كيف تحوّل الصراع العربي الصهيوني إلى شأن فلسطيني بحت؟
هذه الحرب الأخيرة برهنت على أن الفلسطينيين وحدهم يحملون لواء تحرير الأرض وأن معركتهم تخاض على انفراد لا ينصاع إلى موازين القوى ويستوجب أن تخلق مقاوماته المختلفة توازناً للردع.
خلال أكثر من تسعة أشهر من حرب اللاهوادة مازال الشعب الفلسطيني صامداً في مواجهة أعتى موجة من حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني في العصر الحديث.
هذه الحرب وبالرغم من تمردها على كل أشكال الصراع السابق وتفجّرها في المحيط الإقليمي وتنامي التضامن مع الشعب الفلسطيني في كل العواصم تقريبًا، إلا أنها برهنت أكثر من أي وقت مضى على أنها تخصّ الفلسطينيين دون سواهم بالرغم من تداخل الأدوار والمساهمات في خياري الحرب والسلام.
فكيف تحوّل الصراع من صراع عربي صهيوني إلى شأن فلسطيني بحت؟
مفهوم الصراع
اعتاد الفلسطينيون خوض حربهم وحدهم منذ أن انحصر مفهوم الصراع العربي الصهيوني في صراع الفلسطينيين بمفردهم مع الصهيونية ووكلائها ومن ورائهم من القوى الامبريالية، وتحول مفهوم الصراع عند بقية الدول العربية إلى مجرد الالتزام باتفاقيات السلام والشرعية الدولية أساساً في معطى الحدود الإقليمية حتى ذاب مفهوم الصراع وأصبح من التاريخ وتم اعتياد التعايش مع قومية دخيلة عن وطن تاريخي للفلسطينيين وكل العرب.
لا يمكن إنكار حقيقة نجاح العدو في ممارسة “الإقناع بالقوة” كنهج ديبلوماسي في فرض وجوده في المنطقة، غير أن هذا التفصيل المهم يحيل إلى توفر الأرضية السياسية الملائمة لذلك وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أفول الزعامتية القومية لدى الدول العربية التي انبنت عليها تطلعات الجماهير لرمي هذا الكيان في البحر قد ساهمت بشكل كبير في التراجع عن هذا الهدف الكبير للصراع، وبالتالي صارت المعادلة واضحة وهي أن وجود هذه الزعامات يلغي وجود هذا الكيان، فكان العدوّ حاسماً في هذه المسألة ونجح في إزاحة هذه الرموز وتمييع شعاراتها لتثبيت أقدامه في المنطقة والنجاح في التطبيع مع فكرة وجوده.
العلاقات الديبلوماسية
لم يكن وارداً في العشرية ما قبل الأخيرة على الأقل أن يحلم الصهاينة أن تحط طائراتهم في العواصم العربية. كما لم يكن وارداً تصديق أن المستقبل يحمل في طياته التعامل مع هذا الكيان وتدعيم تمثيلياته الديبلوماسية والدفع بعلاقات التعاون نحو آفاق تحجب الخصومة التاريخية وتجبّ فكرة إنكار الوجود لتخلص إلى أحقية الوجود، وهو مكر التاريخ.
فاليوم أصبح وجود هذا الكيان مكوناً رئيسياً لتحالفات عربية ترفض مصطلح الخيانة وتدفع به نحو مصطلح الأمر الواقع أو المصالح المشتركة.
الخلاص الفردي للفلسطينيين
أمام تصحيح المفاهيم وغياب المبدئية في الحفاظ على الصراع قائماً والدفع نحو حلّه بإنهاء وجود هذا الكيان، خلص الفلسطينيون إلى أن الحل الوحيد يكمن في الخلاص الفردي وأن مفهوم الصراع لا يعني أحد غيرهم، لذلك تتالت محطات المواجهة لتبلغ ذروتها في عملية طوفان الأقصى.
هذه الحرب الأخيرة برهنت على أن الفلسطينيين وحدهم يحملون لواء تحرير الأرض وأن معركتهم تخاض على انفراد لا ينصاع إلى موازين القوى ويستوجب أن تخلق مقاوماته المختلفة توازناً للردع مستجداً يتجاوز رد الفعل إلى الفعل نفسه.
ما يؤكد هذه الاستنتاجات هو انسحاب القوى العربية الوازنة من المشهد وتخليها حتى عن دورها التعديلي الذي لازمها لسنوات وخاصة خروجها الآمن من دائرة الصراع لينحصر فقط في إقليميته الأصلية وترك الفلسطينيين يخوضون “صراعهم” بمفردهم.
يبدو المشهد اليوم واضحاً أكثر من أي وقت مضى من حيث تهيؤ الأسباب الموضوعية لتخلي الجميع عن إسناد المقاومة الفلسطينية والاكتفاء بقيادة المفاوضات، غير أن رغبة الكيان الصهيوني في اجتثاث المقاومة وطريق اللاعودة الذي اتخذته الحرب ينبئ أن تنتهي كل أدوار المساهمين في إدارة الصراع وأن يصبح الشأن الفلسطيني هو المحدد الوحيد لما ستفرزه هذه الحرب.
أو بمعنى أصح سوف تنهي عملية طوفان الأقصى مرحلة الأدوار الثانوية للدول العربية وتحولها إلى مجرد ديكورات ثابتة تجاوزتها اللحظة التاريخية مما يجعل المواجهة المباشرة خياراً إستراتيجيا للفلسطينيين يبدو أنه أثبت نجاعته أكثر من كل الخيارات المتاحة لسنوات دون نتيجة تذكر سوى حصر أدوار المقاومة في رد الفعل وعدم إقدامها على تحويل الردع إلى رعب مستدام مثلما فعل طوفان الأقصى.