شهدت منطقة القوقاز حروبا تاريخية عديدة، حيث كانت السيطرة التاريخية فيها تعود إلى الإمبراطورية الفارسية، لكن مسار الحروب الخاسرة جرد الإيرانيين والفرس هذه البقعة لصالح الأمبراطورية الروسية سنة 1911 والتي استمرت حتى عهد الاتحاد السوفياتي.
ساهم الانتصار التركي الأذربيجاني في حرب قاره باغ إلى توسيع الأحلام التركية في المنطقة حيث بدأت كل من باكو وأنقرة التخطيط للتوسع، فتركيا ستحاول جاهدة تغيير جغرافية المنطقة ربطا بحلم أردوغان التاريخي بإنشاء إمبراطورية تجمع القومية التركية.
كما تسعى أنقرة إلى إيجاد منفذ بري جديد لها يكون صلة الوصل بينها وبين أذربيجان عبر إقليم نخجوان (منطقة ذاتية الحكم بأكثرية أذربيجانية موالية لتركيا) الذي سيؤدي إلى فتح ممر استراتيجي لأنقرة عبر تلك المنطقة على بحر قزوين، وبذلك تكون تركيا قد أمنت لنفسها حضورا على حوض بحر إضافي ويعطيها أفضلية تجارية واقتصادية واستراتيجية مرتبطة بمبادرة طريق الحرير الصينية.
منذ بداية حرب قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة القوقاز حرصت إيران الوقوف على الحياد الإيجابي من كل الأطراف، بالرغم من المعارك والمفاوضات السياسية القريبة منها جغرافيا. لكن التحرك والنشاط الإسرائيلي في أذربيجان بحسب التقارير الإيرانية ساهم بتوليد القلق لديها خصوصا على حدودها الشمالية.
أما استراتيجيا، تعتبر طهران أن كل ما يحدث قد يشكل خطر حقيقيا على أمنها القومي من المد والتوسع التركي في المنطقة وتعزيز الحضور الإسرائيلي العسكري عبر الأراضي الأذربيجانية وصولا إلى تغيير جيوسياسي على حدودها الشمالية، ما يهدد بقطع أيّ تواصل بينها وبين أرمينيا، وبالتالي بينها وبين أوروبا وتصبح بذلك رهينة ومحكومة بتجارتها من أنقرة.
شهدت الأراضي الحدودية التي سيطرت عليها باكو من يريفان مؤخرا نزاعا بين إيران وأذربيجان من خلال اعتبار الأخيرة أن الشاحنات الإيرانية تمر بطريقة غير شرعية في المنطقة وأنها أراض تحت نفوذ أذربيجان. ما استدعى ردا إيرانيا التي أعلنت أن باكو تقدمت بطريقة غير شرعية، مخالفةً في ذلك اتفاق قره باغ الثلاثي لوقف إطلاق النار.
تطور الأمور الميدانية والسياسية في المنطقة دفع طهران إلى اتخاذ خطوة القيام بمناورة عسكرية “فاتحي خيبر” مفاجئة في تلك المنطقة كرسالة واضحة للجميع مفادها أنها “لن تسمح بأن تصبح المنطقة الشمالية وحدودها مسرحاً للأنشطة الإسرائيلية، وللجماعات الإرهابية على نحو يُهدّد مصالحها القومية والتجارية والاقتصادية”.