فلسطين في «إعلان قازان»: ما وراء العموميات!
يمكن الزعم أن القضايا الاقتصادية والسياسية الأخرى التي ناقشتها القمة، ترتبط أيضا بقضايا الشرق الأوسط، التي تفاعلت مع زلزال غزة، بدءا من العنوان الرئيسي للاجتماع، «بريكس» والجنوب العالمي لبناء عالم أفضل بشكل مشترك.
أولت قمة بريكس التي تختتم اجتماعاتها اليوم الخميس في قازان، عاصمة جمهورية تترستان في روسيا الاتحادية، اهتماما خاصا بالموضوع الفلسطيني المحتدم منذ أكثر من عام.
اكتسى، المنتدى الذي يتألف من 10 دول أعضاء وشاركت في اجتماعاته 36 دولة، بينها 22 على أعلى مستوى وقيادات 6 منظمات دولية، طابعا عربيا وشرق أوسطيا مع انضمام مصر والسعودية والإمارات، وكذلك إيران وإثيوبيا، إليه مطلع السنة الحالية، وقد أضاف هذا أسبابا أكثر لانعكاس زلزال غزة، وحرب لبنان، والتوتّر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، على أجندته.
نص البيان على دعم قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، التزاما مع حل الدولتين، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، التي تنص جميعها على إنشاء دولة فلسطين ذات السيادة والمستقلة والقابلة للحياة، بما يتوافق مع حدود حزيران/يونيو 1967 المعترف بها دولية، وعاصمتها القدس الشرقية.
كان مهما أيضا تضمين البيان أكثر من العموميات المعروفة وذلك بقوله حرفيا: «إننا ندين الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف العمليات الإنسانية والبنية التحتية والموظفين ونقاط توزيع المساعدات الإنسانية»، و»نرحب بجهود مصر وقطر، والجهود الإقليمية والدولية الأخرى الرامية الى وقف فوري لإطلاق النار، وتسريع إمدادات المساعدة الإنسانية وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة».
تضمن البيان فقرتين تشيران، من دون ذكر إسرائيل اسما، إلى الإسراع بتنفيذ القرارات المتعلقة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وإلى أن تصعيد النزاع في قطاع غزة «محفوف بزيادة التوتر والتطرف»، وإلى «عواقبه الضارة للغاية على المستويين الإقليمي والدولي».
اقرأ أيضا| السلطة الفلسطينية وترميم آثار الجرم الحمساوي
يكتسب مضمون الإعلان أهمية مضافة حين نلاحظ كيف توافقت عليه دول متباعدة اقتصاديا وسياسيا، كما هو حال الهند (التي ذكرها بنيامين نتنياهو، باعتبارها نقطة تجارة رئيسية في «خط النعمة» بين تل أبيب وعبر الخليج العربي) والصين، الطامحة لمشروع منافس ضمن «خط الحرير» المار بآسيا ودول عربية وصولا إلى أوروبا، أو حال مصر وإثيوبيا المتنافستين على نهر النيل.
يمكن الزعم أن القضايا الاقتصادية والسياسية الأخرى التي ناقشتها القمة، ترتبط أيضا بقضايا الشرق الأوسط، التي تفاعلت مع زلزال غزة، بدءا من العنوان الرئيسي للاجتماع، «بريكس» والجنوب العالمي لبناء عالم أفضل بشكل مشترك، ومرورا بقضايا الأمن الغذائي والطاقة، وكذلك قضية إيجاد بدائل للدولار، فالتراجيديا الفلسطينية ماثلة في كل هذه القضايا، سواء تعلّق الأمر بالتجويع المنظم الذي تقوم به إسرائيل ضد شمال غزة حاليا، وبمنع المساعدات الإنسانية والغذائية على كامل القطاع، أو تعلّق بالعقوبات الاقتصادية والجزاءات المالية التي تفرضها إسرائيل على السلطة الفلسطينية.
ردّت «مجموعة السبع» على محاولات «بريكس» الآنفة بطريقة بليغة حيث أعلنت أنها ستقرض أوكرانيا 50 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة (تقارب 282 مليار دولار)، أما الصين، فكان رئيسها قبيل القمة يخاطب جيشه بالاستعداد للحرب الشاملة، فيما كانت كوريا الشمالية، الدولة التي تعتمد بشكل كامل على بكين، ترسل آلافا من جنودها إلى أوكرانيا.
تمثل الواقعتان أشكالا من التصعيد بين الغرب وروسيا، وكذلك استشعارا من قبل الصين (رغم أن رئيسها تبنّى خطابا معتدلا خلال القمة) للخطر الذي تشكّله التكنولوجيات التي استخدمتها إسرائيل في الحرب الراهنة على الفلسطينيين واللبنانيين على التوازنات الدولية الكبرى.
ترتبط الحرب الجارية في الشرق الأوسط، ضمن هذا السياق، بكل ما يجري على كوكب الأرض، والحديث المتزايد عن «تشكيل الشرق الأوسط»، يعني، في ما يعنيه، إعادة تشكيل العالم.