كونفدرالية دول الساحل : الأهداف والتحديات والمواقف الدولية
لا يمكن تجاهل مدى رؤية المجتمع الدولي للتحالف، خاصةً مِن قِبَل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكلٍ عامّ؛ لأن ذلك سيؤثر بشكل كبير على مسار التحالف؛ إذ قد تؤدي العقوبات أو العزلة إلى فشله في تحقيق أهدافه، بينما يمكن للتعاون والدعم أن يُعزِّزا شرعيته.
شهد يوم الخميس الموافق 4 يوليو 2024م توقيع كلٍّ من مالي والنيجر وبوركينا فاسو على قرار إنشاء (اتحاد دول الساحل)، وذلك بالعاصمة النيجرية نيامي. وتتفق هذه الدول الثلاث في أنها انسحبت من عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)؛ بسبب نظرتهم للمنظمة على أنها ذات توجُّه غربي يضرّ بمصالح شعوبهم.
وسيضم الاتحاد المُزمَع عقده قرابة (72) مليون نسمة تحت مظلة واحدة، تتفق فيما بينها على قطع أواصر العلاقات مع فرنسا والغرب، وتسهيل إجراءات التعاون المشترك في نهجهم تجاه القطاعات الإستراتيجية؛ مثل: الزراعة والمياه، والطاقة، والنقل، والأمن، والسياسة الخارجية.
لقد أدى الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في يوليو 2023م، إلى تدهور العلاقات بين (الإيكواس) ودول مالي وبوركينا فاسو بشكلٍ ملحوظ؛ على إثر الإعلان عن نية المنظمة التدخل عسكريًّا في النيجر لإعادة الرئيس السابق (محمد بازوم) للسلطة. فأعلنت كلّ من مالي وبوركينا فاسو أنها على استعداد للتدخل عسكريًّا لحماية النيجر من أيّ اعتداء قد يقع عليها من أيّ قوة كانت. وترتب على ذلك إعلان الدول الثلاث في يناير 2024م خروجهم من عضوية (الإيكواس)، واتهموا المنظمة بالتحول لتهديد للدول الأعضاء، وفرض “عقوبات غير قانونية وغير مشروعة”.
ويُنظَر إلى هذه الخطوات على أنها اللبنة الأولى التي مهَّدت الانطلاق والتفكير في هذا التحالف لمواجهة (الإيكواس) من جهة، وفرنسا والغرب من جهة أخرى. وقد ظهرت فكرة الحديث عن هذا التحالف في سبتمبر 2023م، وذلك بالتوقيع على ميثاق (ليبتاكو-جورما)، وهو هيكل تعاوني يهدف إلى العمل كتحالف إستراتيجي للتعاون بين أعضائه، عبر إجراءات تتجاوز التعاون ضمن التحالف، وتضع رؤية لتكامل الدول الثلاث ضمن إطار كونفدرالي. وفي مارس 2024م تم تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الجماعات الإرهابية التي تهاجم أراضي الدول الثلاث.
وتُثير هذه الخطوة العديد من التساؤلات حول أهداف هذا التحالف، والجدوى منه، والمعوقات التي قد تُؤثر على تحقيق أهدافه، وكيف سيتم التعامل معه على الجانب الإقليمي المتمثل في المنظمات الإفريقية الإقليمية، بالإضافة إلى تأثيره دوليًّا في ظل المنافسة بين روسيا والغرب. وذلك في ظل ما تعاني منه هذه الدول من مشكلات أمنية واقتصادية، وهي بمثابة تحديات مماثلة، بما في ذلك تهديدات الإرهاب، والصراعات الطائفية، وتهريب المخدرات والأسلحة في منطقة الساحل.
أولًا: أهداف اتفاق الساحل: تكامل ودفاع مشترك
اتسم تحالف الساحل بأنه يهدف لبناء تكامل بين الدول الثلاث، لا يعتمد فقط على الحاجة إلى ضمان الأمن (وهي مشكلة مشتركة بين جميع الدول الإفريقية تقريبًا). وترغب الدول الثلاث عبر هذا الاتفاق في الابتعاد عن منطق التحالفات التقليدية مع الغرب، وتأكيد الاستقلال وتقرير المصير خاصةً في القرارات الخارجية، لذلك جاء قرار تشكيل التحالف على أنه تطوُّر مهمّ تشهده منطقة الساحل والصحراء، بل والقارة الإفريقية بشكلٍ عام، بسبب أن التحالف يجمع بين ثلاث دول تأثرت بعدم الاستقرار والعنف، لذلك يُنظَر للتحالف على أنه وسيلة لتحسين الوضع الأمني من جهة، والتعاون الاقتصادي والسياسي من جهة أخرى. جاءت الأهداف التي عبَّر عنها هذا التحالف تترجم ذلك التوجُّه كالتالي:
1- التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظَّمة:
الهدف الأساسي للاتفاقية هو تعزيز المزيد من التكامل بين الدول الثلاث؛ من خلال ميثاق الدفاع المشترك. ويهدف ذلك إلى تعزيز أمنهم الجماعي، ودعم آليات الدفاع ضد التهديدات المحتملة، بما في ذلك التمردات المسلحة أو الاعتداءات الخارجية. يشمل ذلك أيضًا أن تقوم كلّ دولة عضو بدعم الدول الأخرى في حال وقوع هجوم خارجي عليها أو حدوث تمرد مسلح بداخلها؛ أي أن الاعتداء على دولة منها يُعدّ بمثابة اعتداء على الجميع وتهديدًا للسيادة والأمن.
وفي السياق ذاته، يُركّز التحالف جهوده بشكل كبير على مكافحة الإرهاب، خاصةً في منطقة الساحل التي تشهد نشاطًا ملحوظًا للجماعات المسلحة، بما في ذلك تلك المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش؛ لذلك تم الاتفاق على تشكيل قوة موحدة لدول الساحل عبر خطة ثلاثية دائمة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظَّمة العابرة للحدود.
2- التعاون الاقتصادي:
ارتكز التعاون الاقتصادي عند قادة التحالف على مبدأ الخروج من الشراكة مع (الإيكواس)، والسعي لتشكيل تحالف اقتصادي؛ حيث تهدف الدول الثلاث إلى تأكيد سيادتها الاقتصادية والسياسية، ويشمل ذلك التحكم في مواردهم الخاصة، وتحديد مساراتهم للمضي قُدمًا دون إملاءات خارجية.
جاء الشق الاقتصادي في اتفاقية التحالف يشير إلى السعي نحو إنشاء مرافق صناعية متطورة بشكل مشترك بين الدول الثلاث وإنشاء بنية تحتية جديدة، وتنسيق الإجراءات الاقتصادية في السياسة الخارجية. بالإضافة إلى وضع آليات لتسهيل حركة الأشخاص والسلع والخدمات داخل حدود التحالف، إلى جانب إنشاء بنك استثماري مشترك يجمع الدول الثلاث؛ وذلك لضمان إحداث التنمية المستدامة من خلال تنفيذ “سياسة اقتصادية واجتماعية محلية تعتمد على الموارد والشراكة بين الدول الثلاث.
3- الاستقلال السياسي وتعزيز الهويات:
يهدف التحالف لتحقيق ترابط إستراتيجي بين الدول الثلاث لبناء أكبر قدر ممكن من الاستقلال السياسي، وذلك كتأكيد على سير القادة الثلاثة لتحقيق أحد أهم دوافع ما قاموا به من انقلابات على الأنظمة التي كانت حاكمة لبلادهم. بالإضافة لتعزيز التكامل بكافة جوانبه، خاصةً الجوانب الثقافية منها عبر الحثّ على استخدام اللغات الأصلية بدلًا من الفرنسية في وسائل الإعلام، كجزء من الاستقلال الثقافي وتحقيق السيادة لتعزيز الهويات الوطنية. ولتحقيق ذلك لا بد أن يكون هناك رؤية حول الإقناع السياسي لشعوب الدول الثلاث بجدوى التعاون؛ وهو الأمر الذي يتطلب حملات توعية مطولة ونقاشًا عامًّا وإصلاحات مؤسسية داخلية في كل دولة من الدول الثلاث.
ثانيًا: مُشكلات مُعرقلة
يواجه تحالف الساحل تحديات عديدة؛ منها الصعوبات الأمنية والاقتصادية. رغم تعهُّد قادة الدول الثلاث عند تولي إدارة بلادهم بالعمل على تحسين الأمن والتكامل الإقليمي، وهو ما تم التأكيد عليه في إعلان “قمة نيامي”؛ إلا أن ذلك يتوقف على حجم الإمكانيات التي تتمتع بها كل دولة، وتوافر الموارد والدعم الدولي. لذلك ثمة مجموعة من العوامل التي يمكن أن تؤثر في نجاح هذا التحالف كالتالي:
1- تصاعد خطر الإرهاب:
سبقت الإشارة إلى أن اتفاق الساحل يُعدّ محاولةً مِن قِبَل الدول الثلاث لبناء منظومة أمنية قوية للتصدي لخطر الجماعات الإرهابية. وعلى الرغم من ذلك فلا يزال الإرهاب منتشرًا في هذه الدول، ولا تزال هناك سيطرة واسعة للجماعات المسلحة وانتشار لحجم الجريمة المنظَّمة. وتشير التقديرات إلى ارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب في (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) بنسبة تقدر بـ (43%) من نسبة الوفيات على مستوى العالم وذلك وفقًا لعام 2023م.
كما شهدت بوركينا فاسو وفاة ما يقرب من (2000) شخص بسبب (258) حادثًا إرهابيًّا في عام 2023م، مما يشكل زيادة بنسبة (68%) عن وفيات الإرهاب عام 2022م؛ مما جعلها تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث وفيات الإرهاب.
ولا يختلف الأمر كثيرًا في مالي والنيجر عن حالة بوركينا فاسو؛ من حيث تصاعد وتيرة الإرهاب وانتشاره، فقد شهدت مالي تدهورًا أمنيًّا نتج عن انسحاب بعثة الأمم المتحدة من أراضيها ترتب عليه توسُّع في النشاط الإرهابي.
لذلك سيتطلب التصدي لهذا التوسع تحقيق نتائج سريعة من دول التحالف الثلاثة؛ حتى لا يحدث اتساع لرقعة الإرهاب على أراضيهم في ظل تصاعد وتيرته. وفي ظل هشاشة الحدود التي تجمع بين الدول الثلاثة مما يعني أن العمليات التي قد تحدث ضد الجماعات والعصابات هناك ستشهد عمليات كرّ وفرّ في مساحة حدودية شاسعة مما قد يُهدِّد الأمن المُجتمعي.
2- الانتشار القبلي والرعوي:
يلعب الرعي دورًا في الجانب الأمني بين الدول الثلاث، يرجع السبب في ذلك إلى الارتباطات القبلية والاجتماعية بين هذه الدول وبعضها البعض. بالإضافة إلى ذلك هناك مشكلات وصراعات تظهر من وقتٍ لآخر بين هذه المجموعات، لذلك فإن أيّ موقف حكومي صارم تجاه هذه القوى قد يؤدي لنشوء صراعات داخلية خاصة بين المزارعين والرعويين على حدود الدول الثلاث.
لكن في الوقت نفسه؛ فإن هذه الارتباطات قد تكون عاملًا دافعًا نحو إنجاح التحالف، شريطةَ أن تدعم الدول الثلاث الجوانب المشتركة بين شعوبها، وبخاصة فيما يتعلق بالموروثات التاريخية السلبية حول الاستعمار عبر بناء خطاب مُشترك يُوضِّح أهمية التحالف، وبأنه خطوة نحو التخلص من التبعية للقوى الاستعمارية.
يُعزز هذا الشعور العلاقات بين الدول الثلاث، ويمكن أن يساعد في جهود التكامل بينهما؛ لأنه قد يخلق هذا التحدي تصورًا مشتركًا للخطر، ويمكن أن يكون بمثابة عنصر للتغلب على مشكلات التداخل الحدودي بينهم وانتشار عمليات الرعي التقليدية.
تعتبر الدول الثلاث حبيسة تمامًا، ولا تمتلك أيّ منفذ بحري. ويُؤثر ذلك على طبيعة التكامل الاقتصادي بينهم؛ حيث سيكون هذا عائقًا أمام عمليات التصدير للخارج في حال إن أدى بناء هذا التحالف إلى قطع علاقتها مع دول (الإيكواس)، إلى جانب ذلك تواجه منطقة الساحل تحديات بيئية كبيرة، بما في ذلك التصحر وأنماط هطول الأمطار المتغيرة. ويمكن أن تؤدي هذه الندرة إلى زيادة التوترات والصراعات، مما يؤثر على أهداف التحالف التكاملية، ويهدد تحقيق الاستقرار فيها.
4- ضعف أساسيات البنية التحتية والاقتصادية:
هناك حالة نقص ملحوظة في خطوط السكك الحديد الكبرى بالمنطقة، بينما تستهدف غالبيتها تقريبًا ربط تلك الدول بأسواق التصدير. لذلك فإن التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاثة بحاجة في البداية على الأقل إلى أساسيات البنية التحتية التي يمكن التطوير من خلالها، وهذا ما تفتقده هذه الدول؛ حيث تشير تقارير برنامج مؤشر البنية التحتية (GQII) الصادر عام 2023م، وشمل (185) دولة حول العالم إلى أن كلاً من (مالي- بوركينا فاسو- النيجر) قد احتلت المراتب التالية على التوالي (142،131،126)(. وفي ذات السياق، فإن البنية التحتية في منطقة إيكواس بشكل عام بما في ذلك دول تحالف الساحل، تعتمد بشكل رئيسي على تصدير المواد الخام بدلاً من تعزيز الترابط بين الأسواق الإقليمية والمحلية.
ثالثًا: المواقف الإقليمية والدولية: تباينات مرتبطة بالمصالح
1- موقف المنظمات الإقليمية الإفريقية
– الإيكواس:
تنظر الإيكواس إلى إنشاء التحالف على أنه خطوة مضادة لها في القارة، خاصةً أن الدول الثلاث تعهدت فيما بينها بالقطيعة معها حتى من قبل إعلان التحالف بشكل رسمي. ويُظهر التحالف عن حجم الانقسام العميق داخل المنظمة، والتي تشهد توترات داخلية على إثر الشعور بالعُزلة وفقد دعم الكثير من مواطنيها الذين اختلفت رؤيتهم لموجة الانقلابات التي حدثت بسبب الافتقار للفرص وحالة الضعف الذي عانت منه المنظمة؛ لكون هذه الانقلابات تأتي تعبيرًا عن فشل هذه المنظمات، وعدم قدرتها على تحقيق قدر من الاستقرار داخل الدول الإفريقية.
ومع ذلك، فمن المرجح أن تستمر محاولات الوساطة، وخاصة بقيادة الرئيس السنغالي (باشيرو ديوماي فاي). ولكن في حال فشل المنظمة في الخروج بصوتٍ موحد في مواجهة التحالف؛ فإن هذا قد يفيد الدول الثلاث، وبخاصة أن التحالف تعهَّد بإنشاء برلمان إقليمي وبنك مماثل للبنك الذي تديره (الإيكواس).
– الاتحاد الإفريقي:
أعلن دول التحالف عن أنهم ملتزمون بميثاق الاتحاد الإفريقي؛ في محاولةٍ منهم لتجنُّب أيّ ضغوطات تظهر من المنظمة الإقليمية الأكبر في القارة. لم يؤيد الاتحاد منذ سبتمبر 2023م نية الدول الثلاث تشكيل التحالف. لكن في الوقت نفسه اتخذ موقفًا حذرًا في نهجه تجاه التحالف، وربما يرجع ذلك إلى الموقف السياسي غير المستقر منذ انقلاب النيجر في يوليو 2023م. ولذلك فمن المتوقع أن يواصل الاتحاد الإفريقي السعي نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي الناتج عن قلقه بشأن عدم الاستقرار في (الإيكواس)، وسَيُطالب بالحفاظ على متطلبات المراحل الانتقالية في الدول الثلاث.
2- المواقف الغربية والروسية:
تمر كلٌّ من أوروبا والولايات المتحدة بمرحلة إعادة بناء شكل جديد لسياستها تجاه القارة؛ حيث يتجه الطرفان للعمل على إيجاد توازن يحفظ لهما مصالحهما، فيما تعيش روسيا حالة من الانتشار في القارة الإفريقية.
– الموقف الأوروبي:
تتخوف الدول الأوروبية في حال نجاح التحالف من أن يؤثر ذلك على مصالحها بالقارة؛ حيث قد يؤدي إلى دفع دول أخرى نحو التفكير في الانضمام للتحالف؛ مثل تشاد وغيرها، مما يعني مزيدًا من الضغط على مصالحهم. وربما تنظر فرنسا إلى التحالف على أنها قد تكون أكثر المتضررين حال تصاعد التوجه القائم نحو إلغاء الفرانك الإفريقي بين دول التحالف وإنشاء “بنك استثماري” و”صندوق استقرار لمنطقة الساحل“.
بالإضافة إلى فرنسا؛ فإن دول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ عام ترى أن ذلك سيدعم النفوذ الروسي داخل هذا التحالف، وبخاصة من الناحية الأمنية، لذلك قد تتجه الدول الأوروبية نحو إعادة تقييم سياساتها الخارجية تجاه القارة، والعمل على إصلاح إستراتيجيتها للتركيز بشكل أكبر على بدائل أخرى بدلًا من الجوانب العسكرية من خلال المساعدات الإنسانية ودعم الحوكمة مع الحفاظ على قدر من التوازن العسكري.
وتختلف نظرة دول التحالف للاتحاد الأوروبي عن نظرتهم لفرنسا باستثناء النيجر التي أخذت موقفًا متشددًا من دول الاتحاد؛ ففي نوفمبر 2023م، ألغت قانون الحد من الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، تلاه إنهاء نيامي اتفاقياتها الأمنية والدفاعية مع الاتحاد.
ولكن فيما يخص كلًّا من مالي وبوركينا فاسو، لم يصل قادتها حد إثارة العداء العلني مع دول الاتحاد الأوروبي، فهم لا يزالون منفتحين على العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا، ويتلقون المساعدات الإنسانية والتنموية من الدول الغربية. فقد سبق أن قدمت بوركينا فاسو، طلبات للحصول على معدات عسكرية مثل: البنادق الآلية إلى الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، يرغبون في اللعب على ورقة المفاضلة التي قد تجعل الدول الثلاث تحقق أقصى قدر من الاستفادة الممكنة. خاصةً أن الأنظمة الثلاثة حصلت على دعم مِن قِبل روسيا وتركيا والصين التي ترغب في استبعاد الدور الأوروبي ككل من منطقة الساحل. ونتيجة لذلك، فإن موقفهم تجاه الاتحاد الأوروبي قد يأخذ صورًا متفاوتة للحصول على أكبر قدر من الدعم من كافة الأطراف؛ كلما تطلب الأمر ذلك. لكنهم على استعداد لرفض هذه المساعدة إذا تغيَّرت المواقف.
– الموقف الأمريكي:
أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، فهو قد يكون أفضل من الموقف الأوروبي في إطار اقترابها من وجود موطئ بديل لقاعدتها العسكرية في النيجر؛ حيث تشير التقارير إلى احتمالية أن تنقل قاعدتها إلى كوت ديفوار أو بنين، ولكن يتفق أيضًا مع الموقف الغربي في المخاوف بشأن النفوذ الروسي المتصاعد ونتائجه مستقبلًا. وقد تتخذ الولايات المتحدة والغرب اتجاهًا قانونيًّا خاصًّا بدعم (الإيكواس) بعدم قانونية انسحاب الدول الثلاث من المنظمة إلا بإخطار مُسبَق قبل عام من أيّ انسحاب ليصبح ساريًا(
وقد تلعب الولايات المتحدة والغرب على رؤية أخرى تتمثل في اعتبار أن الأنظمة الموجودة في الدول الثلاثة هي أنظمة انتقالية تقودها كوادر عسكرية، ولو بمشاركة مدنية، وفي الوقت نفسه فإنها حكومات انتقالية، ومبدئيًّا هي غير مخوَّلة باتخاذ إجراءات من شأنها تغيير طبيعة الدولة ووضعها السياسي، أو اتخاذ قرارات إستراتيجية من شأنها تغيير المسار التاريخي للدول الثلاث، وهو ما قد يكون مدخلًا للولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى التي لا تريد لهذا التحالف أن يستمر في محاولة التأثير على طبيعة العملية الانتقالية من خلال الضغط على دول التحالف فيما يتعلق بتحفظاتها حول مستقبل الديمقراطية في الدول الثلاث.
– الموقف الروسي:
هناك عدد من المزايا لروسيا في هذا التحالف، فروسيا قوة عسكرية كبرى، ومن الممكن أن يساعد ذلك على وجودها بشكل قوي في القارة، خاصةً إذا نجح دعمها لهذه الدول في القضاء على الإرهاب والمشكلات الأمنية الأخرى. كما أنها بمثابة قوة اقتصادية صاعدة قد تجذب دول التحالف؛ إذ يمكن أن تصبح مصدر الاحتياجات الأساسية من السلع للدول الثلاث. وفي الوقت نفسه، فإنها قادرة على تنفيذ مشروعات البنية التحتية في هذه الدول. إلى جانب دعمها القوي نحو مواجهة الوجود الأوروبي والأمريكي المُتراجع، وتقديم نفسها كعامل استقرار في إفريقيا.
وختامًا، يمكن القول: إن نجاح تحالف الساحل (ASS) في تحقيق أهدافه يتوقف على مدى إمكانية بناء التوازن بين المصالح الفردية للدول الأعضاء فيه والأهداف المشتركة، إلى جانب التوازن في المصالح مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى المعنية بالقارة الإفريقية بشكلٍ عام، ومنطقة الساحل وغرب إفريقيا بصورة خاصة.
أيضًا يعتمد نجاح التحالف على معالجة القضايا الأساسية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار؛ مثل: الفقر والفساد والتوترات العرقية.
كما أنه لا يمكن تجاهل مدى رؤية المجتمع الدولي للتحالف، خاصةً مِن قِبَل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب بشكلٍ عامّ؛ لأن ذلك سيؤثر بشكل كبير على مسار التحالف؛ إذ قد تؤدي العقوبات أو العزلة إلى فشله في تحقيق أهدافه، بينما يمكن للتعاون والدعم أن يُعزِّزا شرعيته.
وإذا لم تعمل الدول الثلاثة على معالجة المعضلات التي قد تؤثر في نجاحه؛ فإن هذا التحالف محكوم عليه بالفشل؛ لأنه قائم على أساس ردة فعل ضد فرنسا والغرب دون مراعاة النظر إلى قضايا أخرى، وكيفية تشكيل التحالفات. ولذا يتوجب العمل على مراجعة التجارب السابقة في كيفية تشكيل التحالفات، مع حشد جماهيري واسع لضمان قاعدة صلبة تدفع باتجاه إنجاحه، مع فتح الباب أمام تعزيز التعاون الدولي مع كافة الأطراف.