أمريكا

كيف ترى كامالا هاريس ودونالد ترمب الولايات المتحدة؟

حتى لو فاز أحد المرشحين، فإن قدرته على تنفيذ البرنامج تعتمد على توازن القوى في الكونغرس. إن وجود أغلبية معارضة -حتى في أحد المجلسين- يمكن أن يجبر الفائز في الانتخابات على اتخاذ مسار أكثر اعتدالًا

يعد دونالد ترمب وكامالا هاريس ناخبيهما برؤى مختلفة لمستقبل البلاد. هذه المرة، اختلف المتنافسان على منصب الرئاسة بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية الداخلية، لكنهما كانا متحدين في تقييماتهما للسياسة الخارجية. الفارق هو في الأدوات والأولويات.

مع نهاية الصيف في الولايات المتحدة، انتهى وقت المؤتمرات الحزبية للحزبين الديمقراطي والجمهوري. وانتُخب مرشحا الرئاسة ونواب الرئيس، واعتُمدت البرامج الانتخابية. الآن تبدأ المرحلة الرئيسة من السباق الانتخابي، عندما يتنافس المرشحان على أعلى منصب في معارك كلامية من المناظرات، وعقد تجمعات انتخابية في الولايات المتأرجحة.

أمريكا الفرص“.. رؤية كامالا هاريس

لقد تخلت هاريس عن الأجندة المتطرفة التي روجت لها خلال حملة عام 2020. في ذلك الوقت، دعت إلى برنامج التأمين الصحي الذي تديره الحكومة، وفرض حظر على التكسير الهيدروليكي (استخراج الغاز والنفط من التربة)، ووقف تمويل الشرطة، واقترحت النظر في إلغاء إنفاذ قوانين الهجرة. والآن، لا تطرح نائبة الرئيس هذه المبادرات؛ لأنها قد تنفر الناخبين المعتدلين.

الهدف الإستراتيجي للمرشحة الديمقراطية هو استعادة “ائتلاف” جوزيف بايدن الذي قاده إلى الفوز في انتخابات 2020. وهو يعتمد على الأقليات والناخبين الشباب، الذين يصوتون بأغلبية ساحقة لصالح الحزب الديمقراطي، الذي تمكن بعد ذلك من سد الفجوة مع ترمب بين الناخبين البيض. ومع ذلك، بحلول عام 2024، انخفض الدعم لشاغل المنصب بين الناخبين السود (من 87 إلى 63%)، وبين الناخبين من أصل إسباني (من 61 إلى 54%)؛ لذلك يهدف برنامج حملة هاريس إلى استعادة أصوات هؤلاء السكان.

وفي قلب البرنامج الاقتصادي تقع مكافحة التضخم، الذي وصل إلى مستوى تاريخي منذ أربعين عامًا في ظل إدارة بايدن. وتقترح المرشحة الديمقراطية فرض حظر فيدرالي على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. بالمناسبة، بصفتها عضوًا في مجلس الشيوخ، قدمت هاريس مشروع قانون مماثلًا، وكان يتعلق بحظر رفع الأسعار خلال حالة الطوارئ بأكثر من 10%. وجمهور هذه التدابير هو الطبقة المتوسطة الفقيرة، التي ذكرتها هاريس 10 مرات في خطابها في المؤتمر الوطني الديمقراطي، كما ذكرها مرشحها لمنصب نائب الرئيس تيم والز 11 مرة.

تقترح هاريس أيضًا إعفاء ضريبي للأطفال من الأسر الطبقة المتوسطة والمنخفضة الدخل، وإلغاء ضريبة الدخل الفيدرالية على الإكراميات. ذُكرت التخفيضات الضريبية 7 مرات في خطابات هاريس ووالز. وفي السياق نفسه، تقترح دفع دفعة أولى للعائلات الشابة التي تشتري السكن لأول مرة. وسوف تموّل الشركات خفض العبء الضريبي على الطبقة المتوسطة، ويعتزم الديمقراطيون رفع معدل الضريبة المفروضة عليهم من 21 إلى 28%، وهو ما من شأنه أن يجلب تريليون دولار إلى الميزانية الأمريكية بحلول عام 2030.

تولي حملة هاريس اهتمامًا أكبر بكثير للقضايا الأخلاقية. وتأتي كلمات “الحرية”، و”الحق”، و”المرأة” من بين الخمس الأولى من حيث عدد الإشارات في الخطاب أمام مندوبي المؤتمر. كما أن موضوع حقوق المرأة يشغل خمس صفحات في برنامج الحزب الديمقراطي، وهو أكثر من القسم الخاص بالهجرة مثلًا. وبالعودة إلى عام 2022، بدأت نائبة رئيس الولايات المتحدة بتأكيد موضوع حماية الحريات الإنجابية. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، يقول 12% من الناخبين إن الإجهاض هو القضية الأهم في هذه الانتخابات، بقيادة الشابات اللاتي تحتاج هاريس إلى دعمهن. وفي الوقت نفسه، ستجري 11 ولاية استفتاءات بشأن هذه القضية، ومنها الولايات المتأرجحة أريزونا، وفلوريدا، ونيفادا. ويمكن للحملة الديمقراطية استخدام الاستفتاءات العامة أداةً لحشد الناخبين، وهو ما ساعدهم في الانتخابات النصفية لعام 2022.

لقد تراجعت قضية المناخ في البرنامج الانتخابي لعام 2024 إلى الخلفية. ويرجع ذلك -جزئيًّا- إلى أن هاريس أعلنت التزامها الكامل بالإدارة الحالية، التي تعد بالفعل رائدة في الاستثمار في الطاقة المتجددة. وترتبط الوعود في هذا المجال بالهدف الرئيس؛ وهو مكافحة التضخم. ووفقًا لخطط هاريس، بحلول عام 2030، ينبغي أن يزيد إنتاج الطاقة البديلة بمقدار الثلث (بدءًا من عام 2023، بلغت حصة مصادر الطاقة المتجددة 21%)، وهو ما من شأنه أن يقلل تكاليف الكهرباء للأمريكيين العاديين بنسبة 10%.

تحاول كامالا هاريس التقليل من أهمية أزمة المهاجرين، حيث يلقي معظم الأمريكيين اللوم على الإدارة الحالية في تدفق المهاجرين غير الشرعيين. بالإضافة إلى ذلك، كان الموضوع هو مسؤولية هاريس بصفتها نائبة للرئيس؛ مما خلق لها صعوبات إضافية. وحلًا لمشكلة الهجرة غير الشرعية، يقترح برنامج الحزب الديمقراطي زيادة عدد الموظفين، وتمويل شرطة الهجرة. ومن الناحية الإستراتيجية، تعتزم هاريس اتباع إعلان القمة التاسعة للأمريكيتين، الذي يتضمن أحكامًا للاستثمار في البلدان الأكثر فقرًا في أمريكا الوسطى والجنوبية للحد من تدفق السكان من هناك.

يُولَى اهتمام أقل بكثير للسياسة الخارجية، وتتعامل هاريس -على نحو أساسي- مع موضوع الصراعات الحالية. وعلى وجه الخصوص، وعدت “بالبقاء إلى جانب أوكرانيا وحلفاء الناتو”. ولم تقدم هاريس أي إجراءات محددة لحل الأزمة، أو زيادة المساعدة على نحو جذري لكييف في خطابها وبرنامجها. ويؤكد برنامج الحزب ضرورة تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا.

وفي الشرق الأوسط، تعتزم هاريس الترويج لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بالإضافة إلى التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ذُكرت إسرائيل وقطاع غزة وفلسطين 8 مرات في الخطاب، وذلك بسبب وجود مشاعر قوية مؤيدة للفلسطينيين في الحزب الديمقراطي. وبحسب استطلاع للرأي أجري في يناير (كانون الثاني)، فإن نحو 18% من الديمقراطيين يطالبون بالوقوف إلى جانب فلسطين، وهو ما يكاد يكون مطابقًا لعدد مؤيدي إسرائيل. وبالمناسبة، في عام 2002، كانت نسبة المؤيدين لفلسطين في الحزب الديمقراطي 2%؛ ولذلك تسعى هاريس إلى الاحتفاظ بالجماعتين؛ “فهي تؤكد واقع الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، لكنها تعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس”.

رسميًّا، لا تنوي كامالا هاريس التخلي عن الممر الاقتصادي من الهند إلى الاتحاد الأوروبي عبر الشرق الأوسط، الذي اقتُرِحَ في قمة مجموعة العشرين عام 2023، وعُلِّقَ بعد تفاقم جديد للأوضاع في المنطقة. وبمساعدة المشروع، تخطط لتسريع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

ستتبنى المرشحة للرئاسة السياسة تجاه جمهورية الصين الشعبية من الإدارة الحالية. ويحدد برنامج الحزب الديمقراطي الصين بوصفها “اللاعب العالمي الوحيد الذي يعتزم تغيير النظام الدولي تغييرًا جذريًّا”. تخطط هاريس لمواصلة التنافس مع الصين، ولكن مع تجنب الصراع المباشر معها. ويظهر نهج مماثل في النسخة الحالية من إستراتيجية الأمن القومي الأميركية، المنشورة في عام 2022.

صفقة دونالد ترمب الجديدة القديمة

البرنامج الانتخابي للجمهوريين هذه المرة أصغر بكثير، ويتكون من مجموعة من نقاط الحوار. إنه مخصص “للرجال والنساء المنسيين في الولايات المتحدة”، في إشارة إلى الصفقة الجديدة لفرانكلين روزفلت؛ فهو يرتكز على عشر نقاط هي شعارات، وليس لها مبرر مدروس؛ مما يوفر للمرشح مرونة سياسية.

جعل دونالد ترمب الهجرة الموضوع الرئيس لحملته الانتخابية، وكانت كلمة “الحدود” في المرتبة الثانية بعد “البلد”، و”السلام”، و”الحب” في عدد الإشارات في خطابه أمام مندوبي المؤتمر الجمهوري. وسط وصول عدد قياسي من المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، يرى المواطنون أن سياسات الهجرة التي تتبعها إدارة بايدن فاشلة. ويستخدم الرئيس السابق هذا الموضوع بنشاط، ويصف الوضع على الحدود بأنه “غزو”. وحلًا لهذا، يقترح الجمهوريون تنفيذ “أكبر عملية ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين” في التاريخ، واستكمال الجدار الحدودي الشهير، وقطع تدفق المخدرات. ومن المخطط ألا يقتصر الأمر على إشراك شرطة الهجرة فحسب؛ بل أيضًا القوات النظامية في تنفيذ هذه المهام.

ويعتمد تنفيذ هذه الخطط -إلى حد كبير- على إصلاح جهاز الدولة، الذي قد يصبح الفكرة المهيمنة لولاية دونالد ترمب الثانية. أكثر خطة تم الحديث عنها لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية كانت مشروع 2025، الذي نشرته مؤسسة التراث. ومع أن ترمب حاول علنًا أن ينأى بنفسه عن المشروع، فإن معظم واضعيه عملوا في إدارة الرئيس السابق. وأعلن المرشح الجمهوري علنًا عددًا من نقاط مشروع 2025. وعلى وجه الخصوص، يقترح ترمب إغلاق وزارة التعليم، ونقل صلاحياتها إلى مستوى الولاية.

كما يعتزم واضعو “المشروع” وضع الوزارات تحت السيطرة الرئاسية المباشرة، واستبدال معينين سياسيين ببعض المسؤولين، وتقليص البرامج الاجتماعية. ومع ذلك، فإن احتمال تنفيذ هذه التدابير لا يزال موضع شك، على الرغم من وجود أغلبية في المحكمة العليا. وبالمناسبة، فإن الجمهوريين في برنامجهم يعارضون -على نحو قاطع- إصلاح أعلى هيئة قضائية، الذي اقترحه جوزيف بايدن، والدافع بسيط: “الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا تخدم مصالح الحزب الجمهوري”.

يخطط دونالد ترمب لتحقيق النمو الاقتصادي بمساعدة سلسلة جديدة من الإعفاءات الضريبية. وسوف يمدّد الجمهوريون إصلاحات عام 2017، عندما خُفِّضَت معدلات ضريبة الدخل الشخصي والشركات على نحو كبير. ويعتزم ترمب الذهاب إلى أبعد من ذلك، وخفض ضريبة دخل الشركات من 21 إلى 15%. ويقترح الرئيس السابق أيضًا فرض تعريفة بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة، التي قد تصل في حالة الصين إلى 60%. وفي المستقبل، ينبغي أن تتجاوز الإيرادات من هذه التعريفات الأرباح من الضرائب المباشرة. ويعتزم الجمهوريون منع خطر ارتفاع التضخم من خلال الاستثمار المحلي، وعودة الإنتاج إلى الأراضي الأمريكية، وإنشاء سلاسل توريد جديدة.

وكما هي الحال مع الديمقراطيين، تحتل الموضوعات الأخلاقية مكانة بارزة في خطابات ترمب وبرنامج حملته الانتخابية. تريد الإدارة الجمهورية التركيز على غرس حب الوطن والمواطنة في الأطفال. سيكون المشروع الضخم لولاية ترمب الثانية هو الاحتفال في يوليو (تموز) 2026 بالذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال الأمريكي. ستُعزَّز أيضًا القيم المحافظة على مستوى الميزانية: “يعتزم الجمهوريون وقف تمويل برامج التربية الجنسية للأطفال”. يعارض ترمب أيضًا إنهاء الحمل في وقت متأخر، لكنه يترك تنظيم هذه القضية لتقدير الولايات. ويولي الجمهوريون اهتمامًا خاصًا بحماية الحرية الدينية (الصلاة في المدارس)، ومكافحة معاداة السامية، التي تفاقمت مشكلتها بعد جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويطلق على القسم الخاص بالسياسة الخارجية اسم “السلام من خلال القوة”، في إشارة إلى أيام غولدووتر وريغان. ولم يتم ذكر روسيا وأوكرانيا وإسرائيل في خطاب ترمب أمام الكونغرس إلا في سياق أنه لن يسمح بنشوء هذه الصراعات. واستُخدِمت حقيقة وجود السفن الروسية في البحر الكاريبي، والتدريبات العسكرية الصينية في مياه تايوان، حجةً لانتقاد إدارة بايدن. إن الرد على هذه التحديات لن يقتصر على زيادة الإنفاق العسكري فحسب؛ بل أيضًا بناء نظام مماثل لنظام الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية) لحماية الأراضي الأمريكية بكاملها.

ويفتقر برنامج الحزب الجمهوري إلى قسم خاص بالسياسة الإفريقية، ولم تكن القضية ذات أولوية في ولاية ترمب الأولى. واستنادًا إلى الخطاب والبرنامج الانتخابي، ستكون منطقة الشرق الأوسط والمحيطين الهادئ والهندي من المجالات ذات الأولوية القصوى للإدارة الجمهورية المستقبلية، وسيتم الاهتمام بأوروبا في سياق الوضع في أوكرانيا، والعلاقات في حلف شمال الأطلسي، كما أن أمريكا اللاتينية محل اهتمام المرشح الجمهوري لمكافحة الهجرة غير الشرعية

إقرأ أيضا : ماذا يحدث في «بيوت الهاكرز»؟

للوهلة الأولى، يبدو أن لدى المرشحين درجات مختلفة في كل القضايا. إن صورة الولايات المتحدة المحافظة ذات الاقتصاد الحمائي، والحكومة الفيدرالية الضعيفة، والميل إلى الانعزالية، تتناقض تناقضًا صارخًا مع جنة الليبرالية اليسارية، والسياسة ذات التوجه الاجتماعي، التي يكملها الحفاظ على مكانة الهيمنة العالمية.

ولكن المشكلة الداخلية الرئيسة لا تكمن في معدل الضريبة، أو حجم الأموال التي يتعين تخصيصها لتطوير البنية الأساسية. والحقيقة هي أن الطبقة المتوسطة الأمريكية لم تعد مستفيدة من النموذج الحالي للعولمة. وتظهر المؤشرات الاقتصادية الموضوعية ذلك: انخفضت الطبقة المتوسطة من 61% في عام 1971 إلى 50% في عام 2021، ويعتقد 78% من الأمريكيين أن أطفالهم سيكونون في وضع أسوأ؛ ونتيجة لذلك، يتزايد الإحباط، والاستقطاب السياسي.

ويقدم كلا المرشحين وصفة لحل جزئي للمشكلة. ويرى الديمقراطيون الحاجة إلى مضاعفة الجهود الحالية، واستثمار المزيد من الأموال، في حين يرى الجمهوريون الأكثر تطرفًا أن العودة إلى العصر الذهبي هي الحل. ومن العوامل المهمة التي تصب في صالح ترمب أن كثيرًا مما تقترحه هاريس يُطبَّق بالفعل، ولكن الأزمة لم تنتهِ بعد. وقد تبدو أساليب ترمب متطرفة، ولكنها مبتكرة إلى حدِّ ما.

وهذا ينطبق -بالتساوي- على مجال السياسة الخارجية. ويصف كلا الحزبين الصين بأنها العدو الإستراتيجي الرئيس للولايات المتحدة، ويقترحان التنافس معها من خلال تعزيز قوتهما، وتعزيز تحالفاتهما. تكمن الاختلافات في أسلوب العلاقات مع الشركاء، وفي درجة تشدد السياسة ضد بكين.

ولا ينبغي أن ننسى أنه حتى لو فاز أحد المرشحين، فإن قدرته على تنفيذ البرنامج تعتمد على توازن القوى في الكونغرس. إن وجود أغلبية معارضة -حتى في أحد المجلسين- يمكن أن يجبر الفائز في الانتخابات على اتخاذ مسار أكثر اعتدالًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى