بعد هدوء نسبي شهدته شوارع إيران، عادت الاحتجاجات الشعبية مجددا لتملأ الميادين والمدن على وقع تردي الأوضاع الاقتصادية وأزمة انقطاع الكهرباء وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وسط خسائر وتراجعات إقليمية لافتة لنظام الملالي الإيراني.
وفي سبتمبر 2022، اجتاحت إيران احتجاجات حاشدة بعد وفاة فتاة تُدعى مهسا أميني، وهي امرأة كردية شابة، بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق بزعم ارتداء حجاب غير مناسب، إذ دخلت أميني في غيبوبة وماتت على إثرها، وأثارت وفاتها أخطر الاحتجاجات في إيران منذ عقود، والتي قمعتها السلطات بعنف.
وجابت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية عدة مدن إيرانية، حيث ردد المشاركون هتافات أبرزها “اتركوا الحجاب.. واضبطوا التضخم والأسعار”، “كل هذا الظلم.. لم يشهده أي شعب من قبل”، “الحكومة تخون.. والبرلمان يدعم”، “الراتب العادل.. حقنا المشروع” وغيرها.
تجمعات احتجاجية بعدة مدن
في ظل هذه الظروف الاقتصادية المتردية، نظّم المتقاعدون وعمال صناعة الصلب مسيرات وتجمعات احتجاجية في عدة مدن إيرانية، معبرين عن استيائهم من الإهمال الرسمي وسوء الأوضاع المعيشية، ورفع المحتجون شعارات تندد بالتهميش والفساد.
اقرأ أيضا.. كيف نجح الموساد في تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل؟
وأدى فشل “رؤية 2025” التي وضعتها الحكومة الإيرانية قبل 20 عامًا إلى زيادة الاستياء الشعبي، حيث كانت هذه الرؤية تهدف إلى جعل إيران القوة الأولى إقليميًا، لكن لم يتحقق أي من أهدافها، مما زاد من شعور المواطنين بالإحباط تجاه السياسات الحكومية.
وتُعزى هذه الأزمات الاقتصادية جزئيًا إلى العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي أدت إلى تراجع صادرات النفط والغاز، وبالتالي انخفاض موارد الحكومة، كما ساهمت السياسات الداخلية في تفاقم الوضع، حيث أدى العجز المتزايد في ميزانية الحكومة إلى ارتفاع معدلات التضخم.
في ظل هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية في إيران عام 2024، معبرة عن رفض المواطنين للسياسات الحكومية ومطالبتهم بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد.
تزايد المظاهرات الاحتجاجية
وبحسب خبراء إيرانيين تحدثوا إلى “جسور بوست”، فإن الترجيحات تشير إلى اتساع وتزايد المظاهرات الاحتجاجية، لا سيما في ظل المهددات التي يواجهها النظام الإيراني عقب هزيمته في سوريا وتدهور الأوضاع الاقتصادية وغضب قطاعات واسعة من العمال والمهنيين.
وخلال العام الماضي، تصاعدت الاحتجاجات في مختلف المدن الإيرانية بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والتجاهل الحكومي لمطالب المتقاعدين، إذ شهد عام 2024 ما لا يقل عن 1279 تجمعًا وإضرابًا نقابيًا، معظمها احتجاجًا على الظروف المعيشية الصعبة وسوء إدارة المؤسسات، بحسب تقديرات وكالة “هرانا” لحقوق الإنسان (غير حكومية).
اتساع دوائر الغضب
وقال المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عفراوي، إن منطقتي الأهواز العربي وشوش تشهدان أكبر احتجاجات شعبية لأن بها أكبر شركة لإنتاج السكر في إيران، إضافة إلى شركات النفط والغاز والبتروكيماويات، وهي مناطق قوية كان لها أثر كبير في إسقاط النظام الملكي السابق، الأمر الذي يضفي بعدا جديدا وخطيرا على الاحتجاجات الحالية في إيران.
وأوضح عفراوي في تصريح لـ”جسور بوست”، أنه من المتوقع أن تستمر الاحتجاجات ويتسع نطاقها الجغرافي، خاصة أنها تلقى تفاعلا إيجابيا من الشارع الإيراني، وتواجه اعتراضات من داخل السلطة سواء من رجال دين وسياسيين وبرلمانيين ورجال من أجهزة الأمن والحرس الثوري.
وأضاف: “إذا التحمت هذه الاحتجاجات غير المنسقة واستطاعت أن تشكل كتلة احتجاجية حرجة من الصعب جدا على النظام الإيراني السيطرة عليها في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وبالتالي فإن الطرق التقليدية لقمع المظاهرات سوف تؤدي حتما إلى انهيار تلك السلطة القائمة بشكل سريع”.
ورجح المحلل السياسي أن إيران هذه المرة لن تستطيع مواجهة الاحتجاجات كما كان في عام 2022 بحادث مقتل الفتاة مهسا أميني، خاصة في ظل خسائرها الإقليمية والضغوط الشعبية التي تتسع وتتزايد، متوقعا أن يحدث سيناريو مشابه لما حدث في سوريا وأدى لإسقاط النظام السوري، حيث ستخرج احتجاجات واسعة في الشارع ولا تتصدى لها الأجهزة الأمنية بغية إسقاط النظام.
ورأى وجدان عفراوي، أن الثورة السورية أعطت حافزا للشارع الإيراني، وهناك تمرد على قرارات السلطة لا سيما في مسألة إجبار النساء على ارتداء الحجاب وغيرها، مرجحا أن أي سعي من طهران لفتح حوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة مع وصول الرئيس دونالد ترامب لن يكون حلا لتفادي الانهيار المرتقب.
طبيعة المظاهرات في إيران
ومن جانبه، فسر الخبير في الشؤون الإيرانية، عارف نصر، دوافع الاحتجاجات الإيرانية، قائلا: “بداية علينا أن نصنف طبيعة المظاهرات في إيران وخلفياتها، فهناك مظاهرات بيئية الكثير منها لتحويل الأنهار في الأهواز، وهناك أخرى مرتبطة بالمطالب الطلابية والنقابية والعمالية مع انهيار الحريات ورفع مطالب المعلمين والعمل ورفض خصخصة الشركات وهيمنة الحرس الثوري على الجانب الاقتصادي، إضافة إلى الاحتجاجات المعارضة لسياسات النظام”.
وأضاف نصر في تصريح لـ”جسور بوست”: “جميع هذه المظاهرات ينتهي بها المطاف لتكون تظاهرات سياسية وتغيرت شعاراتها من المطالبة بإصلاحات جذرية في قطاعات اقتصادية بعينها إلى المطالبة برحيل نظام الملالي الإيراني الذي أنهك البلاد وأدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة المحلية أمام الدولار”.
وتابع، قائلا: “تأتي هذه المظاهرات والاحتجاجات الحاشدة في ظل تغيرات حكومة جديدة بالبلاد وسيتضح هل تواجهها كسابقتها بالحديد والنار والقمع المفرط أم تتهاون وتتركها للتصاعد والتزايد، لا سيما أنه في الحالتين فإن الحكومة الإيرانية أمام اختبار حقيقي وخطير، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية”.
وتوقع نصر، أنه لو تم رفع الحجب عن مواقع التوصل الاجتماعي في إيران سوف تلقى هذه الاحتجاجات قبولا وزخما كبيرا في الداخل الإيراني أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، ما سيؤثر بقوة على وضعية النظام الإيراني الحالي.
ومنذ عام 2009، تحجب السلطات الإيرانية تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”، و”إكس” المعروفة سابقًا باسم “تويتر”، و”يوتيوب”، وذلك عقب احتجاجات شعبية قادتها المعارضة، حيث حجبت حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، في أبريل 2018، تطبيق “تليغرام” بعد احتجاجات بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وحجبت حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي تطبيقي “واتساب” و”إنستغرام” في عام 2022، وذلك بعد احتجاجات اندلعت على خلفية وفاة الشابة الكردية “مهسا أميني”، وبحسب إحصائيات رسمية، يُعد تطبيقا “إنستغرام” و”تليغرام” من أكثر التطبيقات شعبية في إيران، ويستخدمهما أكثر من 45 مليون شخص.