تونس

قيس سعيد يغلق قوس الدولة العميقة سياسيا

لن تجد المعارضة أكثر من البيانات وإطلاق أنصارها على مواقع التواصل للهجوم على قيس سعيد وعلى الانتخابات، وهو “نضال” مريح ولا يكلّف شيئا، لكن بالنهاية سيتوقف بعد أن تبوح الانتخابات بأسرارها، وكل المؤشرات تقول إن قيس سعيد سيكون الرئيس القادم.

اختارت هيئة الانتخابات في تونس ثلاثة مرشحين فقط لخوض الانتخابات الرئاسية بينهم قيس سعيد، الرئيس الذي تنتهي ولايته خلال أسابيع قليلة، والمرشحان الآخران كانا نائبين في آخر برلمان لما قبل 25 يوليو الذي كان يرأسه راشد الغنوشي، وهما زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب القومية الداعمة لقيس سعيد ولمسار 25 يوليو 2021، والثالث هو عياشي زمال، لا يعرف كيف تسرب ترشحه وكيف جمع التزكيات بعيدا عن الأضواء، وقد كان من الصف الثاني لمجموعة، أو حزب “تحيا تونس”، الذي شكله وترأسه يوسف الشاهد، رئيس الحكومة في عهد تحالف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحركة النهضة.

الملاحظة الأولى أن الهيئة ألغت كل المرشحين المحسوبين أو القريبين من قريب أو بعيد للمنظومة 2011 التي حكمت فيها النهضة وتحالفت خلالها مع يسار الوسط (التكتل الذي اختفى كليا وفضل الجلوس على الربوة، لا هو مع قيس سعيد ولا مع خصومه)، وحزب المؤتمر (ومن تفريعاته على اليسار؛ التيار الديمقراطي ومرشحيه ذاكر لهيذب وغازي الشواشي الذي يقبع في السجن، وعلى اليمين عماد الدائمي تلميذ الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي).

كما أطاحت الهيئة بمنظومة مرشحي نداء تونس والدستوريين بمختلف رموزهم، مثل عبير موسي، وكذلك مرشح الدولة العميقة لما قبل 2011 المنذر الزنايدي.

قطعت هيئة الانتخابات الطريق أمام استمرار المنظومة السابقة بما تحيل إليه من صراعات سياسية ومزايدات وعرقلات وأزمات أمنية وسياسية واقتصادية وشعارات وفوضى، ولم تترك سوى مرشحين اثنين لا شك أنه من الصعب لأحدهما أن يقف حجر عثرة في طريق انتخاب قيس سعيد من الدور الأول إذا ما كانت المشاركة الشعبية في الانتخابات في المستوى المأمول.

التشكيك في قرارات الهيئة لا يمنع من أنها حسمت الأمر، وأنهت كلية مرحلة ما قبل 25 يوليو سياسيا في علاقتها بالانتخابات واكتساب الشرعية.

ممكن أن يجادل البعض بأن السلطة اختارت مرشحيها أو على الأقل الذين تثق بهم، ولا يهمها ماذا يمكن أن يقال من انتقادات واتهامات أو شكاوى وحملات في الداخل والخارج، وهي تستعيد نفس الموقف والتعاطي مع تعليق عمل البرلمان في 2021 وتجميد عمل النواب، ثم لاحقا حل البرلمان، وما تلا ذلك من جدل في الداخل وتحركات ومساع لاستدعاء الضغوط الخارجية.

والنتيجة أن البرلمان لم يعد وتمّ انتخاب برلمان جديد وإقرار دستور جديد على أنقاض دستور 2014، وتم توقيف أغلب رموز المعارضة، ومضت الأمور كما أرادها قيس سعيد، ولا شك أن الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر القادم ستتم كما رسمتها الهيئة.

ماذا تقدر المعارضة أن تفعل، المعارضة بأطيافها المختلفة من منظومة 2011 وما قبلها، والتي يصنفها قيس سعيد كدولة عميقة تتخذ من الإدارة واجهة في إرباك الدولة. عمليا ليس لها سوى الرهان على الضغوط الدولية والتي لن تتجاوز تصريحات فضفاضة أو بيانات متفرقة من هنا وهناك تأتي بالأساس لرفع الملام عن الدوائر الخارجية.

هذه الضغوط تصب في صالح قيس سعيد، الذي بنى سردية 25 يوليو 2021 على رفض التدخلات والإملاءات الخارجية، والتمسك باستقلالية القرار الوطني، وهي السردية التي رفعت من منسوب شعبيته إلى جانب عناصر أخرى من بينها الحرب على الفساد ووقف مسار تفكيك المؤسسات بمعارك السياسيين والنقابيين واستعادة هيبة الدولة.

هل ستقدر المعارضة على تحريك الشارع. بالطبع، هذا ليس واردا، وقد سبق أن استنفدت كل إمكانياتها في حراك احتجاجي بعد غلق البرلمان في 25 يوليو 2021 وحل “المؤسسات الشرعية”. وبدأ ذاك الحراك في التقلص حتى تلاشى تماما، حتى أن جبهة الخلاص، التي تمثل حركة النهضة محورها الأساسي، اضطرت لإنهاء وقفتها الاحتجاجية الأسبوعية بسبب غياب المشاركة.

لن تجد المعارضة أكثر من البيانات وإطلاق أنصارها على مواقع التواصل للهجوم على قيس سعيد وعلى الانتخابات، وهو “نضال” مريح ولا يكلّف شيئا، لكن بالنهاية سيتوقف بعد أن تبوح الانتخابات بأسرارها، وكل المؤشرات تقول إن قيس سعيد سيكون الرئيس القادم.

لماذا هذا الجزم بالنتيجة بالرغم من وجود منافسين اثنين قد يجدان دعما من هذه الجهة أو تلك لإضعاف قيس سعيد، أو على الأقل إظهار أن شعبيته في تراجع.

من المهم الإشارة إلى أن المغزاوي وزمال لا يقدمان نفسيهما كمعارضين، وهما يعتبران أنهما جزء من مسار 25 يوليو، وإذا ثمة خلاف فيتعلق بالتفاصيل أو بالرغبة الشخصية للمرشح في تجريب حظه واكتساب جمهور له ولحزبه.

تتجه الأنظار في البداية للمغزاوي كونه ينتمي إلى حزب أيديولوجي، هو حركة الشعب القومية الناصرية، ولديه منتسبون في مناطق مختلفة من البلاد، وعنده حضور لافت صلب اتحاد الشغل وفي مواقع متقدمة منه.

والسؤال من يمكن أن يدعم المغزاوي لتقوية حظوظه في منافسة قيس سعيد، هل اتحاد الشغل، أم النهضة، أم سيكتفي بأنصاره؟

من الصعب الاستنتاج بأن المغزاوي يمكن أن يكون مرشح اتحاد الشغل في وجه قيس سعيد، وأن الاتحاد قد يجدها فرصة للرد على تهميشه من السلطة، فيصعّد شخصية ويدعمها من باب إظهار قوته وقدرتها على الإرباك ليس أكثر.

والسبب أن المغزاوي يمثل داخل اتحاد الشغل التيار الذي يريد التهدئة مع قيس سعيد ودعمه لسبب وحيد أنه أطاح بحركة النهضة من الحكم. وبسبب هذا الدعم خسر تيار المغزاوي في اتحاد الشغل مواقعه في بعض النقابات وخاصة في نقابة التعليم الثانوي التي قادها تحالفها مع وزير التربية السابق محمد علي البوغديري إلى خسارتها الانتخابات لصالح التيار الذي يرفض التحالف مع السلطة لاعتبارات تكتيكية حتى لو كانت قد حققت له أهدافا مهمة مثل تحييد خصومه من الإسلاميين.

ومن الطبيعي أن النهضة لن توجه جمهورها لانتخاب المغزاوي، علنا أو سرا، بسبب خلافات التاريخ، ومعارك عبدالناصر مع الإخوان.

وبالتوازي مع هذا كله، فإن المغزاوي لا يرى نفسه خصما لقيس سعيد، فهولا يخفي دعمه له، لكن لديه ملاحظات جزئية تتعلق بالانفراد بالسلطة لدى قيس سعيد.

كانت حركة الشعب تعتقد أن سعيد وبعد إجراءات يوليو 2021 لن يجد حليفا أهم منها لمشاركته في الحكم أولا لأنها خصم تاريخي للنهضة، وثانيا لأنها حركة منظمة ولديها وجود نقابي يمكن أن يساعد في تهدئة الجبهة الاجتماعية و”تجميد” تحركات اتحاد الشغل، وثالثها أنها الأكثر حماسا لمسار 25 يوليو. لكن قيس سعيد يبدو أنه ينظر إلى الحركة كجزء من المنظومة القديمة، فضلا عن رفضه الاعتماد سوى على نفسه، وهو ما قد يكون حز في أنفس قادة حركة الشعب.

إقرأ أيضا : معركة في العلن بين قيس سعيد والدولة العميقة

لو كانت حركة الشعب تريد منافسة قيس سعيد ربما كانت رشحت سالم الأبيض، الذي ينتقد قيس سعيد بسقف أكبر في مقالاته، فضلا عن علاقات ودّ مع الإسلاميين ومحيطهم من خلال مشاركته في حكومة الترويكا الثانية وزيرا للتربية.

بقي الزمال، وهل يمثل منافسا جديا قد يربك قيس سعيد. الأمر صعب، رغم ما يحيط بترشيحه من غموض.

الرجل، وإن كان نائبا في برلمان الغنوشي الذي أغلقه قيس سعيد، ومحسوبا على الشاهد، إلا أنه عرف بموقفه الداعي لسحب البساط من تحت رجلي الغنوشي من رئاسة البرلمان. بمعنى أنه كان يلتقي موضوعيا مع مسار 25 يوليو الذي أفضى إلى حل البرلمان، ومن الصعب أن يكون مرشحا للدولة العميقة لكونه شخصية غير معروفة سياسيا وغير ذات وزن شعبي كتلك التي يحصل عليها عادة قادة الأحزاب، ومن غير المستبعد أن يتم الرهان عليه من بعض دوائر النفوذ في الدولة العميقة بوجهيها قبل وبعد 2011 لإرباك قيس سعيد. لكن حظوظه تبقى ضبابية حتى لو دعمته النهضة وسانده أنصار عبير موسي والمنذر الزنايدي كرد على عرقلة ترشحهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى