إيران

«كهنة إيران» والمستعمرات العربية

يستمر تقييد الأميركان للنظام المصرفي الذي أسسوه بشكل عبثي في العراق بحيث لا يمكنه سوى خدمة اللصوص والنظام الإيراني سواء كان ذلك بالدولار الأميركي أو بالدينار العراقي، حتى بات الدينار العراقي يهدد الاقتصاد.

ليس شق الصفوف بجديد على كهنة طهران مع الفلسطينيين، فقد قاموا بشق حركة الجهاد من قبل في سياق مشروع لكسر منظمة التحرير، ولم يقتصر نهج الفتنة وشق الصفوف على الفلسطينيين، فقد شقوا صفوف العراقيين المتواجدين في حينها على الأراضي الإيرانية، حيث قاموا بشق حزب الدعوة وجعلوا منه مسميات أحزاب، وكذلك الحال مع منظمة العمل الإسلامي، وجعلوا منها جماعات أيضاً لإضعافها، وفعلوا ذلك مع اللبنانيين عندما شقوا صفوف حركة أمل وأنشأوا حزب الله، وكذلك مع العراقيين الشيعة داخل العراق عندما شقوا الصدريين وجعلوا منهم جماعات.

ولم يسلم منهم العراقيون السُنة، إذ فتنوهم وفرقوا جمعهم وفُرِض عليهم اتباع كهنة طهران، فمن اتبع منهم فاز بالمناصب والعقود، ومن تردد استمر ضعيفاً هزيلاً مرتاباً حتى ولو كانت لديه مقاعد نيابية. ومن اتبعهم في الدول العربية قربوه وسَهُلت عليه حياته وازدهرت، ومن عصى مستقيماً في عقيدته مخلصاً لله ورسول الإسلام وآل بيته (ص) وابتعد عنهم وعن بدعهم وشرهم وشر أتباعهم ذاق الهوان، والأمثلة كثيرة والحديث يطول.

والسؤال هنا هل يؤمن كهنة طهران بفلسطين كدولة لها قدسيتها ويسعون إلى تحريرها حقاً؟ وهل سيبقون على نهجهم مع حماس ومن تبعها، أم سينقلبون عليهم كما انقلبوا على الجهاد الأولى في بدايات سلطة الملالي ونهبوها لقربها من الزعيم العربي الراحل ياسر عرفات؟

العداء الذي يشنه الملالي على منظمة التحرير الفلسطينية ليس بجديد فهو مستمر منذ عقود، وكان لأبي عمار رحمة الله عليه مقولته الشهيرة (يا جبل ما يهزك ريح)، فقد بدأوا بنهب حركة الجهاد وتسليمها إلى موالين لهم، وإنبات حركة حماس لجعلها منافساً لمنظمة التحرير وحركة فتح، وتمكنوا من تسويق حماس من خلال التمسح بالشيخ الجليل أحمد ياسين رحمة الله عليه، ولعِب من يرفع شعار القدس بمشاعر البسطاء، وبالنتيجة ها هو الحصاد لصالح المحتل الصهيوني وكهنة إيران؛ كما لا يعترف الملالي بفلسطين، ولا يرون غير فلسطين حماس أو من يكون أكثر طاعة وخنوعاً، ولا قدسية لفلسطين لدى الملالي على الإطلاق، ولا أهمية لفلسطين ما لم تخدم مصالح كهنة إيران، وقد شرحت مقالات كثيرة موقف بيت الكهنة في إيران من فلسطين، وأكدت على عبث الملالي بالقضية الفلسطينية خدمة لنظامهم وتماشياً مع المشروع الصهيوني وتقاسماً للنفوذ بالمنطقة.

فضيحة من العيار الثقيل في زيارة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي إلى إيران ولقائه والوفد المرافق له في مقر خارجية الملالي واللقاء مع وزير خارجية الملالي؛ بحضور وزير خارجية الملالي ووجود صورتين لعلم دولة السودان بدلاً من علم دولة فلسطين وكأن موظفي خارجية الكهنة لا يفرقون بين علم دولة السودان ودولة فلسطين.

وقد أمضوا في النصب والاحتيال على الفلسطينيين أكثر من أربعة عقود، ووزارة الخارجية هي الأعلم بشؤون المراسيم، وموظفوها أنفسهم هم من بدلوا علم دولة السودان الموجود على طاولة المباحثات بعلم دولة فلسطين خلف منصة المتحدث الرسمي، فماذا يا ترى وراء هذا الفعل اللئيم؟ لربما تكون رسالة مفادها أنهم لا يعترفون بالوفد وما يمثله، لكنهم يثبتون الحديث الذي أدلى به رئيس الوفد كحديث رسمي لمسؤول فلسطيني يظهر بمظهر التابع الذي يرجو مكانة لدى من يتبعه عله يبلغها، وهذا ما جرى بعد زيارة إسماعيل هنية لطهران، لتقديم تقريره، وما يلزم لـعلي خامنئي وجنوده، وهذه هي نظرة الكهنة لفلسطين.

لماذا إصرار بيت الكهنة في إيران على هدم منظمة التحرير الفلسطينية

بتجرد وحياد تامين، يقر الأحرار من أهل الفكر والرأي في العالم العربي بأن تأسيس حماس لم يكن من أجل مبدأ الجهاد في سبيل الله لتحرير فلسطين وقد كانت حركة الجهاد قائمة، ولم تكن منظمة التحرير من الكفرة والمشركين، ولا كانت حركة فتح حركة هشة لا علاقة لها بالنضال تعيش لحظاتها السعيدة لتكون حماس بعناصرها الغضة بديلاً عن المنظمة وفتح، أما التاريخ فيقول الحقيقة إن ما قامت به منظمة التحرير وحركة فتح بقيادة أبو عمار لا يمكن لمليون من صنيعة لكهنة طهران أن تقوم به.

وقد كانت منظمة التحرير مظلة شرعية للفلسطينيين بكافة مكوناتهم، وتوافق العرب على أنها الممثل الشرعي الفلسطيني والضمان لمسار الحراك الثوري الفلسطيني نحو تحقيق الأهداف، ولم يكن دعم كهنة إيران الكارهين للعرب والفلسطينيين لحماس إلا لتمزيق صفوف الفلسطينيين وهدم منظمة التحرير، لأنَّ المطلوب خلق أزمة داخل فلسطين لتحقيق المرجو من وراء رفع شعار فلسطين لدى ملالي إيران، ألا وهو تسويق هذا النظام داخل وخارج إيران وخلق أزمة إقليمية تكون ذريعتها ووسيلة إدامتها القضية الفلسطينية، من خلال فرض حماس كشرعية بدلاً عن السلطة الفلسطينية، لطالما كانت حماس أكبر أوراق اللعب لدى الملالي.

دفع الكل في فلسطين ضرائب قاسية جراء العدوان الصهيوني الممنهج على أبناء الضفة قبل القطاع، وبالرغم من أن الأحداث في القطاع أكثر دموية ويغطيها الإعلام الباحث عن الإثارة أكثر من تلك التي تجري في الضفة، وقد تسمعون قريباً تهجير فلسطينيي الضفة باتجاه الأردن، فعدوانية المستوطنين وسلطات الاحتلال وتصريحات مسؤوليه تقول ذلك؛ فكلهم لا يريدون الفلسطينيين ويريدون تقسيم فلسطين مع مصر والأردن وفقاً لأهوائهم وتنتهي القضية، وبعضهم يريد أن يُلقي بقنبلة نووية للقضاء على غزة وتنتهي القضية؛ وفئة أخرى تريد جعل غزة ملعب كرة قدم، والبعض يخطط لجعل غزة ميناء ضمن مشروع عالمي كبير لمواجهة المشروع الصيني الكوني (مبادرة الحزام والطريق).. وأما نظام الملالي فيسعى إلى اختزال القضية الفلسطينية في حماس واختزال فلسطين في غزة، وهذا هو المطلوب كأداة لإدارة الأزمات من أجل بقائه.

هبة أميركية أخرى لنظام الملالي على حساب العراق

هبة أمريكية جديدة تقدم لكهنة إيران على حساب العراق بعد رعاية سلطنة عُمان لمفاوضات سرية بين نظام كهنة إيران والولايات المتحدة؛ تتيح هذه الهبة للكهنة التعامل النقدي مع العراق لمدة 120 يوماً إضافية وهو ما سيمدهم بمليارات الدولارات بمباركة أميركية من الخزينة العراقية المنهوبة إلى مستودعات الكهنة في سياق المستور من المفاوضات القائمة بين الطرفين المتفاوضين لإرضاء الكهنة تحت عنوان ضرورة ترويض الميليشيات المنفلتة…! وبالطبع لحماس ذكرٌ في هذه المفاوضات.

ما يتعلق بالهبة لما لا يدفعها العراق لطالما أن كهنته قد غرتهم الحياة الدنيا فخرجوا عن الصراط السوي وتستروا ومارسوا اللصوصية وأمعنوا في الخراب في العراق منذ عام 2003 ولم يشبعوا ولم يفيقوا من غيهم إلى اليوم، وبعد 20 عاماً أتلف فيها لصوص العراق قرابة تريليون دولار أو أكثر على مخططات ومشاريع البنية التحتية نهب اللصوص والسماسرة ثلثيها ولم ينتج عن الثلث الباقي أي تقدم في حال البنية التحتية فحسب بل كان سبيلاً لإبقاء العراق رهينةً سياسيةً بيد سلطة كبير كهنة الملالي، وبات الغاز والكهرباء والمشتقات النفطية والمواد الغذائية والمواد الإنشائية الرديئة وكذلك السلاح يُستورد منهم بأسعار خيالية، وكل ذلك بمباركة كبيرهم السامري.

أما ما يتعلق بحماس، فمن يتمعن قليلاً في تصريح محمد جواد ظريف وزير الخارجية السابق في جمهورية الملالي حيث قال: تفاوضنا مع أميركا حول العراق وأفغانستان ويجب أن نتفاوض الآن بشأن غزة، ويضيف: طهران لا تستطيع حل خلافاتها مع واشنطن ولكن يجيب إدارة الخلافات وإخراجها من دائرة التوتر، وأن نظامه والولايات المتحدة قد تفاوضا بشأن العراق وأفغانستان بشكل مباشر وينبغي الآن مشاركة إيران في المفاوضات حول غزة أيضاً، وهذا هو الواقع بين كهنة ولاية الفقيه الذي يعاملهم الغرب كرقم وأداة لإدارة الصراع ويضمن الكهنة أسباب بقائهم! أمرٌ طبيعي لطالما يدفع العرب ثمنه وضريبته.

وبعد هذه المفاوضات والهبات، وهذا التمهيد، يزور هنية إيران بهيئة الزعيم الفلسطيني وفق مشروع الكهنة ويلتقي المُلا رئيسي ووزير خارجيته والمُلا خامنئي كبير الكهنة وكهنة وجنود أخرين في النظام، وقد دفع العراق ثمن تكاليف المفاوضات ومخططات الملالي التي ستطيل من عمر نظام الملالي وستعود على الأمريكان ببعض المكاسب السياسية، وبالطبع لن تفيد العرب في شيء.

ولكي تستمر المنحة الأمريكية المُقدمة للملالي من كيس العراق، يجب أن يستمر حرق عصابات الملالي لمحاصيل ومزارع العراقيين، وتخريب مشاريعهم التنموية، خاصة مشاريع الطاقة والمشاريع الزراعية والصناعية، وعلى الجانب الآخر يستمر تقييد الأميركان للنظام المصرفي الذي أسسوه بشكل عبثي في العراق بحيث لا يمكنه سوى خدمة اللصوص والنظام الإيراني سواء كان ذلك بالدولار الأميركي أو بالدينار العراقي، حتى بات الدينار العراقي يهدد الاقتصاد العراقي لكثرة كميات الدينار المزورة المتدفقة من إيران بالحاويات ويتم إدخالها البنوك العراقية كعملة نقدية سليمة.

ختاماً، يمكنني أن أؤكد بأن الأزمة مع سلطة الكهنة في إيران والعراق والمستعمرات العربية الأخرى هي صناعة غربية ومباركة وتكلفة عربية بامتياز، فقد بتنا نعشق صنع الأزمات ونهواها.

د. محمد الموسوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى