في السنوات الأخيرة، أعلنت عدة دول إفريقية عن برامج طموحة لبناء محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية. وعلى الرغم من أن القليل منها قد بدأ في تنفيذ المشاريع الفعلية؛ إلا أننا نحاول فهم السبب وراء إثارة هذه الطموحات والشعور المختلط بين الحماس والتحفُّظ.
تُعدّ بوركينا فاسو من آخر الدول التي أعلنت عن رغبتها في بناء محطة نووية. وهذا يُعيد إلى الذاكرة الاتجاه السائد بين بعض الدول الراغبة في امتلاك محطة نووية على أراضيها. بوركينا فاسو، الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، ويقودها العسكر، هي الأحدث في قائمة تضم على الأقل 10 دول في القارة تسعى إلى تطوير الطاقة النووية. ومع ذلك، لا تزال تكاليف وظروف إنشاء المفاعل النووي غير معروفة. وقد خطّطت السلطات لبناء هذه المحطة بحلول عام 2030م، بهدف مضاعفة إنتاج الكهرباء في بلدٍ لا يتجاوز فيه وصول الكهرباء في المناطق الريفية نسبة 10%.
ما هي الدول الإفريقية التي تطمح إلى امتلاك الطاقة النووية؟ وأين وصلت مشاريعها؟
بالإضافة إلى بوركينا فاسو، أعلنت كلٌّ من المغرب والجزائر وغانا ومصر وأوغندا والنيجر ونيجيريا وتونس وكينيا وزامبيا، وحتى السودان، عن رغبتها في الانتقال إلى إنتاج الطاقة النووية؛ لكنَّ هذه المشاريع تواجه تحديات متفاوتة.
-مصر: 4 مفاعلات تحت الإنشاء
وهو مشروع طموح أطلقته مصر في منطقة الضبعة القريبة من الحدود المتوسطية، من خلال البدء في إنشاء الوحدتين 1 و2 على التوالي في يوليو وأغسطس 2022م، ثم الوحدة رقم 3 في مايو 2023م، وتنخرط الدولة في مشروع يهدف إلى الاستحواذ على محطة كهرباء ذات أربعة مفاعلات.
منذ عام 2015م، تم ربط البلاد باتفاقية مع مجموعة “روساتوم” الروسية، التي تدير 70٪ من سوق بناء محطات الطاقة النووية العالمية.
وتبلغ تكلفة المشروع 30 مليار دولار للبنية التحتية التي يجب أن تولد 1.2 جيجاوات من الطاقة النووية، وهو ما يمثل 10% من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد، ومن المتوقع أن يُوفّر الكهرباء لــ20 مليون شخص.
اقرأ أيضًا.. إفريقيا وأزماتها رهينة النظام العالمي..فكيف يمكن الخروج من الهامش؟
ووفقًا للجدول الرسمي، يجب أن يتم تشغيل أول مفاعلين في عام 2028م، والثالث في عام 2029م، والأخير الذي حصل بالفعل على ترخيص من الهيئة التنظيمية للطاقة النووية المصرية، يجب أن يبدأ تشغيله في عام 2030م.
-المغرب في إجراءات متقدمة
كان هذا الطموح يراود المملكة المغربية منذ عقودٍ، لكنَّها لم تعلن رسميًّا عن رغبتها في اتخاذ هذه الخطوة إلا في يونيو 2022م. وعلى أرض الواقع تمتلك المغرب مفاعلًا تجريبيًّا في مارونا منذ عدة سنوات.
ومنذ الإعلان عن ذلك في عام 2022م، حقَّقت البلاد ثلاثة إنجازات مهمة: أولًا، اعتماد البرلمان في مايو 2023م لما يسمى بقانون الاسترداد النووي، والذي وفقًا لوزارة انتقال الطاقة من شأنه أن يسمح للبلاد “بإنتاج طاقة مستقلة وتنافسية وخالية من الكربون”.
وإلى ذلك، تم إدراج البلاد ضمن قائمة الدول العشر في العالم التي دخلت “مرحلة القرار” وفقًا لبيان رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وعلى هامش المؤتمر العام الـ68 للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحديدًا في 16 سبتمبر 2024م، حصلت المغرب على تجديد الاعتراف بالمركز الوطني للطاقة والعلوم والتكنولوجيا النووية للفترة 2025-2029م.
وبناء عليه، اعترفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرة أخرى بالمركز المغربي كمتعاون دولي في استخدام التقنيات النووية والنظائرية في مجالات إدارة الموارد المائية وحماية البيئة والتطبيقات الصناعية.
في الوقت الحالي، لا يُعرَف تاريخ بدء أعمال البناء في محطات الطاقة، لكننا نعلم أن روسيا وقَّعت اتفاقية مع المغرب في عام 2022م، مما يضع شركة “روساتوم” الروسية الحكومية في الصدارة، على الرغم من أن فرنسا والولايات المتحدة واصلوا مغازلة المملكة المغربية لتنفيذ المشروع.
-غانا وشراكتها مع الولايات المتحدة الأمريكية
تُعتبر غانا من بين الدول العشر في مرحلة اتخاذ القرار، كما نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى المغرب وكينيا ونيجيريا وناميبيا.
وقد وقَّعت أكرا اتفاقية نووية مبتكرة مع الولايات المتحدة في نهاية أغسطس 2024م تهدف إلى نقل غانا إلى إنتاج طاقة خالية من الكربون.
ستستخدم الاتفاقية التجارية بين شركة الطاقة النووية غانا (NPG) ومجموعة Regnum Technology Group، وهي شركة تطوير أمريكية، تقنية المفاعل المعياري الصغير (SMR) الخاصة بشركة NuScale Power. ومن المتوقع أن يساعد البرنامج النووي غانا على تلبية الطلب الحالي على الكهرباء، مع تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
ويبني الاتفاق، الذي تم توقيعه في قمة الطاقة النووية الأمريكية الإفريقية التي عُقدت في نيروبي، على الاتفاقيات القائمة التي من المتوقع أن تجعل غانا مركزًا إقليميًّا للتميز في مجال الطاقة النووية، كما سيُوفّر التدريب لفني ومشغّلي الطاقة النووية.
وتواجه غانا نقصًا في الكهرباء يُؤثّر على الأسر والصناعات. وحاليًّا يحصل 84% من الغانيين على الكهرباء. وتعتقد السلطات أن الطاقة النووية يمكنها حلّ مشكلات الطاقة، وتحقيق الطموحات الصناعية، ومكافحة تغير المناخ.
-كينيا تتقدم بالتاريخ
خلال القمة الأمريكية الإفريقية التي عُقدت في نهاية أغسطس، انتهزت كينيا الفرصة لإضفاء الطابع الرسمي على برنامجها النووي لاستخدام الطاقة.
ويُشار إلى أن نيروبي ترغب في افتتاح أول محطة كينية لتوليد الكهرباء تقع على المحيط الهندي في عام 2034م، كما تخطط السلطات في البلاد لبدء أعمال البناء في هذه المحطة بقدرة 1000 ميجاوات في عام 2027م بتكلفة تبلغ حوالي 3.9 مليار دولار. ويهدف البرنامج إلى الحدّ من انبعاثات الغاز، حتى لو كان لا يزال يثير قلق السكان المحليين.
وعلى الرغم من عدم توفّر معلومات، في الوقت الراهن، عن الشركة المصنِّعة للمحطة؛ إلا أنه من المعلوم على الأقل أن سلطات البلاد قطعت شوطًا كبيرًا في المباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تنفيذ المشروع.
ونعلم أيضًا أن نيروبي تتعاون منذ عدة سنوات في المجال النووي مع الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وسلوفاكيا.
-هل تأخذ رواندا زمام المبادرة؟
يبدو أن رواندا أيضًا تمر بمرحلة متقدمة جدًّا في تنفيذ ذات المشروع، ووفقًا لسلطات البلاد، سيكون لدى البلاد مفاعل تجريبي بحلول عام 2026م للاختبارات التي ستستمر لمدة عامين.
وقد وقَّعت الدولة اتفاقية تنفيذ المشروع في سبتمبر 2023م مع شركة كندية ألمانية تدعى Dual Fluid Energy Inc.
وتبلغ تكلفة الاستثمار 75 مليار دولار، للجمع بين تقنية مبتكَرة تستخدم الوقود السائل ومبرد الرصاص، مما سيؤدي إلى تقليل النفايات المشعّة، وفقًا لما نقلته وكالة رويترز للأنباء عن هيئة الطاقة الذرية الرواندية.
ويمكن أن تصبح البلاد الأولى في شرق إفريقيا التي تمتلك محطة كهرباء عاملة بالطاقة النووية؛ على الرغم من أن دولًا أخرى في المنطقة -على غرار أوغندا المجاورة- قد شرعت في تنفيذ مفاعل نووي؛ حيث أعلنت كمبالا في مارس 2023م أنها تريد البدء في إنتاج ما لا يقل عن 1000 ميجاوات من الطاقة النووية بحلول عام 2031م.
-ناميبيا تحذو حذو جنوب إفريقيا
جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة في القارة حتى الآن التي تمتلك محطة طاقة نووية عاملة. وكان هذا هو الحال منذ عام 1984م، لكنّ جارتها ناميبيا تعتزم أن تحذو حذوها. وتعتبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العملية متقدمة جدًّا.
وتنتج هذه الدولة الواقعة في الجنوب الإفريقي ما بين 8 و10% من حصة العالم من اليورانيوم (مادة تستخدم لإنتاج الطاقة النووية)، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية والرابطة النووية العالمية؛ لكنّ السلطات لم تُعلن بعدُ عن موعد بدء بناء محطة للطاقة النووية.
مَن الذي ينفّذ إنشاء محطات الطاقة النووية الإفريقية؟
إذا لم يكن هناك معارضة واضحة بين القوى لبناء هذه البنى التحتية في البلدان الإفريقية، فلا يزال بإمكاننا ملاحظة حرب خنادق بسيطة.
ومن المقرر أن تقوم كوريا الجنوبية وروسيا ببناء أول محطة للطاقة في أوغندا، في حين تعمل شركة كندية ألمانية بالفعل في رواندا المجاورة.
يتم الإعلان عن نفس الشريك الروسي في تنفيذ المحطات في مصر والمغرب ونيجيريا وبوركينا فاسو، حتى لو كانت فرنسا لا تزال تحاول تموضعها في المغرب.
وكينيا هي الأخرى ساحة تنافس، وتُجري البلاد محادثات متقدمة مع الولايات المتحدة، بينما وقَّعت سلطات كيغالي في الماضي شراكات على نفس المنوال مع الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وسلوفاكيا.
لماذا تتجه الدول الإفريقية نحو الطاقة النووية؟
في قارة إفريقيا حيث يحصل أقل من 40%، أو أقل من واحد من كل اثنين من الأفارقة، على الكهرباء، وفقًا للبنك الدولي؛ تحاول السلطات العامة تنويع مصادر العرض لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
وفي غرب إفريقيا، على سبيل المثال، لا يزال الوقود الأحفوري يمثل 79% من مصادر الطاقة، منها 42% يوفرها الغاز الطبيعي، ثم المنتجات البترولية 37%، قبل احتساب الطاقة الكهرومائية التي تمثل 19%.
إلى جانب البنية التحتية لإنتاج الطاقة الكهرومائية، والتي غالبًا ما تكون قليلة العرض خلال فترات انخفاض المياه، تعتمد دول مثل جنوب إفريقيا بشكل كبير على الفحم لتوفير الإمدادات، متفوقة بفارق كبير على الطاقة النووية التي لا تمثل سوى 5٪ من إمداداتها من الطاقة.
وفي السنوات الأخيرة، تحوَّلت القارة إلى الطاقة الشمسية، التي لا تمثل سوى حوالي 1٪ من الإنتاج في منطقة الإيكواس، على سبيل المثال.
“عندما يتعلق الأمر بالطاقة الكهرومائية، تتمتع إفريقيا بنقاط قوة كبيرة في أحواض النيل والنيجر والكونغو، لكن الطاقة الكهرومائية لها حدودها الخاصة، لا سيما بسبب موجات الجفاف الشديدة المتزايدة ومحدودية المواقع المتاحة”؛ على حد تحليل كلير كيربول، مؤلفة كتاب “الطوارئ للطاقة النووية المستدامة”، نُشر عام 2023م.
وإذا كانت الطاقة الشمسية بديلًا آخر، وخاصةً بالنسبة للبلدان التي ليس لديها نظم ري هيدروليكي جيدة؛ فإن استخدام هذا المصدر النووي لا يزال موضع نقاش في إفريقيا.
ووفقًا لـ”كللير كيربول”، فيما يتعلق بالمسائل النووية، حتى لو كانت تمتلك إفريقيا مناجم يورانيوم لا تستغلها لتلبية احتياجاتها الخاصة.
وتعتقد خبيرة الفيزياء النووية أن القارة يمكن أن تستفيد من التطوير الصناعي للمفاعل المعياري الصغير (SMR) متوسط الطاقة (150-250 ميجاوات) ليحل محل محطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري.
“وتكمن ميزة هذه المفاعلات الصغيرة في نمطيتها وصِغَر حجمها، بدءًا من الإنتاج الضخم في المصانع وحتى معالجة الوقود وإعادة التصنيع بما في ذلك إدارة النفايات”.
ثم توصي الخبيرة باستخدام تكنولوجيا النيوترونات السريعة (FNR) والسماح باقتصاد مورد اليورانيوم، وهذا ما نسميه الطاقة النووية المستدامة (توفير الموارد وإنتاج القليل من النفايات)، وهو الحل الوحيد قصير المدى نسبيًّا.
لماذا تثير الطاقة النووية قلق المجتمع المدني الإفريقي؟
هناك عدة نقاط تُفسِّر تلك التحفُّظات من جانب السكان والمجتمع المدني؛ منها: إشكالية إتقان التكنولوجيا ذاته، وقد ظل استخدام هذه الطاقة المتجددة من المحرمات في إفريقيا لفترة طويلة؛ بسبب استخدام مادتها الخام في أغراض الأسلحة، وهو ما تسميه كلير كربول “الخوف من المجهول” الذي ظل يتفاقم بفعل الإعلام، ولا تزال الطاقة النووية غير معروفة إلى حد كبير؛ لأنها قليلة أو غير مدروسة، وفقًا لها.
وقال ديدييه دينامو المتخصص في الطاقات المتجددة: “الأفارقة لم يمتلكوا التكنولوجيا النووية بعد، مما يُعرّضهم للعمالة الأجنبية التي قد تكون أكثر تكلفة”.
ويرى الخبير أنه من الأفضل للدول الإفريقية الاستثمار في الطاقات التي تسيطر عليها، مثل الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية “التي تتحكم في تكلفتها وصيانتها، لتجنُّب الاعتماد على العمل الأجنبي”.
كما يخشى أن تعتمد بعض الدول التي لا تنتج اليورانيوم على مورديها، مما قد يؤدي إلى نقص أو انفجار في الأسعار بالنسبة للمستهلك النهائي.
وفي البلدان التي أكدت رغبتها في اعتماد التكنولوجيا النووية، كثيرًا ما يرفع المجتمع المدني صوته للتعبير عن مخاوفه. ففي المغرب، على سبيل المثال، تتعلق المخاوف بإدارة المخلفات.
ولا تزال إدارة ما بعد الإنتاج لمحطات الطاقة النووية تُشكّل تحديًا. ووفقًا للجنة السلامة النووية الكندية، فإن 97% من النفايات المشعَّة غير ضارة، ويمكن التخلص منها كنفايات بسيطة.
ومن ناحية أخرى، فإن نسبة الـ3% المتبقية تتكون من نفايات عالية المستوى. ويمكن أن تظل مشعة لمئات السنين.
وعطفًا على ذلك، هناك ثمة مخاوف عن وقوع حوادث في محطات توليد الطاقة؛ فعلى الرغم من ندرة وقوع حوادث في محطات الطاقة النووية إلا أنه حدث حادثان في العقود الأخيرة: في أبريل 1986م في تشيرنوبيل في أوكرانيا وفوكوشيما في اليابان في عام 2011م. وفي كلتا الحالتين، بلغ عدد الوفيات المئات، بل الآلاف.
وتسببت كارثة فوكوشيما في مقتل أكثر من 2300 شخص، وتشريد أكثر من 160 ألف شخص في المنطقة، وتضررت أكثر من 1150 كيلو مترًا مربعًا من الأراضي، مما جعل من المستحيل على البشر استغلالها. ونتيجة لهذا الحادث، أنهت اليابان برنامجها النووي، وأغلقت 54 مفاعلاً نشطًا في البلاد.
على سبيل المثال، أوصت منظمة السلام الأخضر غير الحكومية، في أحد إصداراتها، الحكومات الإفريقية بعدم الاستثمار في هذا النوع من الطاقة، مشيرةً إلى خطورته؛ “هناك بدائل طاقة أرخص وأكثر أمانًا وأكثر استدامة لإفريقيا. لا يوجد مجال للاستثمار النووي المحفوف بالمخاطر”؛ وفقًا لإعلان المنظمة غير الحكومية على موقعها على الإنترنت.
وهو رأي لا تشاطره “كلير كربول” التي توضّح أن منظمة الصحة العالمية قامت بنشر معدلات الوفيات من مصادر الطاقة المختلفة في العالم من خلال دمج جميع أسباب الوفيات بما في ذلك الحوادث الخطيرة.
وتقول: إنه من هذا التقرير نلاحظ أن “الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز) هو السبب في أكثر من 6.5 مليون حالة وفاة سنويًّا لكل تيراواط ساعة يتم إنتاجها. الطاقة النووية هي إلى حد بعيد مصدر الطاقة الأكثر أمانًا من حيث الصحة العامة للسكان.