لماذا تأخر الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني؟
عمدت إسرائيل إلى التعتيم الإعلامي على حجم الأضرار والخسائر التي تتكبدها، نتيجة المعارك أو القصف، وفرض الجيش الإسرائيلي رقابة عسكرية على المعلومات، بخصوص أحداث الميدان، والأماكن التي تستهدفها صواريخ ومسيرات ايران والمقاومة.
لماذا تأخر الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني؟. وقد عرف عن إسرائيل سرعة الرد، والرد الفوري، والذي ترى فيه أحد جوانب قوة الردع التي تتفاخر بها، في أن لا حاجة لها للتدارس والنقاش الطويل حول أي أذى يلحقه أحد أعدائها بها، ولا تهتم لردود فعل المعتدى عليهم، ولا تبالي بالقانون الدولي، إذا ما استهدفت المدنيين.
تأخرت إيران شهرين كاملين بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران يوم 31 يوليو/تموز 2024. فشككوا بما تعهدت به إيران بمهاجمة إسرائيل رداً على الاغتيال، فبرهن الوعد الصادق الثاني في يوم الثلاثاء الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أن ايران تفي بوعدها ووعيدها.
بعض المحللين السياسيين العرب اعتبروا الرد الإيراني الأول على قصف السفارة الإيرانية في دمشق، في أبريل/نيسان 2024، مسرحية هزلية متفق على سيناريو الهجوم والرد عليه، بينما الأميركيون والإسرائيليون شككوا بكفاءة ودقة الصواريخ الإيرانية في إصابة أهدافها، وبالغوا بقدرة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل على إسقاط صواريخ أي هجوم محتمل، قالت إسرائيل أنها اعترضت 99% من الصواريخ، واستنتجوا أن الصواريخ الإيرانية عديمة الجدوى في مجال العمليات العسكرية وقدرتها على الردع، تم تقدير إطلاق 170 طائرة مسيرة و30 صاروخ كروز و120 صاروخاً باليستياً كان لها رسائل سياسية وعسكرية، كشفت ضعف الدفاعات الجوية والقبة الحديدية في صد الصواريخ الإيرانية التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية، وأثبتت قدرة إيران على ضرب إسرائيل رداً على أي هجوم ضدها.
رغم ذلك لم تبالغ ايران بحجم وقوة هجومها الصاروخي، وقد قال اللواء حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني أن بلاده قامت بعملية محدودة وناجحة، وحذر إسرائيل من مغبة استهداف المصالح الإيرانية في أي مكان، وذكّر بجاهزية إيران على الرد بهجوم مضاد.
ذلك يعني إذا لم تكن الصواريخ الإيرانية قادرة على ضرب الأهداف بدقة، فإن ذلك يقتضي استخدام صواريخ أكثر تطوراً قادرة على إصابة الأهداف وتدميرها، وهذا ما أكدته الضربة الثانية. وإذا كان هناك رد إيراني قادم على رد إسرائيلي محتمل، فستثبت الصواريخ الإيرانية الأكثر تطوراً ليس فقط دقة الإصابة بل أيضاً حجم الأضرار الكبير الذي ستحدثها، لأن الرؤوس المتفجرة ستكون أثقل.
كان الرد في المرة الثانية مختلفاً نوعاً، عدد الصواريخ أقل لكن أكثر تطوراً. أطلقت ايران نحو 200 صاروخاً، منها باليستية وفرط صوتية مختلفة المدى والقوة التفجيرية، لم يستغرق وصول هذه الصواريخ، إلى أهدافها، سوى 15 دقيقة، وأصابت بدقة عالية المواقع العسكرية والبنية التحتية.
فشلت جميع أنواع أنظمة الدفاع الجوي وعلى رأسها الأمريكية والإسرائيلية في اعتراض نسبة كبيرة من هذه الصواريخ، وفشلت الدرع الدفاعية المتعددة الطبقات الإسرائيلية المتوسطة وطويلة المدى في صد الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على مطاراتها ومواقعها العسكرية، من منظومة «القبة الحديدية”» إلى منظومتي «مقلاع داود» و«آرو حيتس»، إلى منظومة «باتريوت» و«الدرع الصاروخي» أو «حرب النجوم» ومسميات فقدت طنينها الإعلامي.
وخلال الحرب عمدت إسرائيل إلى التعتيم الإعلامي على حجم الأضرار والخسائر التي تتكبدها، نتيجة المعارك أو القصف، وفرض الجيش الإسرائيلي رقابة عسكرية على المعلومات، بخصوص أحداث الميدان، والأماكن التي تستهدفها صواريخ ومسيرات ايران والمقاومة، والأضرار الناجمة عنها، حيث وزع الجيش الاسرائيلي صباح يوم الأربعاء 2/10 منشورات تقول للإسرائيليين: «لا تكن مساعداً للعدو عندما تنشر الصور»، إشارة إلى الفيديوهات التي التقطت من مناطق مختلفة لمواقع سقوط صواريخ أو شظايا منها.
اقرأ أيضا| كم سنة متبقية لتسقط إسرائيل نهائياً؟
أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن مجموعة من الصواريخ كانت موجهة لمقر الموساد في تل أبيب، لكن أي منها لم يلحق الأذى بهذا المقر. كما قال الجيش الإسرائيلي إن صواريخ سقطت على قواعد جوية، لكنها لم تتسبب في أضرار، وصواريخ أخرى سقطت على قواعد للقوات الجوية الإسرائيلية لم تسبب أي إصابات، ولم تتضرر أي بنية تحتية أو أي طائرة، وثمة من يصدق من المحللين، فيقيمون مقارنة عجيبة بين عملية قام بها فدائيان في تل أبيب أدت إلى مقتل خمسة مستوطنين إسرائيليين، بينما كل هذه الصواريخ لم تؤدِ إلا إلى جرح طفلة، مستندين إلى بيان الجيش الإسرائيلي في إحصاء الخسائر.
تعهد قادة اسرائيل بالرد، مؤكدين أن الهجوم الصاروخي «ستكون له عواقب»، وان إسرائيل سترد على إيران في الوقت والزمان المناسبين. اجتمع الكابينيت لمناقشة: كيف سترد إسرائيل بعد الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني؟ و ما زالت إسرائيل تدرس الرد، وتتعهد وتهدد برد كبير وقوي، في حين تؤكد المعطيات العسكرية عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على الرد بشكل كبير دون مساعدة ودعم لوجيستي مكثف من القوات الأمريكية، فتأخر الرد الاسرائيلي خوفاً من هجوم صاروخي إيراني كبير تعجز منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي والأميركي عن اعتراضه.
الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية يتباحث في إسرائيل لدراسة كيفية مساعدة إسرائيل في العملية العسكرية، والتنسيق معها لأن إسرائيل وحدها غير قادرة على الرد على الهجوم الإيراني، وقد برز للإعلام خلاف حول ما يعتبره وزراء إسرائيليون وعلى رأسهم رئيسهم نتنياهو أن ما حصل فرصة مواتية يجب انتهازها لاستهداف ايران وإضعافها بضرب منشآتها النفطية والنووية، من خلال ذلك تعمل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على توريط الولايات المتحدة في حرب إقليمية واسعة، وهي عملياً منخرطة في مواجهة إيران باعتراض صواريخها في الهجومين السابقين على المواقع الإسرائيلية، لكنها أي أميركا ستجد نفسها متورطة فعلياً في حرب إقليمية شاملة لا يعرف أحد ما تداعياتها ليس على المنطقة فحسب، بل على العالم كله، إذا استهدفت مواقع نفطية أو نووية إيرانية كما يرجح الاسرائيليون. وقد تحدثت وسائل الإعلام عن أهداف أخرى محتملة للهجوم الإسرائيلي: قاعدة الصواريخ التي انطلقت منها الصواريخ في الهجوم الأخير، ومنشآت عسكرية، ومواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني، وقد تشمل الأهداف رموزاً في النظام الإيراني.
هذه المرة الثانية التي تستخدم فيها صواريخ فرط صوتية لضرب أهداف إسرائيلية، في المرة الأولى يوم 15 ايلول/سبتمبر الماضي من طرف أنصار الله ضد إسرائيل بصاروخ «فلسطين 2»، اجتاز الصاروخ اليمني الدفاعات الإسرائيلية ووصل إلى هدفه، مما يدلل أن إسرائيل لا تملك أنظمة دفاعية لاعتراض صواريخ إيران الفرط صوتية، واعتمدت على المساعدة العسكرية الأميركية والأوروبية للتصدي لهذا النوع من الصواريخ والتي بدورها فشلت في إسقاط إلا القليل منها، مما يضع الأميركيين أمام تحديات على مستوى الأمن القومي، لفشل أنظمته المتطورة في اعتراض الصواريخ الإيرانية، والصواريخ الإسرائيل المتطورة أمريكية الصنع، هي ذاتها المخصصة لاعتراض الصواريخ الروسية والصينية، وهذا يقود إلى ضعف نظام الدفاع الجوي الغربي في مواجهة روسيا والصين.
ونقلت صحيفة «القدس العربي» أن الكثير من الخبراء يجمع أن الصواريخ الإيرانية كانت ذات حمولة تفجيرية ضعيفة باستثناء تلك التي استهدفت القواعد العسكرية الجوية. ولهذا، يتحدث العالم عن أضرار أصابت بعض القواعد وليس المباني المدنية. وأضافت الصحيفة أن قسطنطين سيفكوف الخبير الروسي ونائب رئيس الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية ودكتور العلوم العسكرية، أن صواريخ إيران التي استهدفت إسرائيل لم تكن بها حمولة تفجيرية كبيرة لألحاق أضرار جسيمة بالكيان، بل ردت طهران من باب الانتقام الرمزي، وكذلك لإنهاك الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وكل هذا لتجنب ما أمكن حرباً إقليمية كبيرة ستجر دون شك إلى مشاركة الولايات المتحدة للدفاع عن الكيان.
وبناء على هذه المعطيات، قد تعني إيران بالرد القاسي وغير التقليدي على الهجوم الإسرائيلي المرتقب، هو ضرب الكيان هذه المرة بصواريخ باليستية فرط صوتية بحمولة تفجيرية كبيرة جداً تسبب في أضرار جسيمة جداً تستهدف القواعد العسكرية والمباني الحكومية والبنية التحتية مثل الكهرباء وتوزيع الماء وبنيات النقل مثل المطارات والسكك الحديدية، فإذا قررت طهران استهداف منشأة معينة وتدميرها فقط تستهدفها بوابل كبير من الصواريخ يجعل اعتراضها دفعة واحدة صعباً إن لم يكن مستحيلاً.