في عام 2024، يجد لبنان نفسه في مفترق طرق حاسم يحدد مصيره لعقود قادمة. البلد الذي كان يُنظر إليه يومًا كمركز للثقافة والتعددية في الشرق الأوسط تحول إلى نموذج للانهيار السياسي والاقتصادي. مر عامان من الفراغ الرئاسي جعلا من قصر بعبدا رمزًا لصراع النخب السياسية وعجزها عن التوافق على رؤية موحدة للخروج من الأزمات المتلاحقة. الأزمة في لبنان أكبر من مجرد غياب رئيس؛ إنها أزمة هوية ووجود. لبنان لم يعد مجرد دولة ذات سيادة مهددة، بل بات مشروعًا على شفا الانهيار، يُثقل كاهله تداخل النفوذ الإقليمي والدولي، ويفتقر إلى قيادة تضع مصلحة المواطن فوق كل الاعتبارات. ورغم هذا الواقع القاتم، تلوح في الأفق فرصة تاريخية.
الشعب اللبناني، الذي عانى لعقود من الانقسامات والحروب، يظهر اليوم وعيًا جديدًا ورفضًا صريحًا لمشاريع خارجية لا تعود بالنفع على الوطن. هذا الوعي، وإن كان غير منظم، يعكس إرادة حقيقية للتغيير، لكنه يتطلب قيادة استثنائية تستطيع توحيد الصفوف وترجمة هذه الإرادة إلى واقع سياسي جديد ينقذ البلاد من حافة الهاوية.
الإقليمي والدولي، يبقى لبنان في قلب معركة نفوذ بين القوى الكبرى. الولايات المتحدة وفرنسا تدعمان بشكل واضح القوى السيادية والإصلاحية في محاولة لمواجهة النفوذ الإيراني، فيما تستمر إيران بتعزيز موقعها من خلال دعم حزب الله. دول الخليج، التي لطالما دعمت لبنان، باتت أكثر حذرًا، نتيجة السياسات اللبنانية السابقة التي سمحت بتعاظم نفوذ حزب الله على حساب مصالح الدولة. هذا الصراع الخارجي يضع لبنان أمام تحدٍ كبير.
اقرأ أيضا.. الانتخابات الرئاسية في لبنان: هل نَحظى بفؤاد شهاب آخر؟!
إذ لا يمكن للدعم الدولي أو الإقليمي وحده أن ينقذ البلاد من دون إرادة محلية قوية تُترجم إلى مشروع وطني فعلي. في النهاية، السؤال الذي يطرحه اللبنانيون اليوم ليس فقط عن هوية الرئيس المقبل، بل عن الدور الذي سيلعبه هذا الرئيس. هل سيكون امتدادًا لمنظومة المحاصصة التي أنهكت الدولة لعقود، أم قائدًا استثنائيًا يمتلك رؤية شاملة قادرة على توحيد اللبنانيين خلف مشروع وطني جامع؟ لبنان أمام مفترق طرق، حيث يملك فرصة أخيرة للنهوض إذا توفرت إرادة جماعية صادقة تقطع مع ماضي الانقسامات وتضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات.
الشعب اللبناني أثبت مرارًا قدرته على النهوض من بين الركام، متجاوزًا الحروب والانقسامات والأزمات التي عصفت به لعقود. ومع ذلك، فإن التحدي الذي يواجهه اليوم أعقد وأعمق، إذ لا يكفي الاعتماد على روح الصمود وحدها. لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى قيادة تمتلك رؤية تتجاوز الخطابات التقليدية والشعارات الفارغة التي لم تعد تقنع المواطن الذي يئن تحت وطأة الفقر واليأس. إنها لحظة تاريخية فارقة، تتطلب شجاعة استثنائية وإرادة سياسية جامعة للخروج من هذه الأزمة المتشابكة، حيث تتداخل المصالح الداخلية والخارجية بشكل يعقّد الحلول السطحية. الخيار الذي يواجهه لبنان الآن ليس مجرد تحسين طفيف في الأوضاع، بل هو خيار وجودي بين البقاء كدولة ذات سيادة واستقرار، أو الزوال والانزلاق إلى مزيد من الفوضى. إذا تمكن اللبنانيون من توحيد إرادتهم وصياغة مشروع وطني حقيقي يعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها، فإن الأمل في مستقبل أفضل سيظل حيًا. لكن السؤال يبقى: هل ستكون هذه اللحظة نقطة تحول حقيقية للبنان؟ هل سينجح اللبنانيون في استغلال هذه الفرصة الفريدة لبناء وطن يتمتع بالسيادة والازدهار؟ الخيار بين النهوض أو الزوال بيد الشعب اللبناني وحده.