غزة

لا صديقَ ولا عَدُوَّ هنا يا غزة هاشم

وككل مرة، ينفض الجميع لأنَّ ليل غزة بارد طويل، ولأن حارس الميناء ربما تشَيَّع ولا ندري ما إذا كان تشيعه عَلَوِيًّا أم صَفَوِيًّا أم تملقاً وتمسحاً

نهلت الفردية العربية من رومانسية الهم الفلسطيني، الذي وجدت فيه مبرراً ميتافيزيقياً للمظلومية التي تميزها عن العقل الغربي، وثملت بما في كوب البكائيات من حكايا العزيز إذا ذل والقوي إذا وهن وباقي أبطال السمر الليلي، حتى أصبح التعبير عن حالة الشجن الجماعي طقساً يمارس في أعياد سحق الشعب الغزي، حين يجيء المد البشري عبر الأزقة اليمينية واليسارية التي تفضي إلى الشارع العربي، قبل أن يعود أدراجه لأنَّ الطريق إلى غزة لا يمرّ عبر الطريق الوطني.

وككل مرة، يعود الجميع أدراجه، فيعود الشاعر لمراجعة أسلوبه المباشر في وصف ملامح وجه أنثاه اليهودية، ويعود الكاتب المنهك لدفاتره القديمة لعله يجد نصاً عن الفرق بين الهزيمة و”المهزومية”، نصاً يطنب ما يعلنه العنوان ولا يطول كثيراً احتراماً لزمن قراء الجريدة الإلكترونية، وتعود حكومة عربية تأوي ثلة من قادة العمل عن بعد إلى صناعتها المحلية في تنظيم المباريات الكروية، وتعود أساطيل الفرس أدراجها وتكتفي بتحصين حدودها البحرية، ويعود هَمُّ القضية أهَمَّ من الضحية.

وككل مرة، ينفض الجميع لأنَّ ليل غزة بارد طويل، ولأ حارس الميناء ربما تشَيَّع ولا ندري ما إذا كان تشيعه عَلَوِيًّا أم صَفَوِيًّا أم تملقاً وتمسحاً، والأكيد أنَّ حماس السنية خرجت عن جماعتها منذ دخلت في جبهة واحدة جنباً إلى جنب مع زيدية اليمن وإمامية لبنان وإباضية سلطنة عمان، والأكيد أنَّ اليوم الأول كما اليوم التالي مسؤولية إيران التي لا تشبه نفسها في الرواية، وورطة مصر التي تأتمر بأمر عبد الفتاح الذي لا يفتح المعبر إلا لماماً.

وننسى ككل مرة أن حماس عربية المولد والمنشأ قبل أن تصبح بنت إيران بالتبني وتتوشَّح بالأسود. وأما فَتْحُ فولدت دون هوية وهاجرت من لبنان إلى الضفة الغربية بجواز سفر أحمر. وبين حماس وفتح ما بين الأسود والأحمر: اختلاف في الشعرية وتباين في الاستعارة. وحول حماس وفتح ضفة بعدت وقطاع صغير، وحولهما عرب وترك وفرس وغرب وشرق وكل الدنيا ناقصة أرضها، ناقصة فلسطين.

ويبقى الحال كما تعودنا عليه، لأن خلط الأسود بالأحمر خطر على نظامنا الغذائي ولأنه عالم بين البينين. “فلا صديقَ ولا عَدُوَّ هنا يراقب ذكرياتِكَ” يا محمودنا الدرويش، لا صديقَ ولا عَدُوَّ هنا يا غزة هاشم، بل رماد عالم يراقب نوركِ الذي لا تخطئه العين.

هاشمي علوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى