كيف يمكن لـ”هاريس” إصلاح صورة واشنطن في الشرق الأوسط؟
يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حرباً مع إيران، كما ذكر بوضوح في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي، وقد عاد إلى إسرائيل وقد تشجع على تنفيذ هذا الهدف، على ما يبدو وهو على يقين من دعم الولايات المتحدة له، فأمر بقتل أحد كبار مسؤولي حماس على الأراضي الإيرانية بعد سبعة أيام فقط.
ووفقا لمجلة “فورين بوليسي”، في أعقاب اغتيال الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو، سارع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى التأكيد على أن واشنطن “لم تكن على علم أو مشاركة” بالعملية العسكرية.
ومع ذلك، ونظراً للمستوى العالي من التنسيق، وخاصة تبادل المعلومات الاستخباراتية، بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن التكهنات منتشرة بأن الحكومة الأمريكية كانت متورطة أو على الأقل تغاضت عن هذا العمل، كما توقع المسؤولون الإيرانيون.
ينتشر هذا التصور على نطاق واسع بشكل خاص في الشرق الأوسط، الذي لا يزال يتأثر بصور المشرعين الأمريكيين وهم يصفقون لنتنياهو، الرجل المتهم بارتكاب جرائم حرب في غزة، ولكن مجرد تصور تورط الولايات المتحدة في الاغتيال له تأثير تصعيدي، وهذا ليس في مصلحة الولايات المتحدة ويهدد الشعب الأمريكي.
فاغتيال “هنية” في طهران ليس مجرد محاولة لجر إيران والولايات المتحدة إلى حرب، بل إنه أيضًا وسيلة أكيدة لتدمير مفاوضات وقف إطلاق النار، كان “هنية”، بصفته رئيس الجناح السياسي لحماس ومقره قطر، من الشخصيات الرائدة التي يُقال إنها حاولت الحصول على تنازلات من يحيى السنوار، زعيم حماس على الأرض في غزة.
ويرفض “نتنياهو” حل الدولتين ويسعى بدلاً من ذلك إلى شرق أوسط مشتعل إلى الأبد مما يمكنه من إنهاء التطهير العرقي في غزة وضم الضفة الغربية، والحكومة الأمريكية تسمح بانتشار النيران.
وتدرك إدارة بايدن جيدًا المخاطر التي يشكلها “نتنياهو” ولكن بدلاً من اتخاذ موقف حازم، واستخدام النفوذ الدبلوماسي، مثل المساعدات العسكرية، لكبح جماح هذه التصعيدات المستمرة، فإنها تواصل التصرف بطريقة خائفة وجبانة، مما يسمح لزعيم أجنبي متطرف بتحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنجر إلى حرب كارثية أخرى.
وتسير واشنطن نحو هذا الحريق بأعين مفتوحة، وتخشى “فورين بوليسي” أن يكون الضرر الذي يلحق بالأمن القومي والدبلوماسية الأمريكية أسوأ بكثير من أي شيء رأيناه في التاريخ الحديث، بما في ذلك الحرب العالمية ضد الإرهاب والغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003″.
وحذر الخبراء داخل وزارة الخارجية الإدارة منذ أشهر من أن الدعم غير المشروط لإسرائيل كان قرارًا مفلسًا أخلاقيًا ويتناقض بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية في المنطقة، ومع ذلك، تم تهميشهم وإسكاتهم، والآن أصبحت الولايات المتحدة على وشك الانجرار إلى حرب أوسع نطاقًا لا تخدم مصالح الشعب الأمريكي.
منذ شن إسرائيل هجومها الشامل على غزة في أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023، تساءل المعلقون عما إذا كان كبار المسؤولين الأمريكيين على علم بما يحدث في غزة، ويشير السؤال إلى أنه إذا كانوا يشاهدون الأهوال التي غمرت وسائل التواصل الاجتماعي، فسيتعين عليهم الإصرار على أن تغير إسرائيل سلوكها أو تسحب الدعم الأمريكي.
ومع ذلك، بصفتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أرسلت هالة رهاريت، صور ومقاطع فيديو إلى صناديق البريد الإلكتروني الخاصة بهم كل يوم، وبهذا لا تستطيع وزارة الخارجية أن تدعي أنها لم تكن على علم بما كانت تفعله إسرائيل، بأسلحة أمريكية، للسكان المدنيين في غزة.
في أبريل، استقالت “رهاريت” من أحدث مهامها في القنصلية الأمريكية في دبي، في معارضة لسياسة إدارة بايدن تجاه غزة، وفي مارس، استقالت، أنيل شيلين، من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان احتجاجًا على دعم إدارة بايدن غير المشروط للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وتتجاهل وزارة الخارجية عمدا التحولات الجوهرية التي تحدث في المنطقة نتيجة للدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وهناك عدد كبير للغاية من الناس في الحكومة الأمريكية يمكّنون سياسة يدركون أنها خاطئة وغير قانونية، إن اتخاذ مثل هذه القرارات الخاطئة والخطرة يأتي من القمة ويرسل رسالة إلى كل من هم في الأسفل للانصياع أو المخاطرة بعواقب مهنية.
يبدو أن “بايدن” و”بلينكن” ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكجورك يعتقدون أن الولايات المتحدة قادرة على متابعة هذه السياسة ومواجهة عواقب قليلة طويلة الأجل، في حين أن الضرر الذي لحق بها في الواقع لا رجعة فيه ونحن الآن على وشك اندلاع العنف في جميع أنحاء المنطقة.
ووفقا لفورين بوليسي، لمنع المزيد من التصعيد وجعل احتمالات الدبلوماسية والسلام حقيقة واقعة، يتعين على المرشحة الرئاسية المفترضة للحزب الديمقراطي كامالا هاريس أن تسعى إلى إنهاء المذبحة وإرسال إشارة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لن تقدم دعما غير مشروط لحرب إسرائيلية ضد حزب الله وإيران.
ويتعين عليها أن تصر على الدبلوماسية وفي دورها الحالي كنائبة للرئيس أن تضغط على الإدارة لتجنب الحرب الإقليمية، وقد لا يتبقى شيء من غزة يمكن إنقاذه في غضون ستة أشهر، وهذا ما يراهن عليه نتنياهو.
وتستطيع “هاريس” تصحيح المسار بالإصرار على تطبيق القوانين الأمريكية بشكل متسق وعادل عندما يتعلق الأمر بنقل الأسلحة، إن تطبيق القوانين واللوائح الأمريكية (التي تنتهكها الإدارة حاليا) من شأنه أن يدفع إلى ربط المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بقوانين ليهي، وقانون مراقبة تصدير الأسلحة، وقانون المساعدات الخارجية.
واستنادا إلى انتهاكاتها الجسيمة المتكررة والممنهجة والموثقة لحقوق الإنسان وعرقلة المساعدات الإنسانية الأمريكية، لم تعد إسرائيل مؤهلة لتلقي المساعدات الأمنية الأمريكية.
تبدو “هاريس” قادرة على توضيح أنها ستستخدم نفوذ الولايات المتحدة للضغط على نتنياهو لقبول اتفاق وقف إطلاق النار، وهذا من شأنه أيضا أن يمكن قطر ومصر من الضغط على حماس لتقديم التنازلات وقبول الصفقة التي قبلتها سابقا، وقد صرح حزب الله والحوثيون وإيران في وقت سابق أنهم لن يهاجموا إذا أنهت إسرائيل العنف وسمحت بدخول المساعدات إلى غزة.
من خلال توضيح موقفها الآن واتخاذ إجراءات ملموسة للإصرار على تطبيق القوانين الأمريكية، فإنها ستظهر التزامها بدعم وجهة نظر أغلبية الأمريكيين الذين يعارضون دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل ويعارضون إرسال قوات أمريكية للدفاع عن إسرائيل من عواقب عدوانها، كما يمكن لموقفها أن يجبر نتنياهو على تجنب المزيد من الاستفزازات.
إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقوض المتطرفين من جميع الأطراف، ومن المؤسف أن هذا لا يمكن أن ينتظر حتى نوفمبر، وإذا لم تتحرك الآن، فإنها تخاطر بالأمن القومي الأمريكي واندلاع حرب كارثية في الشرق الأوسط والتي ستنجر إليها الولايات المتحدة حتما.
تعليق واحد