أشهر تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأيام تفصلنا عن المناظرة الرئاسية بين جو بايدن ودونالد ترامب.. تبدو خلالها وسائل الإعلام بانتظار تغطية حلبة الصراع على أحرّ من الجمر، وتقول إن هذه فرصة مهمة لكليهما من أجل استمالة الناخبين المترددين.. فأيّ مسرح هزلي تراجيدي سنشهد؟
الكاميرات على أهبة الاستعداد.. لكن، هل المواطن ينتظر بنفس الحماس؟ وهل من جديد يقدمه المتنافسان على أي حال؟
ما زلنا في الإعلام نناقش مميزات وعيوب ومحاكمات كل من بايدن وترامب.. البيت الأبيض يخرج ببيانات يدافع فيها عن أهلية بايدن الصحية والعقلية والنفسية لترشحه للانتخابات تارة، والمراقبون يشككون في تلك الأهلية تارة أخرى. نجد مقاطع فيديو “كوميدية” منسوبة إلى الأخير خلال زيارته الأخيرة لباريس ومشاركته في اجتماع G7 يتم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع وتنتشر التعليقات الساخرة بين الأفراد تعليقا على تصرفاته المضطربة والمثيرة للقلق والفضول.
في الوقت الذي يجب أن يكون جوهر المناقشة والأسئلة الأساسية هو: لماذا في عام 2024 المرشحان الوحيدان لرئاسة الولايات المتحدة، وهي واحدة من أقوى الدول ومسؤولة عن جحيم الكثير من الدول في العالم، هما شخصان غير مؤهليْن صحيا ونفسيا وفكريا لإدارة شركة وليس دولة؟
لماذا يتم تعزيز وتطبيع فكرة أن تُدار الدول من قبل أشخاص غير أسوياء صحيا ونفسيا؟
الاثنان يواجهان اتهامات أمام المحاكم، فلماذا لا يتم سحب أهلية الترشح منهما؟
ألم تعد هناك أي خيارات أخرى من الأجيال الجديدة، والدماء الشابة الشغوفة الطموحة للترشح؟
ألم تعد هناك نساء مؤهلات يتنافسْنَ على منصب رئاسة الولايات المتحدة؟
الحزبان الرئيسيان لم تعد لديهما أي وجوه أخرى للمراهنة عليها.
لماذا يبدو هذا السيناريو الهزلي الذي يُدار أمامنا جميعا طبيعيا؟
ولماذا لا تشارك وسائل الإعلام في تشكيل آراء جديدة والتأثير على الناخبين بهيكلة وقولبة أفكارهم وبصيرتهم في هذا العالم؟
بايدن ليس ممثلا، وترامب ليس مهرجا.. وهذه ليست حلبة صراع مسلية.
إنهما مرشحان لقيادة واحدة من أكبر الدول والأكثر تأثيرا على واقع ومستقبل دول كثيرة في مناطق واسعة وشاسعة من العالم.. لذا، الأمر جدي. رغم ذلك، المواطن الأميركي غير واع ولم يستيقظ بعد، ولا توجد ثورة حقيقية في هذا العالم.
ماذا لو، على سبيل المثال، تمت مقاطعة الانتخابات ورفض المرشحان وتمت المطالبة بخيارات تحترم وعي الإنسان وإدراكه.. أليس هذا أفضل؟
ماذا لو تمت إعادة صياغة شروط المؤهلين للترشح للانتخابات بشكل يحترم الإنسان ونحن في عام 2024؟
إلا إذا كان يُقصد من سير الأمور بهذه الطريقة هو تعطيل الحياة وتسميم وعي وإدراك وبصيرة الأجيال. أو أن القصد مما يحدث أن يصبح النظام معطوبا ومعقدا أكثر.
عند قبول العامة بهؤلاء الرؤساء غير المؤهلين – من وجهة نظري – لقيادة شركة وليس دولة، فهذا يعني أن الجمهور في سبات عميق ويسهل تحريكه والسيطرة عليه.
إذا كان تفكير وبصيرة العامة محدوديْن إلى هذا الحد. اعتادوا ما اعتادوه، ولا يفكرون بالتغيير.. فعلى من يكون العتب؟
العامة لا تعلم مدى قوتها، خاصة المدرك والذكي والواعي منها.
ألم يأخذ ترامب فرصته سابقا ولمدة كافية؟ وبايدن كذلك؟
ألم يطرح كل منهما سابقا برنامجه الانتخابي، وسمعنا ما يكفي من حجج في محاولة كل منهما الإطاحة بالآخر بطريقة تهكمية؟
الأمر أصبح أشبه بمسرحية والعالم بدلا من الوقوف أمام المشهد الهزلي، نراه يضحك ويصفق ويناقش ذلك الهزل بكل جدية.
لقد شهدنا سلفا ما يمكن أن يقدمه كل منهما داخليا وخارجيا، فماذا أنجز الديمقراطيون في الولايات المتحدة، وماذا جلبوا للعالم على أي حال؟
ألا يمكن القول إن فترة رئاسة بايدن تعتبر واحدة من أسوأ فترات الحكم في الولايات المتحدة وجلبت دمارا للعالم؟
أعني، بايدن تسبب بسقوط أفغانستان وجلب على العالم حربين كبيرتين؛ حرب أوكرانيا وإبادة غزة، وتصعيد في الشرق الأوسط يُنذر بحرق المنطقة.
ترامب لم يكن أفضل حالا، ولم يستطيع إيجاد أية حلول حقيقية في الشرق الأوسط..
ترامب رجل المال، الذي كان جل اهتمامه جباية الأموال، وعدوه الحقيقي الصين ومخاوفه من تفوقها الاقتصادي.
ترامب الذي يمثل الفكر “الجمهوري” الرافض للآخر وللتنوع.. الذي وضع المهاجرين في أقفاص، في دولة قامت على إبادة السكان الأصليين وتشكلت على نهج المهاجرين والتنوع الإثني والعرقي والثقافي.
إذا، هل من الممكن إعطاء فرصة للأجيال الجديدة، ولفكر جديد يحاول ملاحقة الحياة والعمل على ازدهار الأماكن بدلا من جلب الدمار والحروب؟
وهل من الممكن إعطاء الفرصة للأجيال الشابة بالترشح والسماح لها بالتعبير عن نفسها بأفكارها الخاصة الجديدة، وبدء طرح وجهات نظرها ورؤيتها الخاصة وفلسفتها وبصيرتها في الحياة السياسية وقيادة الدولة؟
لماذا لا نستمع لصوت أفراد مستقلين قادرين على الحوار بحكمة، بالمحاججة والمناقشة في محاولة لإيجاد واقع أفضل للمواطن الأميركي داخليا، وحلّ مشاكله الاقتصادية ومشاكل التعليم والصحة ومكافحة الجرائم وحمل السلاح واللقاحات والهجرة، وغيرها من المواضيع والملفات الخارجية التي تصر الولايات المتحدة على التعاطي معها وكأنها إله يحكم العالم، وعليها أن تتدخل بكل دولة أخرى، آسيوية وأفريقية ولاتينية وقطب شمالية.. المهم أن تتدخل بحجة محاربة الإرهاب الذي تدور النقاشات والتكهنات حول حقيقة مصدره ودعمه.
أو ربما الرئيس الأميركي مجرد واجهة، وهناك منظومة كاملة تعمل لإدارة الواقع معقدة أكثر مما يبدو لنا.. دولة عميقة تحدث عنها كيندي، ويُقال إنه دفع حياته ثمنا بسبب ذلك.. ويتحدث عنها ترامب بشكل مستمر.
دولة عميقة تعلم جيدا ما تفعله من تشتيت الجمهور وتغييبه، وواعية جدا بما يتم تصديره، وأي حوارات يجب أن تُدار، وأي شخصيات يجب أن تتقدم وتظهر للعيان.
ما يحدث هو تعزيز وهم الديمقراطية، وتمثيلية تعرض كل أربع سنوات يتم خلالها تخيير المواطن بين ذات الحزبين.. إما الحمار أو الفيل.. لا خيارَ ثالثا لهما.
اقتراحات يُعاد تدويرها لا تقدم جديدا في نهجها وطرحها ورؤيتها. وغالبا تفشل في إيجاد الحلول وتنجح دائما في افتعال المزيد من الحروب والصراعات والأزمات.
خيارات يبدو أنها تصبح أكثر سوءا وكوميدية بشكل مزر بمرور الوقت والسنوات.