فلسطين.. مرحلة جديدة من الاشتباك النضالي نحو الدولة
لم يعد الحديث عن إنهاء الانقسام، وإنما أصبح الحديث عن توافقية وطنية في إطار الدولة الفلسطينية تحت شرعية منظمة التحرير، وهي صيغة سياسية عهدناها في أيام الراحل والمؤسس الشهيد ياسر عرفات.
راهن البعض بأن إعلان أنقرة حول تصميم الرئيس محمود عباس على الذهاب الى غزة هو والقيادة الفلسطينية لم يكن إلا بروباجندا هدفها التسويق السياسي وتعزيز الشرعيات. وشكك البعض الآخر بأن إعلان أنقرة جاء متأخرا، أو بكلمات أخرى بعد فوات الأوان.
وبغض النظر عن طبيعة الجدل السياسي حول هذا الإعلان، فإن المقصود به، وكما ذكرت سابقا في عدة مقالات ولقاءات صحفية، هو عودة الحكم السياسي للسلطة الوطنية إلى قطاع غزة تمهيدا لإعلان الدولة الفلسطينية وتجسيدها عمليا ومعنويا في كافة أنحاء الوطن، حيث إن السلطة الوطنية لم تغب أصلا عن ممارسة دورها الوطني في القطاع حتى بعد الانقلاب.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن ذهاب القيادة إلى القطاع تصبح قضية إنسانية عاجلة، إضافة إلى رمزيتها السياسية بالطبع.
ولهذا، فإن إعلان أنقرة لم يكن إعلانا من قبيل البروباجندا السياسية، وإنما جاء ليعبر عن إرادة سياسية هدفها الوحدة الوطنية وتلبية احتياجات المواطنين في القطاع ومنع تهجيرهم. ولم يكن توقيت هذا الإعلان اعتباطيا، بل على العكس، عبر التوقيت عن استشعار السلطة الوطنية الفلسطينية مخاطر استبعادها من محادثات اليوم التالي بعد العدوان، حيث تسعى إسرائيل بشكل واضح إلى استمرار احتلالها لقطاع غزة وخلق سلطات حكم ذاتي أو بلديات أو روابط قرى في القطاع.
وبالضرورة، فإن تدخل السلطة الوطنية في هذا التوقيت يمثل حالة من الاشتباك النضالي عالي الوتيرة. بالمقابل، فإن البدائل المتاحة محدودة جدا أمام هذا الاشتباك، فإما استمرار احتلال قطاع غزة لأجل غير محدد، وإما إعلان الدولة الفلسطينية وتجسيدها. والرئيس أبو مازن اختار البديل الثاني، وأصدر مرسوما رئاسيا تلا إعلان أنقرة عكس بصورة واضحة إرادة القيادة السياسية لتجسيد إعلان أنقرة سياسيا من خلال وضع آليات لتطبيقه.
اقرأ ايضا| أمريكا تدعم دولة فلسطينية بالأقوال لا الأفعال
تضمن المرسوم الرئاسي تشكيل لجنة وطنية من فصائل منظمة التحرير برئاسة الأخ حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وتعمل هذه اللجنة وفقا للمرسوم على حشد الطاقات والرأي العام الوطني والدولي لتمكين ذهاب القيادة الى قطاع غزة وتفعيل العمل الدبلوماسي والقانوني من أجل الضغط باتجاه تنفيذ خطة إعادة إنتاج السلطة الوطنية في القطاع تحت شرعية المنظمة. كما تضمن المرسوم إجراء حوار وطني واسع مع كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي بهدف الخروج بصيغة وطنية وحدوية تنقل مفاهمات المصالحة التي حدثت في القاهرة وبكين وموسكو من صيغة الانقسام بين الضفة وغزة الى صيغة الدولة الواحدة ذات التيارات السياسية المتنافسة.
بكلمات أخرى، لم يعد الحديث عن إنهاء الانقسام، وإنما أصبح الحديث عن توافقية وطنية في إطار الدولة الفلسطينية تحت شرعية منظمة التحرير، وهي صيغة سياسية عهدناها في أيام الراحل والمؤسس الشهيد ياسر عرفات، وانتهت هذه الصيغة بعد الانقلاب الدامي في العام 2007. ويبدو أن الظروف السياسية في الوقت الحاضر أعادت هذه الصيغة الى دائرة العمل السياسي مع وجود تقييدين مهمين، وهما وحدة السلاح وعدم تجزئة السيادة الوطنية.