دولة الإحتلال

لكل فعل رد فعل.. إلا مع إسرائيل!

عملية السلام ماتت، مَن يفكر فى حل الدولتين أو دولة ثنائية القومية، عليه تحسُّس رأسه. مادامت إسرائيل تحدد الفعل ورد الفعل

فى عام 1687 نشر العالِم الإنجليزى إسحاق نيوتن، لأول مرة، قوانين الحركة، وبينها القانون الثالث: «لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه». امتد التأثير من عالم الطبيعة إلى شؤون السياسة والمجتمع، مما أمكن معه توقع رد فعل البشر والجماعات على أفعال معينة وتفسيرها والاستجابات لها. عالمنا الحديث يعمل طبقًا لقوانين نيوتن. وحدها إسرائيل لا تعترف بصحتها ولا انطباقها عليها.

فى 7 أكتوبر الماضى، هاجمت حماس أهدافًا إسرائيلية، وأسرت عشرات الرهائن، وقتلت جنودًا ومستوطنين. رد فعل إسرائيل تجاوز الفعل مئات المرات، ومع ذلك أعطاها الغرب العذر، ودعمها ماديًّا ومعنويًّا، إلا أنه مع تصاعد الغضب الدولى، طالبها بتجنب المدنيين قدر الإمكان. لم تستجب، ولم يعاقبها الغرب، كما يفعل مع روسيا. واشنطن منعت صدور أى قرار دولى ملزم لوقف العدوان.

ظلت إسرائيل تتجاهل الدعوات لإعداد خطة لليوم التالى مُصِرّة على سحق حماس وإعادة الرهائن أولًا. إلى أن خرج نتنياهو، قبل أيام، بتصور «صفحة وربع فولسكاب»، يشطب فيه كل مقترحات الغرب والشرق بشأن مستقبل غزة والقضية الفلسطينية. طبقًا لذلك.. إسرائيل ستسيطر على الأمن إلى أجل غير مسمى. فلسطينيون تكنوقراط سيتولون الإدارة المدنية، (لا ذكر للسلطة الفلسطينية).

غزة منزوعة السلاح. إغلاق الحدود مع مصر. برامج لإزالة التطرف بكل المؤسسات الفلسطينية. لا إعمار للقطاع قبل نزع السلاح وتنفيذ برامج التربية وغسل المخ. باختصار، اليوم التالى للعدوان كاليوم السابق للسابع من أكتوبر. قوانين الفعل ورد الفعل لاغية. لا خطة حقيقية ولا تصور. فقط إدارة النزاع، كما يحدث منذ عام 1967. المستوطنات لن تتوقف. قبل أيام، أعلن وزير المالية المتطرف، «سموتريتش»، بناء 3 آلاف وحدة سكنية استيطانية. خلال 6 شهور، شيدت إسرائيل 13 ألف وحدة جديدة. أمريكا قالت إن المستوطنات غير قانونية، لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئًا.

إلا أن أكثر قضية أبطلت فيها إسرائيل قوانين نيوتن هى الدولة الفلسطينية. هناك توافق عالمى على حل الدولتين باعتباره يلبى بشكل ما تطلعات الفلسطينيين. تجددت الفكرة من تحت أنقاض غزة، وبمبادرة أمريكية لإبراء ذمة إدارة بايدن، والقول إنها لا تؤيد إسرائيل على طول الخط. لكن الطبقة السياسية الإسرائيلية بكاملها تقريبًا رفضتها. نتنياهو لا يعارض فقط الدولة الفلسطينية، بل هو عازم على استمرار السيطرة الأمنية على فلسطين التاريخية من النهر للبحر. الخلاصة: إسرائيل ستواصل حكم الفلسطينيين من خلال هيكل حكم يشبه الفصل العنصرى الذى يحرمهم من حقوقهم للأبد.

ماذا كان رد فعل الغرب؟. الحكومات قالت إنها مازالت تعتقد أن حل الدولتين الأساس لتسوية الصراع، لكن دون أنياب حقيقية للضغط على إسرائيل. بعض المثقفين والأكاديميين الغربيين مارسوا التشدق الكلامى داعين إلى دولة واحدة ثنائية القومية، قائلين إنه بدلًا من حل الدولتين الذى لا أمل فيه، سواء لرفض إسرائيل أو نتيجة تقطيع الاحتلال أوصال الأراضى الفلسطينية ومنع أى تواصل بينها، على واشنطن الاعتراف بالأمر الواقع واستخدام نفوذها لضمان منح الفلسطينيين حقوقًا متساوية فى المواطنة. يعيد ذلك إلى الأذهان حكاية الدولة الواحدة، التى اقترحها العقيد القذافى فى« الكتاب الأبيض»، الذى أصدره عام 2000 لحل القضية الفلسطينية وأطلق عليها اسم «إسراطين».

المشكلة أن حديث الأبراج العالية هذا لا صلة له بالواقع. غالبية اليهود يعتبرون إسرائيل هى الدولة الواحدة، وأن جعلها ثنائية القومية وهم. يهودية الدولة أصبحت قانونًا عام 2018. المفكر الفلسطينى رشيد الخالدى يقول: «ليس هناك سوى دولة واحدة يوجد فيها مستويان أو 3 من المواطنة أو عدم المواطنة، هى إسرائيل». عملية السلام ماتت، مَن يفكر فى حل الدولتين أو دولة ثنائية القومية، عليه تحسُّس رأسه. مادامت إسرائيل تحدد الفعل ورد الفعل، ولا تخضع للقوانين الطبيعية، ويرتضى العالم ذلك، فيجب ألّا يساور أحدًا شكٌّ فى أن ما حدث فى 7 أكتوبر يمكن أن يتكرر.

عبدالله عبدالسلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى