لقاء بكين خطوة أساسية في مسار المصالحة الفلسطينية
كرس اعلان بكين إلتزامآ بوحدة وطنية شاملة تجمع كافة القوى والفصائل في إطار منظمة التحرير، تحت مظلة ضامَّة عنوانها الأبدي تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
لم يكن لقاء قادة 14 فصيلآ فلسطينيآ في العاصمة بكين برعاية وزير الخارجية الصيني Wang Yi سعي تحقيق مصالحة فلسطينية وبصورة اساسية بين حركتي فتح وحماس بالامر السهل، نَظرآ لتجذر الانقسام السياسي-الجغرافي منذ عام 2007.
وتعدد محاولات اصلاح ذات البين هدف وحدة الصف والكلمة “ليبقى حلم توحيد البندقية أملآ لا سرابآ”، على مدى سنوات طويلة لَم تفلح اللقاءات معالجة خصومات وصلت حد عداء لإنهاء الشقاق واستعادة الوحدة الوطنية، الأول في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2020، والثاني في مدينة العلمين المصرية 2023. وذلك انطلاقا من اتفاقية الوفاق الوطني التي وقعت في القاهرة عام 2011، وإعلان الجزائر 2022، فيما كانت المقررات شكلية تأتي ضمن حفظ ماء الوجه عبارة مقتضبة معتادة “الاستمرار في متابعة تنفيذ اتفاقيات إنهاء الانقسام بمساعدة مصر والجزائر والصين وروسيا”.
في السياق؛ كرس اعلان بكين إلتزامآ بوحدة وطنية شاملة تجمع كافة القوى والفصائل في إطار منظمة التحرير، تحت مظلة ضامَّة عنوانها الأبدي تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وطبقا لقرارات الأمم المتحدة، بهذه الروحية وقع ممثلي السلطة والفصائل على الإعلان ما يفترض تشكيل حكومة (مصالحة) او توافق وطني تمارس سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة، بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة”.
من هذا المنطلق اعتبر البيان إن الحكومة المرجوة “ستبدأ بتوحيد المؤسسات كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار القطاع، مع وضع الخطوات التمهيدية لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقا لقانون الانتخابات المعتمد”.
تاليًا شكلت عملية طوفان الاقصى الحافز الاساسي لتلبية دعوات الحوار في حمأة العدوان بعد ان فرضت عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث وابرزت بعد كثير تعتيم للاجيال الجديدة مِن المجتمعات الغربية الشبابية مظلومية الشعب الفلسطيني الرازح منذ 75 عاما تحت الاحتلال، كما مسار العدوان وممارسات الابادة الجماعية التي استحوذت عَلى انظار العالم.
بالقراءة الموضوعية لَن يكون الاتفاق ضمن اطار تقريب وجهات النظر، انه محطة مهمة في مَسار تسوية باتَت حاجة ضرورية إحترامآ واجلالآ لدماء الشهداء كما معاناة الجرحى واذلال الاسرى، في ظل تعاظم دور الصين على المستويين العالمي والاقليمي بصرف النظر عن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية.
مِما لا شك فيه ان الصين معنية بأن يكون لها دور اقليمي ذو ثقل اقتصادي نوعي في المرحلة المقبلة خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اذ تثابر بليونة ملموسة تكريس نفسها وسيطا في ازمات المنطقة عَلى خلفية جيو استراتيجية لا يمكن تجاهلها. بِالمقابل لا يَبدو ان الولايات المتحدة ستغض الطرف عن هذا التسلل الى حديقتها الخلفية الشرق اوسطية والخليج العربي.
اذ اورد موقع AXIOS الاخباري الاميركي خبر اجتماع سري عقد في ابو ظبي ضم وزير خارجية الامارات عبدالله بن زايد، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، بيرت ماكغورك، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر يرافقه درور شالوم رئيس الدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن ورئيس اللواء الإستراتيجي في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي اللذان وضعا المقترحات الإسرائيلية لليوم التالي بعد وقف اطلاق النار وتشمل نشر قوة دولية مؤقته في قطاع غزة بالتوازي مع تخفيف الأزمة الإنسانية وفرض الاستقرار. يشار ان رئيس حكومة العدو نتنياهو الرافض تولي السلطة الفلسطينية اي دور في القطاع.
كما رفض قيام دولة فلسطينية (حل الدولتين) الذي اقره الكنيست مؤخرا، لَم يخفِ رغبته في ان تكون الامارات جزءا اساسيآ مِن الخطة، فيما ابدت الاخيرة استعدادها للمشاركة، بموافقة السلطة الفلسطينية التي ستحاول اقرار بعض إصلاحات بموازاة تعيين رئيس حكومة جديدة ذات صلاحيات استثنائية.
من جهة أخرى؛ اتت مندرجات الاعلان بما لا يفرق بَل يجمع مؤكدة حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة. بالتالي متابعة تنفيذ اتفاقيات الالتزام بـ “قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخصوصا القرارات 181، 2334 مع ضمان حق العودة طبقا للقرار 194”.
في مختصر قراءة بنود الاعلان ما يلي:
– مقاومة وإفشال محاولات تهجير الفلسطينيين. مع التأكيد على عدم شرعية الاستيطان ومنع توسعه، ذلك وفقا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ورأي محكمة العدل الدولية”.
– العمل على فك الحصار الهمجي عن غزة والضفة، وأهمية إيصال المساعدات الإنسانية والطبية دون قيود أو شروط. مع دعم عائلات الشهداء والجرحى وكل من فقد بيتآ وممتلكات، ما يتوجب وضع آلية جماعية مشتركة لَم يتم التطرق اليها لتنفيذ بنود الإعلان من كافة جوانبه”، اضافة الى اهمية وضع أجندة زمنية للتطبيق؛ (لم تحدد).
استنادا لما سَبَقَ وفي ظل تعقيدات المشهد الفلسطيني وتباين الرؤى والمواقف والبرامج السياسية لا سيما بين حركتي فتح وحماس، يمكن القول ان الصين نجحت حيث لا يجرؤ الآخرون او بالاحرى اللامبالين، انها خطوة عَلى طريق ترتيب البيت الفلسطيني في حمأة العدوان.
فيما أبدى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية Lin Juan خلال مؤتمر صحفي استعداد بلاده بذل مزيد مِن الجهود وتهيئة الاجواء اللازمة لهذا التوافق وتحقيق المصالحة المرتجاة.. لا مناص كما اسلفنا مِن توقع محاولة واشنطن عرقلة وإفشال الحراك الصيني المتناغم أصلا مع الموقف الروسي. فَهي تعتبر نفسها معنية بـ”احتكار الملف الفلسطيني في ظل انحيازها الأعمى والواضح لاسرائيل.. كما يمكن اعتبار “اعلان بكين” رسالة ضمن العمق السياسي الاستراتيجي بمواجهة خطاب نتنياهو في الكونغرس الاميركي وذلك ضمن الكباش الاقليمي.
استخلاصا؛ إزاء رفض رئيس حكومة الكيان وقف الحرب عَلى غزة او السير بتَسويَة في متناول اليد سواءً مع حركة فتح أو حماس؛ متجاهلآ قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي. —ورغم ان العلاقة البينية بين الفصائل لا تزال غير واضحة، لعدة اسباب أبرزها: اختلال المواقف السياسية والرؤى، عجز السلطة الفلسطينية عن حسم الملفات المرتبطة بسوء الحالة الداخلية، مع عدم وجود استقرار سياسي على مستوى إقليمي ودولي—. فقد بات من الضرورة الطارئة دخول الحركتين في وحدة حقيقية تصيغ أرضية مشتركة تشكل انطلاقة لأية تفاهمات مستقبلية..!
خِتامَا، لا يمكن اعتبار لقاء بكين مِن الصنف البرتوكولي او نوع مِن ديبلوماسية المجاملة؛ اذ ان حل القضية الفلسطينية ووقف حرب غزة بوابة عبور الى تثبيت نُفوذ الصين شريك اساسي عَلى طاولة ترتيب وضع المنطقة عندما تحين الساعة…!
يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: «عندما تتيقن بأن اهدافك باتَت مستحيلة التحقيق.. لا تغيرها .. فقط غير طريقتك في الوصول اليها».
تعليق واحد