كيف يمكن أن ينعكس موت المعارض أليكسي نافالني سلبا على بوتين
يمكن القول إن مصير المعارض الروسي أليكسي نافالني كان حسم في الـ17 من يناير (كانون الثاني) 2021، حين قرر فيه العودة لروسيا بعد خمسة أشهر من العلاج والنقاهة في ألمانيا، بعد شبهة تعرضه للتسمم في سيبيريا.
إن عودة نافالني كانت خطوة شجاعة استثنائية من شخص كان يعلم أنه مستهدف، لكنه كان يرى نفسه أولاً وأخيراً مواطناً روسياً، ومهمته ومستقبله كان لهما معنى فقط من خلال بقائه في بلده، حتى ولو أمضى حياته خلف قضبان السجن هناك.
إن موته يمكن اعتباره اغتيالاً برعاية الدولة الروسية. الكرملين، أو، وبشكل أكثر دقة، الرئيس فلاديمير بوتين، كان عازماً على التخلص من نافالني – الشخص الذي رفض النطق باسمه أبداً – حتى وبعد ما كان يبدو كمحاولة أولى أفشلت من طيار يميل إلى المهنية، ورد فعل سريع من فريق طبي مهني في مدينة أومسك الروسية [في إشارة إلى سرعة هبوط الطائرة التي أقلت نافالني عند حدوث تأثيرات التسميم والاستجابة الطبية العاجلة في أرض المطار].
ومن المهم أن نقوم بتحديد كيف ولماذا قتل نافالني. إن هيئة السجون الروسية قامت بإصدار تقرير سريع، أعلنت من خلاله معاناة نافالني من جلطة، معتبرة أن أسبابها طبيعية (على حد قولهم). لكن، وما لا يمكن نكرانه هنا، هو أن نافالني وقع ضحية نظام لا يخضع للمساءلة.
إن عملية نقل نافالني في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى مستوطنة سجون في منطقة تشهد أقسى أنواع الصقيع في تلك الفترة من العام، كانت تشكل في حد ذاتها حكماً بالموت على رجل كانت صحته في تراجع، بحسب ما حذر كل من عائلة نافالني، وأصدقاءه.
لقد كان ذلك بالضبط ما جرى لسجين آخر هو سيرغي ماغنيتسكي – المحاسب الذي كان يعمل لصالح رجل الأعمال الأميركي – البريطاني، بيل براودر – الذي مات بسبب إهمال علاجه من التهاب في البنكرياس، في سجن بموسكو عام 2009. وليس ضرورياً أن يكون المرء محكوماً عليه بالإعدام سواء رسمياً أم غير ذلك ليموت في سجن روسي. بالنسبة إلى شخص كانت صحته ليست في أفضل أحوالها، كانت ظروف السجن كفيلة بتولي الأمر.
إذاً، هل سيستفيد الرئيس الروسي من موت نافالني؟ الرئيس بوتين فقد أحد مناوئيه الأكثر فعالية – ولكن هل سيقوي مقتل نافالني بوتين أم سيضعفه؟
لقد كان نافالني، أو أصبح سياسياً من الطراز الحديث ومن النوعية التي لم تر روسيا لها مثيل من قبل. فهو وفريقه المكون من الشباب، كانوا أساتذة في التعامل مع الاتصالات الإعلامية الحديثة. لقد كان يدير حملات تتعلق أساساً بفضح عمليات الفساد المحلية، لكنه ومن خلالها أيضاً، نجح في التأثير في مزاج المجتمع الروسي على أكثر من مستوى.
لقد كان لدى نافالني تأثير – عابر للمناطق والطبقات الاجتماعية الروسية المختلفة – يتفوق على أي معارض آخر للكرملين. وكان نافالني حصد 27 في المئة من الأصوات، وهو رقم لافت ومفاجئ في حجمه، عندما ترشح لمنصب عمدة موسكو عام 2013، وهي انتخابات نادرة سمح له الترشح فيها.
من المؤكد أن الرئيس بوتين سيعاد انتخابه رئيساً للبلاد في الانتخابات التي ستجري في منتصف مارس (آذار) المقبل. ولم يكن مخططاً لاسم نافالني ليكون على أوراق الاقتراع أبداً. مع ذلك، فإن موته قد ينعكس الآن سلباً بشكل جدي على الرئيس بوتين.
إن الكرملين قد يتمنى أن يردع موته أولئك الذين تغريهم فكرة النشاط المعارض، لكنه في الحقيقة، يجعل من الغريم الأقوى للرئيس الروسي بطلاً في الوقت نفسه. إن إخفاقاته الإنسانية ونقاط ضعفه السياسية من شأنها أن تمحى، لتبقى صورة شخصية معارضة لا تشوبها أية شائبة لتضاف إلى مذبح الشخصيات المعارضة من الحقبة السوفياتية، التي كانت مسيرة نافالني تقلد مصيرهم في كثير من الأحيان.
إذاً، ولماذا ارتأت الدولة الروسية لفت أنظارنا إلى أنه لقي حتفه الآن؟ حسناً، إن حسابات الكرملين كانت تفيد على ما يبدو بأن توقيت إعلان موت نافالني الآن، لن يكون له ذلك التأثير السلبي في سمعة روسيا، وحريتها للتحرك في العالم تماماً كان عليه الوضع في الماضي. علينا أن نبرهن بأنهم مخطئون.
مع كل العقوبات المختلفة المفروضة على روسيا من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بعد اجتياحها لأوكرانيا تقريباً قبل عامين، ومع النهاية الفعلية للتبادلات التجارية الطبيعية والاتصالات الدبلوماسية الطبيعية، فمن الصحيح أن الغرب لا يملك أي نفوذ على روسيا.
لكن موت نافالني، فيما يمكن اعتباره أحد أقسى معسكرات السجون الروسية، يمكنه أن يشار له كدليل على الطبيعة الوحشية لنظام بوتين. ومن المتوجب تسليط الضوء على ذلك في المحافل الدولية. بالنسبة إلى كثيرين، إن الحرب في أوكرانيا كانت وفرت الأدلة الكافية عن كيفية معاملة الكرملين لأعدائه.
وربما بسبب الخوف، أو بسبب الوفاء المضلل، قام الشعب الروسي خلال العامين الماضيين بالالتفاف حول علم البلاد. حالياً، سيكون نافالني شهيد الدول الغربية بشكل أكبر من كونه شهيد الدولة الروسية. علينا أن نأمل بتغير ذلك.
وفي تلك الأثناء، على المملكة المتحدة أن تقوم باستخدام ما تبقى لديها من تأثير دبلوماسي كي تقوم بالمطالبة بأقوى تعبير من أجل إطلاق سراح معارض آخر، الذي مثل نافالني، فضل العودة لموطنه الأصلي، في وقت لم يكن يتوجب عليه العودة.
إن فلاديمير كارا مورزا، وهو مواطن يحمل الجنسيتين الروسية والبريطانية كان حكم عليه العام الماضي بالسجن لـ25 عاماً بعد اتهامات سياسية وجهت إليه، من ضمنها معارضته للحرب على أوكرانيا.
مثله مثل نافالني، هناك تقارير تتحدث عن أنه يعاني تراجعاً في وضعه الصحي. لقد تأخر الوقت لمحاولة إنقاذ نافالني، لكن موته لا بد له أن يدفع المملكة المتحدة للعمل بشكل أكثر نشاطاً في الجهود المبذولة لصالح كارا مورزا.