 2024 وهي عزوف الشباب التونسي مناصرو سعيد المتحمسين لوعوده في انتخابات 2019، وخزانة الانتخابي الذي قاده سابقا إلى قرطاج بأغلبية مطلقة، انضموا اليوم إلى “الأغلبية الصامتة ” التي لا تجد في أي من المرشحين صوتها ولا تعثر على مشروع وطني يسمح بـ “تونس أخرى”.
معارضة مربكة
لا يزال الطيف المعارض بتونس يعاني انقساماً عميقاً، رغم محاولة “خجولة” عشية الانتخابات من قبل 5 أحزاب يسارية لا تمتلك خزانا انتخابيا هاما بالدعوة إلى المقاطعة، بينها “العمال” و”التكتل” و”القطب” و”المسار” و”الاشتراكي”.
لكن الدعوة إلى المقاطعة لم تؤت ثمارها، فرهان اليسار كان يعول على غضب التونسيين من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقمع الحريات لطي صفحة “الرئيس”.
لم تفلح المعارضة التونسية بتعبئة صفوفها وقطع الطريق أمام سعيد واستئثاره بعهدة جديدة، ومهدت “مقاطعتهم” الطريق المفتوح لسعيد.
إقرأ أيضا : بريكس الجديدة.. موقف الجزائر المناسب
تهميش الأحزاب
من يتابع “مسرح السياسة” بتونس بعد 2011، يعلم جيدا أن من سماته العدد الكبير للأحزاب الناشئة التي بلغت 244 حزبا، وتلك التوليفة للأحزاب السياسية الملونة لم تستطع طيلة هذه السنوات من استقطاب التونسيين الذين سئموا من وعود السياسيين الزائفة بعد رياح الياسمين حيث لم ينالوا من تلك العشرية سواء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
هذا العجز والتخبط السياسي بإنتاج بدائل وتصورات واضحة، نتج عنه فقدان “الناخب التونسي” ثقته بالأحزاب في العملية السياسية ووضع مسافة شاسعة بينه وبين النخب التقليدية في تونس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إزاحة قيس سعيد للأحزاب من المشهد السياسي الذي كانت تديره بالتحالفات والمحاصصات الحزبية عبر “الباب الصغير”، وتغييبها في سراديب التهميش بعد الـ 25 من يوليو، ساهم بدوره في هيمنة قيس سعيد على المشهد السياسي بتونس.
رئيس وقومي وسجين
لم يكن أمام التونسيين، خيارات متنوعة بهذا الاستحقاق الانتخابي، فمن بين 17 ملف ترشح لانتخابات الرئاسة قررت هيئة الانتخابات التونسية قبول ملفات 3 مرشحين وهم الرئيس قيس سعيد (66 عاما)، وزهير المغزاوي (59 عاما) أمين عام حركة الشعب (مؤيدة لسعيد)، ورئيس حركة “عازمون عياشي شمال (47 عاما) المسجون بتهم “تزوير” تزكيات.
فزعيم حركة “الشعب” ذات التوجه القومي الناصري، زهير المغزاوي عرف بتأييده لمسار 25 يوليو 2021 بإقالة الحكومة وحل مجلس النواب ودعم إنهاء تجربة الإسلاميين للمشاركة في الحكم، ويعد من أبرز المعارضين للحركات الإسلامية بتونس.
أما المرشح “السجين” عياشي المال، هو سياسي تونسي رئيس حركة “عازمون” حديثة التأسيس، معروف بمواقفه الداعية للإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس.
شارك بانتخابات الرئاسة من داخل أسوار السجن، وأحيل إلى القضاء بناء على المادة 161 من قانون الانتخابات، الذي ينص على أن “يعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من ألفين إلى خمسة آلاف دينار كلّ شخص ثبت قيامه بتقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التّأثير في النّاخب، أو استعمل الوسائل أنفسهم لحمل النّاخب على الإمساك عن التصويت، سواء كان ذلك قبل الاقتراع، أو في أثناءه أو بعده”.
قلّة المترشحين المتنافسين أمام الناخبين التونسيين، وغياب تنافس فعلي بالمسار الانتخابي، إذ غابت عنها الحملات الانتخابية والمناظرات التلفزيونية التي كانت محطة هامة في المسار الانتخابي بـ 2019 وهو ما لم يشاهده التونسيون بالطريق إلى قرطاج 2024.
بعد فوز قيس سعيد بعهدة جديدة لمدة 5 سنوات، طوى التونسيون صفحة الانتخابات الرئاسية، بانتظار قضم ثمار وعود الرئيس الذي أطلقها منذ 2019 وما يزال “الشعب يريد” نيلها.
ويعد قيس سعيد رابع رئيس لتونس بعد “ثورة الياسمين” التي اندلعت عام 2011، وهو سابع رئيس للجمهورية التونسية منذ إعلانها في 25 يوليو 1957.