مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة والباحثة أريان لوثي، تحدثت فيه عن الأفغانيين الذين وعدت أميركا بحمايتهم، لكنّهم بعد 3 سنوات من انسحاب قواتها، لا يزالون في أفغانستان حيث حركة طالبان فرضت سيطرتها، الأمر الذي يعرّض حياتهم وحياة عائلاتهم للخطر.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
رأى أحمد حيدري زوجته وأطفاله الأربعة آخر مرة في يوم صيفي دافئ في أوائل آب/أغسطس 2021، في كابول. تبعته ابنته البالغة من العمر سنة واحدة في جميع أنحاء المنزل، واحتضنته كلما استطاعت ذلك.
وعندما حان وقت العودة إلى مهمته كطيار في القوات الجوية الأفغانية، حمل حيدري الطفلة الصغيرة وقبّلها للمرة الأخيرة. ثم عاد إلى “الحرب الأبدية” التي انسحبت منها الولايات المتحدة.
ويعَدّ حيدري أحد الحلفاء الذين تعهّدت الولايات المتحدة بحمايتهم بعد انسحابها من أفغانستان قبل ثلاث سنوات. لكن بالنسبة لعشرات الآلاف من الأفغانيين مثله، الذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، لم تتحقّق هذه الحماية أبداً.
يشير التحليل المنهجي للبيانات الحكومية المتاحة إلى أنّه بحلول نيسان/أبريل 2023، كان ما لا يقل عن ثلاثة من أصل خمسة التماسات قدّمها الأفغانيون الذين طلبوا الحماية لدورهم في الحرب لا تزال معلّقة. وقد تسارعت وتيرة معالجة القضايا منذ ذلك الحين، لكن العديد من الحلفاء ما زالوا في أفغانستان، ويعيش بعضهم في خطر شديد.
انضم حيدري إلى الجيش الأفغاني في عام 2008، عندما كان عمره 21 عاماً. وفي عام 2014، انضم إلى وحدة النخبة “777” في الجيش الأفغاني، التي أنفقت الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات على إنشائها. وقال الحيدري: “ثم في عام 2019، قال معلمونا إنّ الأمر انتهى هنا”. وكثّفت إدارة ترامب المفاوضات مع طالبان وقرّرت تقليص المشاركة الأميركية. وسرعان ما تفاقم الوضع الأمني في جميع أنحاء أفغانستان.
يوم 15 آب/أغسطس 2021، فرّ الرئيس الأفغاني أشرف غني من البلاد واستولت حركة طالبان على القصر الرئاسي. وعند الساعة 6 مساءً من اليوم نفسه، أُمر حيدري بنقل المسؤولين الحكوميين جواً إلى أوزبكستان. توقّع حيدري أنّ يوصلهم ويعود إلى أفغانستان وينقذ عائلته. ولكن عندما وصل عبر الحدود، صادر الجنود الأوزبكيون هاتفه المحمول وهويته، ونقلوه إلى قاعدة عسكرية كانت بمثابة سجن بالنسبة له.
طوال فترة الحرب التي استمرت 20 عاماً، كان أفضل أمل للأفغانيين الذين واجهوا تهديدات لدعمهم القوات الأميركية هو الفوز بتأشيرة هجرة خاصة إلى الولايات المتحدة. ومنذ البداية، اعتمد تأمين هذه التأشيرات على النزوات السياسية الأميركية، حيث كانت أعداد التأشيرات تتقلّب في ظل الإدارات المختلفة وسفراء الولايات المتحدة في كابول.
ومع اقتراب طالبان من كابول، عاد آلاف الجنود الأميركيين إلى أفغانستان لتنظيم جسر جوي كبير من مطار حامد كرزاي الدولي. ووعد بايدن في 20 آب/أغسطس قائلاً: “سنبذل كل ما في وسعنا لتوفير إجلاء آمن لحلفائنا وشركائنا الأفغانيين والأفغانيين الذين قد يتم استهدافهم بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة”.
في هذه الأثناء، حيدري، كان لا يزال محتجزاً في القاعدة العسكرية الشبيهة بالسجن في أوزبكستان، يحاول يائساً الوصول إلى جهات اتصاله الأميركية. ومن دون هاتفه، اعتمد على قائد أفغاني محتجز معه، والذي تمكّن في النهاية من الاتصال بالجيش الأميركي.
ونقل الضباط الأميركيون حيدري إلى قاعدة أخرى في أوزبكستان، ثم إلى أبو ظبي. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وصل إلى ولاية بنسلفانيا. كانت هذه هي المرة الأولى له في الولايات المتحدة، ولم يكن لديه مكان محدد للذهاب إليه. أحضرته وكالة إعادة التوطين إلى برمنغهام، ألاباما، حيث كان عليه تقديم طلب اللجوء للحصول على وضع الإقامة الدائمة. وفي هذه المرحلة، كان حيدري لا يزال يأمل في لمّ شمله مع عائلته بسرعة، ولكن من دون جدوى.
واليوم، أصبحت التوقعات بالنسبة للحلفاء الأفغانيين الذين تركوا وراءهم قاتمة. لا يزال لدى الجنود الأميركيين والمحاربين القدامى قوائم بأسماء الأشخاص الذين يحاولون إجلاءهم. ولكن مع إغلاق السفارة الأميركية في كابول، فإن الوصول إلى ممثل أميركي لإجراء المقابلات المطلوبة يمثل عقبة رئيسية.
ترسل وزارة الخارجية في ورقة معلومات للأفغانيين الرسالة الآتية: “يرجى أخذ العلم: الولايات المتحدة غير قادرة على توفير الحماية لك أو دعمك بينما تنتظر قراراً بشأن قضية اللاجئين الخاصة بك، وقد تستغرق معالجة الحالة وقتاً طويلاً”.
وبحلول نيسان/أبريل 2023، كان أكثر من 840 ألف متقدّم للحصول على تأشيرة الهجرة الخاصة وأفراد أسرهم لا يزالون في أفغانستان، وفقاً لتقديرات وزارة الخارجية نفسها. وقد يستغرق الأمر أكثر من ثلاثة عقود للعودة إلى جميع الحلفاء الأفغانيين المحتاجين، وفقاً للتقديرات.
عندما تحدثت إلى حيدري من منزله في برمنغهام في كانون الثاني/يناير عام 2024، كان في أحد أيام إجازته من وظيفتيه: توصيل طلبات من أحد المستودعات، والقيادة لصالح شركة “Uber”. تحدّث حيدري، البالغ من العمر الآن 36 عاماً، بطريقة هادئة ودقيقة، مع نبرة حزن وغضب. وكان طلب اللجوء الخاص به معلقاً لأكثر من عام في تلك المرحلة، وهو ما يتجاوز بكثير حدّ الـ 150 يوماً الذي حدده الكونغرس للأشخاص الأفغانيين الذين تم إجلاؤهم في أيلول/سبتمبر 2021.
وكانت حركة طالبان تبحث عن الحيدري. وقال: “لقد ذهبوا إلى منزلي ووجدوا بعض الأغراض العسكرية”. لقد حطموا جهاز التلفزيون والأثاث. ولم تخبره زوجته بالاعتداء إلا بعد أشهر، خوفاً من أن يعرض نفسه للخطر لإنقاذهما. وفي مسقط رأس حيدري، بدأت حركة طالبان قتالاً مع والده، وأطلقت النار على ابن عمه. وأضاف: “كل هذا حدث بسببي”.
بعد وقت قصير من حديثنا، تلقى حيدري أخيراً رداً من إدارة خدمات المواطنة والهجرة في الولايات المتحدة وتم منحه حق اللجوء، مما سمح له بتقديم طلب لانضمام عائلته، وكان ذلك في شهر شباط/فبراير 2024. وحتى تموز/يوليو، أُبلغ الحيدري أنّ طلباً سابقاً للم شمله مع عائلته، “لا يزال قيد المعالجة”. وبحلول آب/أغسطس ظلت المناشدة لتسريع قضية زوجة حيدري وأطفاله الأربعة من دون إجابة.
تبلغ ابنة حيدري الصغرى الآن أربع سنوات تقريباً وترفض التحدث معه عندما يتصل بها عبر تطبيق “WhatsApp”. قال حيدري: “لقد طلبت مني العودة إلى المنزل عدة مرات.. لقد شرحت الوضع للأكبر سناً، ولكن الأصغر سناً، لا يمكنها تفهّم الأمر”.
عودة حيدري إلى أفغانستان تشكّل خطورة كبيرة عليه، وفي حين أنّ دعوة عائلته إلى الولايات المتحدة ليست ممكنة بعد، ومن دون البطاقة الخضراء، فإنّ الاجتماع في دولة ثالثة ليس خياراً أيضاً.
وقبل أن ننهي مكالمة “Zoom” الأخيرة، طلب مني حيدري أن أكتب عن عائلات الطيارين الذين قتلوا، والذين ليس لديهم من يدعمهم.
وقال الحيدري: “لقد فعلنا الكثير.. لكنّ عائلاتنا وزملاءنا نسيتهم الولايات المتحدة تماماً. أعطونا الأوامر. لكنهم لا يلتزمون بكلمتهم”.
ترجمة بتول دياب