أطلقت فصائل الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام عملية “ردع العدوان”، قبل أسبوع، بهدف توجيه ضربة استباقية لقوات النظام السوري في حلب وريفها، وإعادة مئات الآلاف من المهجرين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم بعد تحريرها من قوات النظام والمليشيات الإيرانية، كما أطلق الجيش الوطني السوري عملية “فجر الحرية” لتحرير مدينة تل رفعت من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يشكل حزب العمال الكردستاني عمودها الفقري.
الثوار السوريون حققوا خلال أيام انتصارات كبيرة، ليحرروا مدينة حلب، عاصمة سوريا الاقتصادية، من قوات النظام وحلفائه، كما تم تحرير مدينة تل رفعت وحي الشيخ مقصود في حلب من وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني. وما زال الثوار يتقدمون نحو مناطق أخرى لتحريرها، وسط تكهنات حول اقتراب حكم آل الأسد في سوريا من النهاية، وتساؤلات حول مصير البلاد.
أنقرة تبدو منذ انطلاق عملية “ردع العدوان” وكأنها مجرد متابع لما يجري في سوريا، على الرغم من أن تركيا تأتي على رأس الدول المتأثرة من أحداث الشمال السوري. إلا أنه من غير المعقول على الإطلاق أن تكون أنقرة مجرد متابع للعمليات العسكرية التي يقوم بها الثوار السوريون في ظل مشاركة فصائل في تلك العمليات تدعمها تركيا وتدربها، بالإضافة إلى وجود عشرات النقاط العسكرية للجيش التركي في محافظة إدلب. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: “لماذا تسعى أنقرة إلى النأي بنفسها مما يجري الآن في سوريا؟”.
الموالون للنظام السوري يدَّعون بأن فصائل الثورة السورية التي أطلقت عملية “ردع العدوان” مرتبطة بالخارج، وتنفذ أجندة إسرائيل والولايات المتحدة. وجاء ذات الادعاء على لسان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الاثنين، مع نظيره التركي هاكان فيدان، خلال زيارة الأول للعاصمة التركية. وهو ما نفاه فيدان جملة وتفصيلا، وشدد على أنه “من الخطأ في هذه المرحلة تفسير الأحداث في سوريا بأي تدخل خارجي”، كما وصف ادعاء نظيره الإيراني بـ”ملجأ لمن لا يريد أن يفهم الحقائق”.
تركيا تحمِّل نظام الأسد مسؤولية ما يجري حاليا في سوريا، مشيرة إلى أن النظام السوري لم يقدم أي خطوة لحل مشاكل البلاد منذ اندلاع الثورة. وترى أن بشار الأسد وحلفاءه من الروس والإيرانيين أرادوا أن يستغلوا تفاهمات أستانة لإنهاء المعارضة والسيطرة على المناطق المحررة، بدلا من الاستجابة لمطالب المعارضة المشروعة. بالتالي، لا ترغب تركيا في الظهور كشريك فعَّال في إدارة العمليات العسكرية كيلا تمنح النظام فرصة لتغطية فشله وتقوية ادعائه بأن ما يجري تدخل خارجي.
وقوف تركيا إلى جانب الشعوب بعد اندلاع ثورات الربيع العربي أدَّى إلى تدهور علاقاتها مع عدد من الدول العربية، مثل مصر والسعودية والإمارات. ونجحت أنقرة في ترميم تلك العلاقات في السنوات الأخيرة بعد أن بذلت جهودا حثيثة بهذا الاتجاه. والآن، مع تحرك الثوار السوريين وتقدمهم نحو دمشق، تتحاشى تركيا أن تظهر كداعم لثورة شعبية تسعى إلى إسقاط النظام، في ظل خوف أنظمة الثورة المضادة من عودة رياح الربيع العربي.
إقرأ أيضا : احتدام الصراع الروسي-التركي على سوريا يضع نفوذ موسكو في المنطقة على المحك
بل تؤكد أن تعاملها مع أحداث سوريا يقتصر فقط على حماية أمنها القومي ومكافحة حزب العمال الكردستاني الذي يسعى إلى استغلال الأوضاع المضطربة والتطورات الأخيرة للسيطرة على مناطق جديدة تنسحب منها قوات النظام السوري.
أنقرة تدعو مبدئيا إلى الحفاظ على وحدة تراب سوريا، وأن يعيش أبناؤها تحت حكم مدني يحتضن الجميع، ويسعى إلى توفير حياة كريمة لهم، ولا يمارس عليهم ألوان الظلم والقمع لصالح أقلية حاكمة، وأن لا تكون الأراضي السورية مرتعا للتنظيمات الإرهابية بما فيها حزب العمال الكردستاني الانفصالي الذي يهدد أمن تركيا واستقرارها ووحدة ترابها. وتدافع عن فكرة عدم تدخل القوى الدولية والإقليمية في شؤون سوريا، لتنسحب جميع القوى والمليشيات الأجنبية من البلاد، وتترك إدارة سوريا في أيدي أبنائها. ولكنها في ذات الوقت مستعدة للتدخل المباشر والقيام بأي تحرك عسكري للقضاء على أي تهديد إرهابي موجه إليها.