كيف يمكن انهاء إستراتيجية كسب “القلوب والعقول” التي ينتهجها تنظيم الدولة في غرب إفريقيا؟
تقديم فرع داعش في غرب إفريقيا نفسه -عبر دعاية محبوكة باحتراف- على أنه حكومة بديلة وحريصة على حل مشكلات المدنيين؛ مكَّنه من كسب القلوب والولاء.
سنوات عديدة، قدَّم تنظيم الدولة في غرب إفريقيا (داعش) نفسه على أنه حكومة بديلة وجماعة تهتم بالمدنيين؛ على عكس فصيل بوكو حرام المنافِس له.
والهدف من وراء هذه الدعاية المحبوكة جيدًا هو كسب قلوب وعقول المجتمعات المحلية؛ من أجل تحسين عمليات التجنيد، وتعزيز الإيرادات للجماعة المسلحة. واستفاد تنظيم الدولة من نقاط ضعف هؤلاء السكان المحليين الذين يضمّون ملايين الأشخاص الذين نزحوا وحُرموا من وسائل عيشهم نتيجة سنوات من الصراع مع بوكو حرام.
فبعد انشقاقها عن بوكو حرام بقيادة أبو بكر شيكاو في عام 2016م، استقرت الجماعة المدعومة من تنظيم الدولة في جزر بحيرة تشاد. وقد استغلت ثروة المنطقة الاقتصادية من خلال تأمين طرق التجارة التي تم التخلي عنها أثناء الصراع. وقد دعا التنظيم المدنيين في حوض بحيرة تشاد للعيش والعمل في المناطق الخاضعة لسيطرته، ووعدهم بتوفير الحماية والأمان لهم.
وقال أحد القادة وقاضي الجماعة المسلحة لـISS Today : “اجتمعنا بصيادي الأسماك، وطلبنا منهم إبلاغ سكان مايدوغوري وغيرها من المناطق أن بإمكانهم الاستقرار هنا، وممارسة أنشطتهم بحُرِّية”.
ونتيجة لذلك، استقر الصيادون والمزارعون والرعاة والتجار والنازحون وغيرهم من المناطق المتضررة من بوكو حرام في الجزر. وفي المقابل لم تسمح جماعة “جاس” لمقاتلي الجماعة بشنّ غارات على المجتمعات المدنية. ولم يكن يُسمَح للمقاتلين بمضايقة المدنيين في هذه المناطق، وكان المخالفون يواجهون عقوبات صارمة تتراوح بين الجلد والسجن وحتى الإعدام.
ويبدو أن هذه الفقاعة قد انفجرت حاليًّا؛ حيث يتعرَّض المدنيون الخاضعون لسيطرة الجماعة والمدنيون من الطوائف الأخرى لهجمات متزايدة. وفي الواقع، تقوم الجماعة المسلحة في إيتاو أيضًا باختطاف وإعدام الرجال في المجتمعات الخارجة عن سيطرتها، مثل كوكاوا في ولاية بورنو.
ويدرس معهد الدراسات الأمنية (ISS) المواد الدعائية للجماعة المتطرفة العالمية، وقد وجد أن هناك ما لا يقل عن ثلاث عمليات اختطاف بين شهري مارس وأبريل وتسع عمليات إعدام بين أبريل ويونيو من هذا العام.
وقال وجهاء أحد المجتمعات المحلية: إنهم أرسلوا في شهر أبريل الماضي وفدًا إلى الجماعة المسلحة للاستفسار عن مصير شبابهم، لكنهم لم يتلقوا أيّ رد. ثم جاء بعض الوجهاء ليوضّحوا لهم أن الشبان المعنيين قد اختُطِفُوا لأسباب مختلفة، بما في ذلك تعاونهم مع قوات الأمن وارتكابهم جرائم مثل السطو المسلح.
من جهة أخرى قامت الجماعة المسلحة بالاعتداء على المجتمعات المحلية بحجة وشاية المدنيين بهم لدى قوات الأمن. وقد تضرَّرت بلدة باغا المعروفة بصيد الأسماك في كوكاوا بشكل خاص. ففي شهر مايو، هاجم مقاتلو التنظيم البلدة، وقتلوا حوالي 15 شخصًا، وأمهلوا السكان أسبوعين للمغادرة، وهو تهديد يهدف إلى منع السكان من التعاون مع قوات الأمن. كما طالبوا المدنيين في تومبوم روغو، وهي جزيرة مجاورة خاضعة لسيطرتهم، بالمغادرة في غضون أسبوع. ومن الواضح أن التنظيم يعلم أن إجبار الناس على مغادرة منازلهم يجعلهم أكثر عُرضة للخطر.
وفي 3 يونيو 2024م، طاف عناصر التنظيم حول الجزيرة، وأمروا أولئك الذين رفضوا المغادرة بالتجمع في مساحة مفتوحة تُستخدم عادةً لتجفيف الأسماك والتدخين؛ مما أثار المخاوف لدى المدنيين وهرب بعضهم بعد أن شعروا بالخطر. فتح مقاتلو التنظيم النار عليهم، مما أسفر عن مقتل 40 مدنيًّا على الأقل، وفقًا لشهادات الناجين. ولم يتم العثور على حوالي 75 آخرين.
والمجزرة التي وقعت في 1 سبتمبر الجاري، والتي راح ضحيتها أكثر من مائة مدني في قرية مافا في ولاية يوبي، هي أكثر الهجمات إثارةً للصدمة في الأسابيع الأخيرة. وقد اتَّهم التنظيم في إيتاو سكان القرية بإبلاغ قوات الأمن، مما أدى إلى مقتل أربعة من رسلها، واعتقال مخبريها، والاستيلاء على ممتلكاتها وبضائعها بالقرب من القرية.
ووفقًا للمتابعين للصراع، فإن المداهمات وعمليات السطو المسلح التي أقرتها الجماعة المسلحة في ولاية بورنو مذهلة بنفس القدر. وتقع الهجمات أيضًا على الطرق التي تربط الحكومات المحلية بمايدوجوري، عاصمة الولاية، وعلى الطريق الذي يربط بين غامبورو-نغالا في شرق ولاية بورنو ومايدوجوري. ويرتكب هذه الهجمات مقاتلو الحركة من منطقة غابة ألاجارنو.
وهناك ثلاثة أسباب محتملة لزيادة هجمات الجماعة على المدنيين:
أولاً: أجبرت العمليات العسكرية الجماعة على اتخاذ قرارات يائسة. ففي بداية عام 2024م، استهدفت عملية بحيرة سانيتي 2 التي قامت بها القوة المختلطة متعددة الجنسيات وجيوش نيجيريا والكاميرون وتشاد معاقل الجماعة المسلحة حول بحيرة تشاد وفي غابات ألاجارنو وسامبيسا. وتم تدمير العديد من المنشآت وقتل أو جرح العديد من مقاتليها وقادتها. وتعتقد الجماعة أن المدنيين قد أبلغوا عن عناصر الأمن؛ مما يبرّر هجمات الجماعة على المجتمعات المحلية.
ثانيًا: التنافس بين الجماعة وجماعة جاس. فبعد اغتيال شيكاو على يد الجماعة المسلحة وفقدانها السيطرة على غابة سامبيسا، أدرك الزعيم الجديد لجماعة جاس، باكورة دورو، أنه سيكون مستهدفًا قريبًا. وقد أجبرت حملة باكورة العسكرية، التي لا هوادة فيها، الجماعة المسلحة على الانتقال مؤقتًا إلى منطقة غابة ألاجارنو.
وقرر بعض مقاتلي الجماعة المسلحة في إيتاو الاستسلام لقوات الأمن لمجرد أنهم تعبوا من القتال. ومع نجاح القوات المسلحة المشتركة في طرد الجماعة المسلحة من أراضيها، فإن الجماعة تهاجم المدنيين العالقين في هذه الاشتباكات الذين يتساءلون عما إذا كانت الجماعة المسلحة قادرة على الاستمرار في حمايتهم.
ثالثًا: أما السبب الثالث الذي يجعل فرع (داعش) في غرب إفريقيا يسمح لمقاتليها بمهاجمة المدنيين فهو الجوع. فقد اشتكى المقاتلون السابقون الذين غادروا مؤخرًا الأراضي التي تسيطر عليها الجماعة في غابة ألاغارنو من معاناتهم الشديدة من الجوع. وقالوا: إن تنظيم الدولة في غرب إفريقيا يخشى من تمرد المقاتلين أو انشقاقهم إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ولا تتمتع المنطقة بنفس القدرة الإنتاجية الغذائية والفرص الاقتصادية التي تتمتع بها منطقة بحيرة تشاد.
سوء التفاهم بين تنظيم الدولة والمدنيين.. كيف يمكن استغلاله؟
قدّم تنظيم الدولة في غرب إفريقيا للمقاتلين في منطقة غابات ألاغارنو مكافآت نقدية ومنتجات زراعية مثل الأسمدة والشتلات، لكن ذلك لم يكن كافيًا. لذا، وبدلًا من المخاطرة بحدوث تمرد أو فرار المقاتلين، منحهم تنظيم الدولة “إذنًا مؤقتًا” لسرقة المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة حتى حلول موسم الحصاد.
لكن يمكن للحكومات في المنطقة أن تستغل تدهور علاقات الجماعة المسلحة مع المدنيين لمواجهة الدعاية الإرهابية. وسيتطلب ذلك تقديم بدائل أفضل للمجتمعات المحلية في المناطق المتضررة، لا سيما من حيث الأمن والخدمات الأساسية، ودعم سُبل عيشهم.
ومن شأن هذه الإجراءات أن تشجّع المدنيين على مغادرة المناطق التي يسيطر عليها الفصيلان التابعان للجماعات المسلحة في غرب إفريقيا، وبالتالي حرمان تلك الجماعات من قدرتها على تجنيد مقاتلين أو الحصول على دخل أو الحصول على الإمدادات أو إنتاج الغذاء.