فلسطين إذ تُغيّر المنطقة والعالم
أحداث السابع من أكتوبر تشكل مرحلة فاصلة في تاريخ فلسطين والأمة، وربما العالم بأكمله، بسبب التغييرات التي أحدثتها ولا تزال تُحدثها، وهذا على الأغلب هو الذي يجعل الإسرائيليين أكثر توحشاً وعدوانية في حربهم على غزة،
على الرغم من أن الشعب الفلسطيني يدفع اليوم ثمناً غالياً، ويواجه المجازر الدموية بالجملة، وحرب الإبادة المفتوحة التي لا تتوقف عند قطاع غزة، وإنما تمتد أيضاً إلى الضفة الغربية، التي لم تكن لها علاقة بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، رغم ذلك كله إلا أن المشهد الفلسطيني أحدث تغييراً غير مسبوق على مستوى العالم، لم يكن أحد يتوقع حدوثه.
أحداث السابع من أكتوبر تشكل مرحلة فاصلة في تاريخ فلسطين والأمة، وربما العالم بأكمله، بسبب التغييرات التي أحدثتها ولا تزال تُحدثها، وهذا على الأغلب هو الذي يجعل الإسرائيليين أكثر توحشاً وعدوانية في حربهم على غزة، التي كانت تبدو في بدايتها انتقامية، لكنها تحولت الى «حرب إبادة» يريدون منها محو النتائج التي أحدثتها عملية السابع من أكتوبر 2023.
وعلى الرغم من أن الإسرائيليين يشنون الحرب الأكبر والأعنف والأطول زمنياً في تاريخهم وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن أغلب الظن أنهم سيفشلون من الناحية الاستراتيجية، حتى إن تمكنوا من سحق قطاع غزة، وحتى إذا تمكنوا من سحق حركة حماس، وتنفيذ عملية إبادة وتهجير واسعة، لأن التحولات التي أحدثها الفلسطينيون هذه المرة تمتد إلى العالم بأكمله، ولا تتوقف عند المشهد الفلسطيني وحده. ثمة جملة من التحولات التي شهدتها المنطقة العربية خصوصاً، والعالم عموماً في أعقاب عملية السابع من أكتوبر 2023، وهذه التحولات يمكن رصدها
في ما يلي:
أولاً: تغيرت معادلة الردع بين إسرائيل من جهة، وإيران وحزب الله ومحور المقاومة من جهة ثانية، فهل كانت إيران ستوجه ضربة عسكرية مباشرة لإسرائيل، كما حدث في شهر نيسان/ أبريل الماضي، رداً على اعتداءات الاحتلال، فقد كانت إيران من قبل تتعرض لهجمات إسرائيلية بين الحين والآخر، ولم تكن تلجأ إلى الرد المباشر والعلني كما يحدث الآن، إذ لولا أن الصنم الإسرائيلي قد انكسر، لما كان أحد يتوقع أن يحدث اشتباك عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل.
ثانياً: لم يكن أحد في الكون يتوقع أن تواجه السفن الإسرائيلية والسفن الأجنبية المتجهة نحو الموانئ الإسرائيلية استهدافاً مباشراً، كما لم يكن أي عربي يتوقع ولو في أحلامه أن يتم إغلاق مضيق باب المندب أمام حركة السفن، التي تتجه لإمداد الإسرائيليين، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ الاحتلال، الذي يُواجه حصاراً وتضطر سفنه لتسلك سبيلاً بحرياً يستغرق أسابيع إضافية من أجل الوصول، بل إن جماعة «أنصار الله» بدأت تلاحق السفن التي تتجه الى موانئ الاحتلال في البحر الأبيض المتوسط أيضاً، وليس في البحر الأحمر فقط. وهذا تحول استراتيجي بالغ الأهمية على مستوى المنطقة برمتها، إذ لأول مرة أصبح للعرب سيادتهم الحقيقية والمطلقة على ممراتهم المائية ومياههم الإقليمية.
اقرأ ايضا| أمريكا تدعم دولة فلسطينية بالأقوال لا الأفعال
ثالثاً: لأول مرة في تاريخ الصراع الذي تشهده المنطقة تُحارب إسرائيل على كل الجبهات في آن واحد، وهذا يعني أن محور المقاومة فرض قاعدة «وحدة الساحات»، وبات حتى الاحتلال يتعامل مع هذه الجبهات على أنها وحدة واحدة، وأنه لم يعد يستطيعُ الانفراد بجبهة دون غيرها، فالحرب في غزة استتبعت ضربات من جماعة «أنصار الله» على إيلات، وكذا ضربات من حزب الله على الشمال، وهكذا، وهذه الوحدة تتحقق لأول مرة وتجعل من الوضع في المنطقة برمته مختلفاً تماماً.
رابعاً: اعترف العديد من دول العالم بفلسطين كدولة، بينما تدرسُ دولٌ أخرى اللحاق بهذا الاعتراف، وعلى الرغم من أنه إجراء رمزي ليس له أي أثر على الأرض، ولا على واقع الفلسطينيين، إلا أنه يعني بأن العالم انتبه الى القضية الفلسطينية، التي كادت تُنسى، وبدأ يُدرك بأن ثمة شعبا تحت الاحتلال وأن هذا الشعب يستحق أن يعيش في دولته المستقلة بسلام كغيره من شعوب العالم.
خامساً: رد الفعل الشعبي العالمي على الحرب الإسرائيلية غير مسبوق ولا معهود، فلم يكن أحد يتوقع أن تنتفض الجامعات الغربية برمتها، وأن تتحول حفلات التخرج لكبريات الجامعات الأمريكية الى مهرجانات للتضامن مع غزة والتنديد بالاحتلال، كما لم يكن أحدٌ يتوقع أن يُصبح العلمُ الفلسطيني هو الوحيد الذي يكاد لا يغيب عن شوارع وأزقة المدن الغربية الكبرى.
والخلاصة هو أن ما يحدث في المنطقة العربية والعالم غير مسبوق ولا مألوف، والتحولات الاستراتيجية التي نشهدها بسبب القضية الفلسطينية غير مسبوقة من قبل، وهذه تحولات لا يُمكن العودة عنها ولا محوها، إذ إن القواعد التي قامت إسرائيل بتثبيتها في حروبها السابقة مع العرب انتهت وثمة قواعد جديدة للصراع والردع في المنطقة.