أمريكا

لماذا التحذير الأميركي في شأن منشأة فوردو الإيرانية؟

ربما تكون إيران دولة على عتبة السلاح النووي، وعلى رغم أنه من غير المعروف إذا كانت تمتلك أسلحة نووية أو لا، إلا أنها تمتلك التقنيات اللازمة وبذلت جهوداً لتطويرها، وراكمت مخزوناً من اليورانيوم عالي التخصيب بما يكفي لتزويد أسلحة بأقل قدر ممكن من الوقود

منذ أيام أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير سرّي أرسلته إلى الدول الأعضاء أن إيران أسرعت بتركيب مجموعتين حديثتين من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في موقع فوردو، وأنها بدأت العمل على مزيد بينما تخطط لتركيب مجموعات أخرى في محطتها تحت الأرض في نطنز، وأنها أبلغت الوكالة بأنها ستركب ثماني مجموعات يحوي كل منها 174 جهاز طرد مركزي متقدماً خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة المقبلة في الوحدة الأولى من محطة فوردو لتخصيب الوقود.

وفي أعقاب هذا التقرير حذرت الولايات المتحدة من الخطوة الإيرانية، وتحدثت “واشنطن بوست” عن أن تلك الخطوة تشير إلى تعزيز كبير في برنامج إيران النووي في موقع رئيس، وهو فوردو، وأن من شأن مئات من أجهزة الطرد المركزي الجديدة أن تضاعف قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ثلاث مرات في المنشأة النووية المدفونة بعمق تحت الأرض.

هنا يثار التساؤل حول سبب التحفظ الأميركي المعلن تجاه الخطوة الإيرانية في منشأة فوردو على الأخص.

بتتبع تاريخ البرنامج النووي الإيراني منذ بدايته وحتى الوقت الراهن يمكن القول إن منشأة فوردو المدفونة تحت الأرض بعمق كُشف عنها عام 2009 من خلال الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، حينما أعلنوا وجود مصنع سري ثانٍ لتخصيب اليورانيوم قرب قم، والذي كان قيد الإنشاء منذ أعوام، وكان يعدّ جزءاً من النشاط السرّي للبرنامج النووي الإيراني الذي كان مفترضاً أن تعلن عنه وفقاً لالتزاماتها المتعلقة بضمانات معاهدة الانتشار النووي بمجرد اتخاذ قرار بناء المنشأة.

ففي 2002، كشف عن وجود موقعين نوويين إيرانيين، وهما منشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز ومنشأة لإنتاج الماء الثقيل في آراك، وكذلك عن وجود برنامج مدني وآخر عسكري سرّي. ولم تتخلَّ إيران عن بعض المرافق المرتبطة بالبرنامج السري ومنها منشأة فوردو التي كانت قيد الإنشاء حينذاك.

وكان الكشف العلني عن مفاعلي آراك ونطنز بمثابة بداية لجهود دبلوماسية دولية مكثفة لوقف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني.

وعام 2003، أبرمت إيران اتفاقاً مع “الترويكا” الأوروبية، وافقت فيه على تعليق أنشطة التخصيب والتصديق على بروتوكول إضافي لاتفاق الضمانات، وجاء ذلك في أعقاب قرار أصدره مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يطالب بتعاون إيران، ووقعت طهران بروتوكولاً إضافياً مع الوكالة لكنها لم تتقيّد بهذه الالتزامات، وكانت إعلاناتها المقدمة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية عامي 2004 و2005 غير مكتملة وغير متسقة في بعض الأحيان، وبحلول أبريل (نيسان) 2006، أعلنت أنها قامت بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 3.6 في المئة.

وبفعل تبنّي مجلس الأمن على مدى السنوات الطويلة، سلسلة من القرارات المتزايدة التي فرضت عقوبات دولية على برنامج إيران النووي، استمرت طهران في مفاوضاتها مع القوى الدولية، ومع ذلك استمر برنامج التخصيب النووي الإيراني، وبحلول عام 2012 بدأت محادثات القنوات الخلفية بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين في عمان، كما هيأت عملية تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني في 2013 السياق من أجل تبنّي مسار أكثر انفتاحاً على الغرب، وشجعت الدول الأوروبية وواشنطن على المضي لإتمام الاتفاق، ومن ثم استأنفت إيران ومجموعة “5+1” المفاوضات الجادة في 2013، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) توصل الجانبان إلى اتفاق أولي لخطة العمل المشتركة.

وبلغت الجهود الدبلوماسية والعقوبات ذروتها عام 2015، عندما أبرمت إيران والقوى الدولية الست خطة العمل الشاملة المشتركة، JCPOA وكان الغرض من الاتفاق هو الحد من الأنشطة النووية الإيرانية وزيادة الرقابة والشفافية المحيطة بتلك الأنشطة من خلال توسيع نطاق المراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبالطبع كان انسحاب دونالد ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة في الثامن من مايو (أيار) 2018 كبير الأثر لتشجيع إيران على انتهاك الاتفاق، ومع تولي جو بايدن منصبه في 2021 تعهد بإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، واجتمع دبلوماسيون من إيران ومجموعة (5+1) في فيينا للتفاوض على استعادة الاتفاق، وعلى رغم أن الجانبين بدا أنهما يقتربان من التوصل إلى اتفاق إلا أن المفاوضات تباطأت ولم يتم الانتهاء منه حتى الآن.

وفي هذه الأثناء، واصلت طهران توسيع أنشطتها النووية، وكدست مخزوناً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة يكفي لتزويد كثير من الأسلحة النووية بالوقود إذا تم تخصيبه بدرجة أكبر، وقامت بتركيب آلاف عدة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

ربما تكون إيران دولة على عتبة السلاح النووي، وعلى رغم أنه من غير المعروف إذا كانت تمتلك أسلحة نووية أو لا، إلا أنها تمتلك التقنيات اللازمة وبذلت جهوداً لتطويرها وراكمت مخزوناً من اليورانيوم عالي التخصيب بما يكفي لتزويد أسلحة بأقل قدر ممكن من الوقود.

ومنذ أشهر ومع اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بينها وإسرائيل على أثر قصف الأخيرة للقنصلية الإيرانية في سوريا ثم الرد الإيراني، هدد المسؤولون في طهران بتحويل برنامجهم النووي إلى برنامج عسكري.

الآن تنتقل إيران في انتهاك الاتفاق النووي إلى مرحلة أكثر جدية ترتبط بمنشأة فوردو التي أنشئت لتخصيب اليورانيوم عام 2006 سراً وتقع تحت جبل وهي محصنة ضد أي هجوم جوي.

وفقاً لخبراء الطاقة النووية، فإن الطبيعة السرية لمحطة فوردو وموقعها المحصن وحجمها، إذ إنها صغيرة جداً فلا يمكنها إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتلبية حاجات إيران من الطاقة أثارت مخاوف من أنها بنيت لغرض عسكري.

وتأكدت هذه المخاوف من خلال الوثائق الإيرانية التي سرقتها إسرائيل وكشفت عنها عام 2018 وأظهرت أن منشأة فوردو، تم التخطيط لها لتكون موقعاً لتخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة.

ومن ثم فإن إيران، وفي تلك المرحلة التي ما زالت ضمنها تتجنب الصدام مع الولايات المتحدة، لا سيما منذ بدء حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى الوقت الراهن، ربما تحاول التلويح بتلك الخطوة من أجل كسب مزيد من أوراق الضغط على مائدة التفاوض مع واشنطن، لأن النظام الإيراني سيظل يتجنب التوتر مع واشنطن وتخطي الخطوط الحمراء التي وضعتها له ما دام أن أمن النظام وبقاءه غير مهدد، لذا لن تذهب إلى إثارة الشكوك حول برنامج عسكري في توقيت لا يتعرض فيه بقاء النظام لخطر، لكن حتى هذا السيناريو لا ينفي حرص إيران على تغيير الواقع النووي لديها بما يغير من موازين القوى في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى