إيران

قلق إيراني من التوسع التركي والتوغل الإسرائيلي 

لا شك أن التوتر المتصاعد في منطقة جنوب القوقاز بين الدول وعند الحدود الإيرانية مع أذربيجان قد يؤدي إلى ترتيبات عسكرية جديدة في المنطقة

تشهد منطقة القوقاز في الأيام الأخيرة تصعيدا عسكريا جديدا، لكن بلاعبين مختلفين هذه المرة وبعنوان واحد هو السيطرة على بقعة جغرافية تعد استراتيجية لكل الأطراف المشاركة بالصراع الحالي الدائر الذي ظهر مع نتائج حرب قره باغ الأخيرة المتمثلة بالتوسع التركي الأذربيجاني.
شكلت حرب قره باغ ونتائجها الأخيرة قلقا كبيرا لدى إيران التي اعتبرت أنها قد تؤدي إلى حصول متغيرات جيوسياسية في المنطقة، حيث تسعى تركيا وحليفتها أذربيجان إلى توسيع وتعزيز سيطرتهما في القوقاز ما يشكل تهديدا مباشرا لأمن طهران القومي المتمثل بإقليم “نخجوان”.

شهدت منطقة القوقاز حروبا تاريخية عديدة، حيث كانت السيطرة التاريخية فيها تعود إلى الإمبراطورية الفارسية، لكن مسار الحروب الخاسرة جرد الإيرانيين والفرس هذه البقعة لصالح الأمبراطورية الروسية سنة 1911 والتي استمرت حتى عهد الاتحاد السوفياتي.

نالت أذربيجان استقلالها عام 1991 وأصبحت مع السنوات دولة نفطية باحتياطات كبيرة وتحتل موقعاً جيوسياسياً مهماً علی بحر قزوين وبالقرب من الحدود الإيرانية، كما أدى تراجع الدور الروسي في المنطقة خلال التسعينات إلى ظهور لاعبين مؤثرين جدد ساهموا بتعزيز التعاون مع باكو وأبرزهم تركيا الحليف المجاور وأوروبا وإسرائيل.

ساهم الانتصار التركي الأذربيجاني في حرب قاره باغ إلى توسيع الأحلام التركية في المنطقة حيث بدأت كل من باكو وأنقرة التخطيط للتوسع، فتركيا ستحاول جاهدة تغيير جغرافية المنطقة ربطا بحلم أردوغان التاريخي بإنشاء إمبراطورية تجمع القومية التركية.

كما تسعى أنقرة إلى إيجاد منفذ بري جديد لها يكون صلة الوصل بينها وبين أذربيجان عبر إقليم نخجوان (منطقة ذاتية الحكم بأكثرية أذربيجانية موالية لتركيا) الذي سيؤدي إلى  فتح ممر استراتيجي لأنقرة عبر تلك المنطقة على بحر قزوين، وبذلك تكون تركيا قد أمنت لنفسها حضورا على حوض بحر إضافي ويعطيها أفضلية تجارية واقتصادية واستراتيجية مرتبطة بمبادرة طريق الحرير الصينية.

منذ بداية حرب قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة القوقاز حرصت إيران الوقوف على الحياد الإيجابي من كل الأطراف، بالرغم من المعارك والمفاوضات السياسية القريبة منها جغرافيا. لكن التحرك والنشاط الإسرائيلي في أذربيجان بحسب التقارير الإيرانية ساهم بتوليد القلق لديها خصوصا على حدودها الشمالية.
أما استراتيجيا، تعتبر طهران أن كل ما يحدث قد يشكل خطر حقيقيا على أمنها القومي من المد والتوسع التركي في المنطقة وتعزيز الحضور الإسرائيلي العسكري عبر الأراضي الأذربيجانية وصولا إلى تغيير جيوسياسي على حدودها الشمالية، ما يهدد بقطع أيّ تواصل بينها وبين أرمينيا، وبالتالي بينها وبين أوروبا وتصبح بذلك رهينة ومحكومة بتجارتها من أنقرة.

شهدت الأراضي الحدودية التي سيطرت عليها باكو من يريفان مؤخرا نزاعا بين إيران وأذربيجان من خلال اعتبار الأخيرة أن الشاحنات الإيرانية تمر بطريقة غير شرعية في المنطقة وأنها أراض تحت نفوذ أذربيجان. ما استدعى ردا إيرانيا التي أعلنت أن باكو تقدمت بطريقة غير شرعية، مخالفةً في ذلك اتفاق قره باغ الثلاثي لوقف إطلاق النار.
تطور الأمور الميدانية والسياسية في المنطقة دفع طهران إلى اتخاذ خطوة القيام بمناورة عسكرية “فاتحي خيبر” مفاجئة في تلك المنطقة كرسالة واضحة للجميع مفادها أنها “لن تسمح بأن تصبح المنطقة الشمالية وحدودها مسرحاً للأنشطة الإسرائيلية، وللجماعات الإرهابية على نحو يُهدّد مصالحها القومية والتجارية والاقتصادية”.

لا شك أن التوتر المتصاعد في منطقة جنوب القوقاز بين الدول وعند الحدود الإيرانية مع أذربيجان قد يؤدي إلى ترتيبات عسكرية جديدة في المنطقة من قبل كل الأطراف المتصارعة، لكن ذلك لا يعني ضرورة انزلاق المنطقة في أتون حرب جديدة في ظل إمكانية توجيه الرسائل بطرق أخرى منها الدبلوماسية وبعضها الآخر من خلال مناورات عسكرية.

حسين سمور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى