حماس

لا يريدون السلطة ولا «حماس»

بالمختصر، اليمين المتطرف يريد سلطة عميلة «سراً»، واليمين الفاشي يريد سلطة عميلة «علناً». كلاهما لا يريد سلطة فلسطينية مستقلة تخدم شعبها

الأربعاء الماضي، كان هنالك خطابان، واحد لليمين الإسرائيلي المتطرف يمثله يوآف غالانت وزير حرب دولة الاحتلال، والثاني لليمين الفاشي بقيادة نتنياهو، رئيس الوزراء.

الأول أعلن أنه لا يريد لدولته أن تحكم غزة عسكرياً، ولا يريدها أن تحكمها ضمن إدارة مدنية إسرائيلية، ورغم أنه لم يعلن عن الجهة التي يرغب بها لحكم غزة، إلا أن كلامه كان واضحاً لجهة تفضيله إدارة فلسطينية بينما دبابات جيشه ترابط على حدود غزة أو داخل أجزاء منها، وتقوم هي بإسناد هذه الإدارة الفلسطينية كلما تطلب الأمر ذلك.

الثاني أعلن أنه لا يريد «حماستان» أو «فتحستان» في غزة، وهو يريد من جيشه البقاء في غزة وإدارتها، وهو يقول: إنه لن يكون بإمكانه الحديث عن مستقبل غزة قبل القضاء النهائي على المقاومة الفلسطينية. ربما بعدها يُفكر في إنشاء «روابط قرى» تقوم بإدارة غزة مدنياً وأمنياً وبدعم مباشر من دولة الاحتلال.

الأول في ذهنه «سلطة فلسطينية»، ربما تكون «السلطة الفلسطينية»، لكن بعد تطويعها وتحويلها إلى مؤسسة تأتمر بأمر الاحتلال وتنفذ له ما يقول لكن في الخفاء. بلغة أخرى، هو لا يريد السلطة الفلسطينية لحكم غزة، هو يريد مسمى «السلطة الفلسطينية» لكن جوهر هذه السلطة التي يتخيلها سلطة تابعة للاحتلال، تتحمل مسؤولية قتال المقاومة، ولا بأس بالطبع من دعمها طالما أن وظيفتها خدمة الاحتلال حتى لو كانت في الظاهر تتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة.

الثاني لا يوجد في ذهنه مسمى «سلطة فلسطينية»؛ لأن هذا المسمى حتى لو كان «فارغ المضمون» وحتى لو كانت هذه السلطة إحدى أذرع الاحتلال، لا يزال يوحي بأن هنالك نواة لدولة فلسطينية، ولأنه لا يريد حتى هذا الإيحاء، فهو يريد «جيش لحد» يضعه في المقدمة لمواجهة المقاومة ويختفي جيشه خلفه.

بالمختصر، اليمين المتطرف يريد سلطة عميلة «سراً»، واليمين الفاشي يريد سلطة عميلة «علناً». كلاهما لا يريد سلطة فلسطينية مستقلة تخدم شعبها.

الأول يرى أن موقفه سيحصل على دعم أميركي لأنه يعطي الرئيس الأميركي جو بايدن «الكلام الفارغ» الذي يريد، وهو رؤية سلطة «فلسطينية مُتجددة» في القطاع، ما يُمكّن بايدن من الادعاء أن دولة الاحتلال امتثلت لما يريده منها وبالتالي لا حاجة لممارسة أي ضغوط عليها.

الثاني لا يكترث بما يريده بايدن؛ لأنه يعلم أن الكونغرس الأميركي سيوفر لدولة الاحتلال ما تريد، ولأنه يعلم من التجارب السابقة أن أي رئيس أميركي لن يجرؤ على معاقبة إسرائيل، وأن الرئيس الحالي تحديداً لديه قناعات شخصية أيديولوجية بأن من واجبه حماية إسرائيل.

أمام هذا المشهد على الفلسطينيين أن يدركوا أن دولة الاحتلال لا تريد «السلطة الفلسطينية»، وهي بالطبع لا تريد «المقاومة الفلسطينية»، وأنه وتبعاً لذلك لا يوجد حل للقضية الفلسطينية دون وحدتهم ودون إدراكهم أن هذا الحل لا يأتي بتنفيذ ما تطلبه أميركا وإسرائيل، وإنما بالضغط المتواصل على دولة الاحتلال وبكل الطرق الممكنة.
اليوم المقاومة الفلسطينية تقبل بدولة فلسطينية على الأرض التي احتلتها إسرائيل العام ١٩٦٧، وهذا ما تريده السلطة الفلسطينية. المشكلة بالتالي ليست فيما يريده الطرفان، ولكن في كيفية الوصول إليه.

من الواضح أن برنامج المفاوضات قد أسقطته دولة الاحتلال. أسقطه اليمين المتطرف المتمثل في غالانت والمعارضة الإسرائيلية التي يتزعمها لابيد والمعسكر الرسمي بزعامة غانتس.

وأسقطه اليمين الفاشي بزعامة نتنياهو ومن معه من الأحزاب الدينية الفاشية.

هؤلاء، اليمين المتطرف والفاشي يمثلون فعلياً ما يقرب من مائة نائب في برلمان دولة الاحتلال من مائة وعشرين نائباً.
مع من ستتفاوض السلطة الفلسطينية إذاً؟

لا أحد في دولة الاحتلال يريد المفاوضات، وإذا استجاب لها طرف منهم تحت الضغط الدولي، فهي لن تكون إلا مفاوضات للحديث عن «الطقس» مثلما فعلوا أيام حكومة شامير بعد مؤتمر مدريد للسلام العام ١٩٩١.

المفاوضات أسقطها الاحتلال العام ٢٠٠٠ في مؤتمر كامب ديفيد، وقام شارون بدفنها فيما سمّاها «عملية السور الواقي»، ولا يمكن إحياؤها بوجود النخب الحاكمة الحالية في إسرائيل.

البديل هو ممارسة الضغوط، وهذه الضغوط تتراوح بين ما تقوم به المقاومة في غزة والضفة، وبين ما يقوم به الشعب الفلسطيني في كل مكان من محاولات لعزل الاحتلال ومقاطعته، والضغط على الحكومات التي تؤيده لوقف مساعداتها له، وبين ما يُمكن للسلطة الفلسطينية القيام به من مطاردة للاحتلال في المحاكم والمؤسسات الدولية.
يُمكن للكل الفلسطيني أن يُكمل بعضه البعض، وكل حسب موقعه وظروفه وإمكانياته، لكن النجاح يتطلب الوحدة وحتى تحدث هذه الوحدة، يجب أن تتوفر القناعة حول ثلاث مسائل:

الأولى أنه لا مستقبل للفلسطينيين بفرقتهم، والثانية أن دولة الاحتلال لا تكترث لا بالسلطة الفلسطينية ولا بالمقاومة الفلسطينية وهي تريد «عملاء» فقط ينفذون تعليماتها، والثالثة أن الطريق للتحرير ليس المفاوضات، بل بممارسة الضغط على دولة الاحتلال وبكل الطرق الممكنة والمشروعة طبعاً.

وهذا يعني الإسراع بضم فصائل المقاومة الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفض أي حلول تفصل غزة عن الضفة ولا ترتبط بإنهاء الاحتلال كاملاً عن أراضي غزة والضفة بما فيها القدس العربية.

يجب النظر إلى معركة غزة على أنها معركة الخلاص من الاحتلال، وليست معركة ضمن معارك لاحقة للخلاص من الاحتلال. هذه المعركة ستحدد مصير الشعب الفلسطيني، لذلك يجب أن تكون قيادة الشعب الفلسطيني بمستوى هذا التحدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى