في ذكرى ثورة المرأة… هل يستطيع الرئيس الإيراني انتزاع حريّة الحجاب؟
هذا يعني أن مسألة الحجاب في إيران ليست صراعاً على الهوية الإيرانية بين التغريب والأسلمة، بل الأمر تطور إلى الشعور بأن النظام الحالي لا يعبر عن مطالب الأجيال الجديدة
تحل اليوم في إيران ذكرى وفاة فتاة حرية الحجاب مهسا أميني (ݘينا) التي فجرت ثورة المرأة في 16 أيلول (سبتمبر) 20022، ما يعني أن الحكومة الجديدة، بقيادة الإصلاحي مسعود بزشكيان، أمام اختبار: ماذا قدمت للحريات والمرأة والحقوق الفردية، بخاصة أن جذوة نار تلك الثورة لم تنطفئ بعد، فأحداثها ألهمت الأدباء والكتاب، حتى أن النظام بات يطارد الأعمال الإبداعية التي تناقش تلك الحادثة التي هزت المجتمع، ومنها فيلم “حبة من تين المجوس” (دانه أنجير معابد)، لدرجة أن مخرجه، محمد رسولوف، هرب إلى الخارج، وكتب مخاطباً النظام: “إن كنتم تظنون أن حدود إيران في قبضة أيديكم، فأنتم في حلم سعيد. فإن كانت إيران الجغرافية تعاني وطأة الاستبداد الديني، لكن إيران الثقافية حية في ذهن ملايين الإيرانيين الذين أجبروا على مغادرة بلادهم بسبب وحشيتكم وقسوتكم!”.
هذا يعني أن مسألة الحجاب في إيران ليست صراعاً على الهوية الإيرانية بين التغريب والأسلمة، بل الأمر تطور إلى الشعور بأن النظام الحالي لا يعبر عن مطالب الأجيال الجديدة، وأن دفاعه عن الحجاب هو من أجل حماية قيم حكومته الدينية (ولاية الفقيه)، وليس هوية الدولة الإيرانية بتاريخها الحضاري.
وفاق وطني
على عكس ما اعتادته الحكومات الإصلاحية السابقة من تقارب فقط مع الاتجاه المعتدل من التيار المحافظ، ذهبَ بزشكيان إلى أبعد من ذلك، بإعلانه حكومة “الوفاق الوطني”، وهدفه هو كسب جانب المرشد الأعلى علي خامنئي، حتى أنه عندما يواجه أزمة مع التيار المتشدد يقول إن ذلك قد تم بالتنسيق مع المرشد الأعلى، مثلما واجه نواب البرلمان عند تمرير وزراء حكومته، إلى جانب أن التيار المتشدد نفسه يمكن أن يحرك الشارع ضد حكومته لإفشالها وليست الاستخبارات الأجنبية وحدها.
لكن ذلك الاتجاه لن يُرضي الإصلاحيين الذين يختلفون مع المحافظين على الحريات الفردية. فالتيار المتشدد لا يفهم مسألة الوفاق الوطني إلا انصياعاً لأفكاره، بينما سيظل الإصلاحيون يذكّرون الرئيس الجديد بالوعود التي قطعها أمام الناخبين، بخاصة الشباب الذين ينتظرون الكثير من التغيير، أو على الأقل حل الأزمات الاجتماعية القائمة وعلى رأسها حرية الحجاب وحرية الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن يبدو أن الأمر ليس سهلاً، فعندما قامت الحكومة بتعيين حسين كرمانبور رئيساً لمركز العلاقات العامة في وزارة الصحة، خرج النائب في البرلمان ورجل الدين قاسم روان بخش، يطالب بزشكيان بضبط مفهوم الوفاق الوطني، لأنه أدى إلى مشاركة واحد من “تيار الفتنة” في حكومته، وذلك في إشارة إلى موقف كرمانبور المؤكد صحة انتهاكات الشرطة ضد الشباب الثائر بعد مقتل مهسا أميني.
قضية اجتماعية أم سياسية؟
تحولت قضية حرية الحجاب إلى مسألة سياسية أكثر منها اجتماعية، فالمحافظون يقلقون من ترسيخ الإصلاحيين مكانتهم إذا ما نجحوا في تحقيق وعودهم للشباب، ما يمكن أن يقضي على فرص فوزهم مستقبلاً، ولذلك تتركز مهمتهم على إفشال الحكومة الإصلاحية.
ولذلك أيضاً حتى الآن يقوم التيار المتشدد بصنع أيقونة من الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، بوصفه الوحيد الذي أخلص لنظام ولاية الفقيه، ولا بد لأي حكومة مقبلة من أن تحذو حذوه. فقد قال صهره، رجل الدين المتشدد أحمد علم الهدى الذي يسيطر على الحياة الدينية في مدينة مشهد، إن حكومة رئيسي هي النموذج لظهور الإمام المهدي!
بالطبع هو يشير إلى سياسة البطش التي كانت تمارسها تلك الحكومة تجاه المعارضين في الجامعات والصحافة والسينما، حيث القهر والقسوة تجاه المخالفين هي مرضاة لله في ذهن المؤمنين المهووسين بالسلطة، لكن في الحقيقة لم يكن رئيسي يُرضي الله، بل يُرضي الكهنة طمعاً في منصب المرشد الأعلى بعد رحيل خامنئي العجوز! حتى أن الناقد السينمائي مسعود فراستي، شبه ولايته بفترة حكم الدكتاتور ستالين في الاتحاد السوفياتي!
إذاً، ليس سهلاً على بزشكيان أن يحقق وعوده حول الحريات الفردية، فقد تعهد وقف تطبيق خطة “نور” التي ظهرت خلال حكومة رئيسي وأعادت الاعتبار إلى شرطة الأخلاق لمطاردة الفتيات غير المحجبات وغلق المنشآت والمتاجر والنوادي والمطاعم المخالفة. لكن يسعى المتشددون الآن إلى حصره في دائرة اختبار، وليس هو مَن يختبر الوفاق معهم؛ فقد صعد علم الهدى على المنبر، وطالب الحكومة الجديدة بتنفيذ قانون “العفاف والحجاب” وعدم التقصير في تطبيقه. وبذلك تحولت قضية حرية الحجاب إلى محدد مَن يقود السلطة في إيران!
على رأس المطلب
بعد ثورة فتاة الحجاب، فطن النظام إلى أن المجتمع لم يعد ينقسم إلى محافظين وإصلاحيين، فهذا الأمر يتعلق بلعبة الكراسي الموسيقية بالنسبة إلى تبادل السلطة، لكن بدأ مسؤولوه يشيرون صراحةً إلى مصطلح جيل الآباء وجيل الأبناء، بخاصة “الجيل زد” الذي وُلد بعد جيل الألفية، والذي تربى ووسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت تشاركه يومياته، ويعقبه جيل أخطر، هو “الجيل ألفا”، أي جيل القرن الحادي والعشرين.
وفي ضوء ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن المرأة كانت سابقاً لا تضع مسألة الحجاب على رأس مطالبها، بل كانت تشير إلى قضايا من قبيل إتاحة فرص العمل والقضاء على التمييز القانوني والاجتماعي. لكن الآن أصبحت مسألة الحجاب على رأس تحدياتها، لأنها باتت مؤشراً إلى جدية استجابة النظام الديني لمطالبها.
وفي مواجهة ذلك التحوّل، يركز النظام الديني على عدم تبدل مسألة الحجاب إلى قضية حرية شخصية وسلوكاً فردياً يجب الدفاع عنه، بخاصة أن هناك أصواتاً من المحجبات داعمة لحرية الاختيار. وتقوم الدعاية المضادة على أن تلك المسألة ترتبط بالتأثر بالثقافة الغربية والاستجابة لأعداء الدولة، وإظهاره أن الالتزام بالحجاب هو نوع من الولاء للثورة والهوية الإيرانية.
والمحصلة أن النظام الإيراني عندما يعتقل نشطاء الحجاب، فإن ما يشغله هو تحديد انتمائهم إلى أي طبقة اجتماعية، حتى يحدد سلوكه وتعامله مع مطالبهم. وكذلك أيضاً إن سمح للرئيس بزشكيان بتحقيق وعوده، في إطار سد باب الاضطرابات الاجتماعية، فإما بتجميد تفعيل قانون العفاف والتغاضي عنه باتفاق ضمني ومصلحة متبادلة مع المتشددين، وإما بالقدرة على إقناع البرلمان بتهذيب هذا القانون لخطورته على الأمن القومي.
لكن الأكيد أن المحافظين لن يتركوا الحكومة الإصلاحية تتفرغ للقضايا الاجتماعية بل سيقومون بإشغالها بمعالجة المشكلات الاقتصادية، بخاصة أن حكومة بزشكيان تميل إلى الابتعاد عن اليسارية في إدارة الاقتصاد، وتسعى لمنح الفرص للقطاع الخاص، وتخطط لخفض مستوى الدعم الذي يأكل الدخل القومي، وهو ما يسهّل مهمة المتشددين لتحريك الشارع ضد تلك الحكومة باسم العدالة الاجتماعية والتصدي لغلاء المعيشة والفشل الاقتصادي.