ملفات فلسطينية

فلسطين أولا والأصل وليس محور المقاومة

التحدي الآن عن الشعب الفلسطيني وقيادته حيث عليهم سرعة انجاز المصالحة والوحدة الوطنية والاستفادة من التحولات في الرأي العام العالمي لصالح فلسطين.

بعد سنوات من الإعلان رسميا عن محور المقاومة وعام من حرب الإبادة على غزة وكل فلسطين ومشاركة محور المقاومة في إطار حسابات مدروسة لم تؤثر على مجريات الحرب أو تردع نتنياهو بل منحته مبررا لمواصلة حرب الإبادة وتوسيعها للضفة بحجة أنه يقاتل إيران، قبل أن يدخل حزب الله واسرائيل بحرب مفتوحة بعد الاختراقات الخطيرة الأمنية والعسكرية التي تعرض لها الحزب واغتيال غالبية قياداته بما فيها السيد حسن نصر الله.

بعد كل ذلك من حقنا التساؤل عن سبب تأسيس محور المقاومة وهل تأسس لنصرة فلسطين وتحريرها من الاحتلال كما يقول قادة المحور أو لخدمة سياسية واستراتيجية إيرانية؟ وما سبب هذه الاختراقات الكبيرة في صفوفه؟ وهل اغتيال نصر الله واضعاف محور المقاومة يعني نهاية القضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني؟

كان حزب الله والأذرع الشيعية الأخرى يؤكدون على مرجعيتهم الدينية للمرشد في إيران وكان كل دعمهم المالي والعسكري والسياسي من إيران وكان تصعيدهم مع اسرائيل متناغما مع مسار المفاوضات بين إيران والغرب حول الملف النووي والعقوبات المفروضة على إيران وليس مع ما تتطلبه معركة تحرير فلسطين، حيث التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله والتهديد بحرب أوسع قد أبعد الأنظار عن جوهر الصراع وهو القضية الفلسطينية وعن حرب الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة والضفة وما يجري في القدس وأصبح القتل اليومي بالعشرات وتدمير البيوت والبنية التحتية أصبح حدثاً روتينياً في قطاع غزة كما هو توسيع الاستيطان وتهويد القدس والمسجد الأقصى.

وأصبح الحديث عن هذه الأمور في المرتبة الثانية في نشرات الأخبار ،والحديث والاهتمام لم يعد منصباً على صفقة وقف إطلاق نار في غزة أو تسوية سياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل عن وقف الحرب مع حزب الله وتسوية سياسية معه ومع ايران، وهذه الأخيرة مستعدة للتضحية بغزة وفلسطين ولبنان وكل دول محور المقاومة خدمة لمشروعها الفارسي الشيعي.

إذا كان من المشكوك أن تأسيس محور المقاومة كان لصالح فلسطين وتحريرها، فهل كان لصالح أو يخدم مصلحة الدول التي تقيم فيها الأذرع الإيرانية: لبنان والعراق واليمن وسوريا وأراضي الدولة الفلسطينية؟ لقد تأكد بعد حوالي 45 عام من الثورة الإيرانية أن هذه الثورة كانت سببا في إثارة الفتنة المذهبية وخراب ودمار الدول التي تأسس فيها ما يسمى محور المقاومة وكان تواجده على حساب وحدة واستقرار هذه الدول.

هذا يفسر لنا، بالإضافة إلى التفوق التكنولوجي والسيراني للعدو ،سبب الاختراقات الكبيرة في هذا المحور من إيران إلى لبنان والعراق واليمن وسوريا. فالمحور يعمل في بيئة معادية أو غير متعاونة وحاضنته الشعبية تقتصر على الشيعة واتباع أيران والمستفيدين منها، أما بقية السكان وهم الغالبية فينظرون لأطراف المحور إما كنظام مذهبي دكتاتوري قمعي بالنسبة لإيران أو تنظيمات مذهبية كانت سببا في تدمير البلاد وإثارة الفتنة الداخلية وليس لها أي ولاء للدولة والوطن.

في ظل هذا الوضع كان من السهل على أمريكا وإسرائيل الحصول على معلومات استخباراتية من المعارضين للمحور و الحريصين على استعادة الوحدة الوطنية وسيادة الدولة هذا بالإضافة إلى أن حصار إيران والعقوبات عليها وتفضيلها تغليب مصالحها القومية على مصالح أطراف المحور وحتى على مصلحة الشعب الفلسطيني وخصوصا بعد الانتخابات ومجيء الرئيس الجديد.

بعد اغتيال نصر الله هل بالفعل أن إسرائيل لا تعرف مكان السنوار وإلى أين ستؤول الأمور؟

الحرب على لبنان واغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله سيكون له تداعيات كبيرة وخطيرة على الوضع الداخلي في لبنان وفلسطين، ولكن قبل الحديث عن التداعيات المتوقعة نتساءل ما إن كانت حركة حماس وقيادتها أكثر تحصينا وتطورا تكنولوجيا من قيادة حزب الله حتى تزعم إسرائيل إنها لا تعرف مكان السنوار ولا مكان الرهائن؟

كان قطاع غزة محتلاً بالكامل من العدو الاسرائيلي منذ عام ١٩٦٧ وحتى مع قيام السلطة الفلسطينية ٩٤ كانت سلطة حكم ذاتي محدود دون سيادة، وسيطرة حماس على القطاع ٢٠٠٧ لم يغير واقع الاحتلال إلا قليلاً بل أُضيف له الحصار، وخلال هذه المرحلة الطويلة كانت الحدود مفتوحة بين القطاع والأراضي المحتلة لدخول البضائع والعمال والأشخاص من كل الجنسيات تحت رقابة مشددة من الاحتلال وخصوصاً فيما يتعلق بتطوير قدراتها التكنولوجية، وكانت حماس وفصائل المقاومة تطور قدراتها العسكرية وتعلن عن تطوير قدراتها الصاروخية تحت نظر العدو وكانت تسمح للفضائيات بدخول وتصوير الأنفاق والمواقع العسكرية، وكان قادتها في مؤتمرات صحفية يتبنون العمليات العسكرية ويتوعدون العدو بالويل والثبور وتدمير دولته فيما تدخل المساعدات والأموال القطرية التي تطيل من عمر سلطتهم من خلال إسرائيل وبموافقتها! .

خلال حكم حماس تم اكتشاف عديد الاختراقات الأمنية في صفوفها بعضهم في مستويات قيادية وعناصر عادية وتم إعدام بعضهم وهرب آخرون إلى إسرائيل فيما تم اكتشاف خلايا تجسس حمساوية لصالح إسرائيل في تركيا ولبنان.

مع كل ما سبق تستمر حرب الابادة والتطهير منذ عام تم خلالها تدمير ٧٥% من المباني والبنية التحتية وسقوط حوالي ربع مليون ما بين شهيد ومفقود وجريح واسير بذريعة القضاء على قيادة حماس وقدراتها العسكرية وإطلاق سراح مختطفيها الذين تزعم أنها لا تعرف مكانهم ولا مكان السنوار قائد حماس!! وكأن الحركة قوة عظمى محصنة عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً والعدو عاجز عن القضاء عليها!

في المقابل فإن حزب الله الأكثر تسلحاً وتفوقاً وقوة اقتصادية ومتواجد في أرض مفتوحة وله سيادة ومنفتح على العالم الخ، تم اختراقه واستهداف أغلب قياداته بما في ذلك حسن نصر الله وتدمير مواقعه الرئيسية.

إذا كان لدى إسرائيل هذه القدرات التكنولوجية والاستخباراتية لاختراق الحزب واغتيال أهم قياداته العسكرية فهل هو عاجز طوال عام من الحرب من معرفة مكان قائد حماس السنوار ومكان المختطفين الاسرائيليين؟ أم أنها تكذب وتعرف مكانه ومكان المختطفين ولكنها تريد مبرراً لاستمرار حرب لها أهداف استراتيجية تتجاوز غزة؟

اقرأ أيضا| الصين وحقوق الفلسطينيين

وهل هي مصادفة أن تتزامن هذه الأحداث المتسارعة مع عرض نتنياهو صفقة تتضمن خروج السنوار وما تبقى من مسؤولين عسكريين مقابل إطلاق سراح المختطفين الاسرائيليين؟

بعد كل ذلك هل سيكون حال القضية الفلسطينية أفضل أم أسوأ في حالة انهيار أو إضعاف محور المقاومة؟ وهل سيؤدي إضعافه الى انهاء الانقسام الفلسطيني وانجاز وحدة وطنية؟ وهل كانت مشكلة محور المقاومة والانتقادات الموجهة له لأنه يعادي إسرائيل ويحاربها؟ أم لأنه تابع لإيران وينفذ سياساتها مستغلا عدالة القضية الفلسطينية؟

يجب التأكيد هنا أن كل ما تزعمه إسرائيل من انتصارات هي في مواجهة أحزاب وقوى لا يمثل أي منها الشعب. يمكن اعتبار حركة حماس حركة مقاومة ،متجاوزين أسباب تأسيسها ومرجعيتها الإخوانية ودورها في الانقسام الخ، ولكنها ليست المقاومة بل مجرد حزب قابل للنجاح والفشل وانتهاؤها أو فشلها وهزيمتها لا يعني نهاية المقاومة والقضية الفلسطينية، وحزب الله مجرد حزب لا يمثل المقاومة ولا الشعب اللبناني، كما أن الشعب الفلسطيني لم يفوض ايران أو محور المقاومة بالقتال نيابة عنه ،وهزيمة هذا المحور أو تفككه لن يؤثر كثيرا على القضية الفلسطينية بل يمكن أن يحرر الشعب من تدخل الأجندة الخارجية التي كانت سببا في انقسامه كما كانت سببا في انقسام وتدمير الدول العربية الأخرى التي فيها أذرع محور المقاومة الشيعية.

قد يقول قائل ألا يعني انهيار أو إضعاف محور المقاومة إطلاق يد اسرائيل في فلسطين والمنطقة وهيمنة حالة من اليأس والاحباط عند الأمتين العربية والإسلامية؟

لا شك أن من أهداف إسرائيل تبليغ رسالة بهذا المعنى، ولكن هذه الرسالة لن تؤثر إلا على البسطاء من الناس وعلى الجهلة المرتبطين بالأجندة الخارجية وفاقدي الثقة بالشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، وكان من الممكن أن يؤثر إضعاف محور المقاومة سلبا على القضية الفلسطينية لو كان بالفعل يقاتل ويجاهد من أجل فلسطين وتحريرها أو في سبيل الله، ولكنه لم يكن يقاتل من أجل ذلك بل من أجل المشروع الإيراني الشيعي الفارسي، وقد تأكد بعد اغتيال نصر الله وغالبية قيادات الحزب دون تدخل إيراني ،وبعد عام من حرب الإبادة على غزة وقبلها سنوات من صمت المحور وإيران على الاستيطان وتدنيس الأقصى الخ، تأكد أن إيران مستعدة للتضحية بحزب الله وبلبنان وفلسطين من أجل مصلحتها القومية.

التحدي الآن عن الشعب الفلسطيني وقيادته حيث عليهم سرعة انجاز المصالحة والوحدة الوطنية والاستفادة من التحولات في الرأي العام العالمي لصالح فلسطين والحراك الكبير في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، أيضا توظيف حالة الغضب على إسرائيل ونتنياهو وحكومته وخصوصا بعد خطابه الاستفزازي في الجمعية العامة للأمم المتحدة واستهتاره بغالبية دول العالم وشعوبها.

هناك تداعيات أخرى لحرب لبنان تتعلق باستقرار لبنان والتوازنات داخله بعد الحرب وربما أثناءها إن طالت الحرب أيضا وضع الفلسطينيين في لبنان وخصوصا الفصائل المؤيدة لحزب الله المتواجدة في المخيمات وقد تصل التداعيات الى سوريا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى