لأول مرة ومنذ سبعة آلاف عام، لم يعد هناك إنسان عراقي ، بل هناك:( سني ، شيعي ، كردي ، عربي ، تركماني ، آشوري ، كلداني ، صابئي )
تعلمت عبر التاريخ أنه إذا كان الشخص مصمماً على شيء فإن هذا يهزم الخوف ومعرفة ما يجب فعله تلغي الخوف , هناك ثقافة واحدة هي ثقافة القوة ..
حين أكون قوياً يحترم الناس ثقافتي وحين أكون ضعيفاً أسقط أنا وتسقط ثقافتي معي ؟ قبل ( 21 ) عاماً عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها لغزو العراق ، لم يكن هذا البلد يواجه خطر حرب أهلية ، ولا يتواجد على أرضه تنظيم القاعدة ولا داعش ، ولا أسلحة دمار شامل ، ويتعاون نظامه بالكامل مع فرق التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة
العراق كان يخضع لحصار ظالم ، وتقسيم فعلي على الأرض ، من خلال مناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب ، وهو التقسيم الذي مهد للحرب الأهلية الطائفية التي يدعي الجميع الحرص علي عدم وقوعها ( 21 ) عاماً من الاحتلال لم تجلب للعراق غير مجموعة من اللصوص عاثوا فيه فساداً ، وسرقوا ثرواته ، ودمروا تراثه ، وشوهوا صورته.
وفككوا عري التلاحم بين أبنائه ، وأشعلوا نيران الفتنة الطائفية ، ومزقوا هويته الوطنية ، وحولوه من قوة إقليمية عظمي مرهوبة الجانب ، إلى جثة هامدة تنهشها الضباع والكلاب الضالة , الدكتور إياد علاوي احد الأعمدة الرئيسية التي اعتمد عليها المخطط الأمريكي لاحتلال العراق جنبا إلى جنب مع غريمه الآخر احمد ألجلبي ، يعترف إن العراق يعيـــش الحـــرب الأهلية فعلا ، وان خمسين أو ستين جثة يجري اكتشافها يوميا لرجال تمت تصفيتهم في عمليات انتقام طائفية.
في البداية قالوا أنهم غزوا العراق بحثا عن أسلحة الدمار الشامل ، وعندما لم يجدوها ادعوا أنهم يحتلونه من اجل الديمقراطية وإنقاذ أبناء الشعب العراقي من القبور الجماعية ، وجاءت النتائج فوضي دموية عارمة ، وانهيارا كاملا لمقومات الدولة ومؤسساتها ، وحفر العشرات من القبور الجماعية لكي تستوعب ملايين الضحايا حتى الآن.
أقدموا على حل الجيش العراقي غير الطائفي من أجل أن يؤسسوا لجيش عراقي من الميليشيات الطائفية الحاقدة المتعطشة للانتقام لكي يسرع الحرب الأهلية من خلال أقبية التعذيب وفرق الموت ، ونسف المساجد ، وقتل الأئمة والمتعبدين المؤمنين في رحابها , وليتهم استطاعوا ، رغم كل ذلك ، من فرض سلطتهم على ربع بغداد , لأول مرة ومنذ سبعة آلاف عام.
لم يعد هناك إنسان عراقي ، بل هناك سني ، شيعي ، كردي ، عربي ، تركماني ، آشوري ، كلداني ، صابئي ، إلى آخر التقسيمات العرقية والطائفية التي باتت عنوان الهويات في العراق الجديد , لأول مرة في تاريخ العراق يأتي من يهدد العراقي الشيعي بالموت إذا لم يطلق زوجته السنية ، أو من يهدد السني بالقتل إذا لم يطلق زوجته الشيعية.
العراق بات أفضل حالا فعلاً ، ولكن بالنسبة إلى حفنة قليلة جدا من اللصوص الذين جاءوا مع قوات الاحتلال ، ونهبوا ثروات البلاد ، واحتلوا الوظائف والمناصب ، وتاجروا بدماء العراقيين ، وتنعموا بأموال العمولات والصفقات الأمريكية ، إما الغالبية الساحقة من أبناء الرافدين فيتضورون جوعاً ، ويعيشون الرعب يومياً ، ويغلقون أبوابهم في السادسة مساء ، ويتوقعون إن لا يروا أضواء شمس اليوم التالي ، ويعتبرون كل يوم يعيشونه انجازاً.
فالكهرباء منعدمة وثلاجات الموتى في المستشفيات لم تعد تتسع للقادمين الجدد , وأسعار زيت الطعام تضاعفت ثلاثين مرة ، وأسعار البنزين عشر مرات ، والسكر عشرين مرة , واختفت الطماطم من السوق , العراق الذي يجري في أرضه نهران يعاني أهله من العطش ، أرض السواد التي كانت تطعم سكان الإمبراطورية الإسلامية وجوارها، باتت غير قادرة على إطعام اهلها , هذا العراق الذي كان يستوعب خمسة ملايين من العمال الأجانب.
باتت نسبة البطالة بين أبنائه تفوق الثمانين في المائة , وباب الرزق الوحيد هو ميليشيات الموت , يتباهون بمجموعة من الأوراق الصفراء تتراكم علي الأرصفة ، وبعض القنوات الطائفية الهزيلة البائسة.