فلسطينيو أوروبا بين الفرص والتحديات.. القضية مازالت في الذاكرة
ربما أصبح الحراك الفلسطيني في القارة الأوروبية أكثر تأثيرًا من ذي قبل، وخاصة في ظل استمرار ثقافة مقاطعة منتجات الاحتلال والدول الداعمة له كنوع من الحصار الاقتصادي
ما بين الفرص والتحديات، يعيش الفلسطينيون في أوروبا تجارب صعبة، فيواجه العديد منهم تحديات فريدة، بما في ذلك التكامل الثقافي والتمييز والنضال من أجل الحفاظ على هويتهم، ومع ذلك فإن الحضور الفلسطيني يقدم أيضا فرصا لمناصرة القضية الفلسطينية ورفعي الوعي بها.
وفي الفترة الأخيرة، وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى والتي تلتها الحرب الإسرائيلية على غزة، أصبح الفلسطينيون في أوروبا حاملي هم القضية، فما بين الانتماء لفلسطين والمواطنة الأوروبية، يتشكل مزيج من التحديات والمخاوف في الدفاع عن القضية في الساحات الأوروبية التي تؤيد بشكل صريح الكيان الإسرائيلي
ومؤخرا، استغل فلسطينيو أوروبا انخراطهم في المجتمعات الأوروبية خلال السنوات الأخيرة، لممارسة دورهم في التعبير عن أنفسهم وإعلاء قضيتهم والتنديد بممارسات إسرائيل تجاه اخواتهم في أرض الوطن وتحديدا في غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، ويطالبون قادة أوروبا بالتدخل للضغط على حكومة تل أبيب ووقف الحرب فورا.
ويبدو أن الدور الفلسطيني هذا في أوروبا خاصة مع ازدياد أعدادهم، بات يقوم بدور فعال وأساسي في دعم القضية الفلسطينية، وظهر هذا في التظاهرات التي انطلقت من كل عواصم أوروبا مثل لندن وباريس وبرلين وقبرص وغيرهم، فحمل الفلسطينيون في الشتات هم قضيتهم، وخرجوا في مظاهرات ومسيرات منددة بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لوطنهم، وكان آخرها الإبادة الجماعية في غزة وهذا يشير إلى أن القضية مازالت في عقل ووجدان أهل المهجر رغم بعدهم عن وطنهم.
وتبقي أهم الفرص أمام فلسطيني المهجر، هي القدرة عن التعبير عن رأيهم والتنديد بالحرب على وطنهم والمطالبة بحرية بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية والتنديد بانتهاكات الاحتلال تجاه الأهل والوطن، ولكن كل هذا الفرص تتحطم على صخرة الجمود الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية والدعم غير المحدود لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني صاحب الأرض.
وتظل أبرز التحديات التي تواجه فلسطينيي أوروبا، هي أن اللوبي الصهيوني متأصل ومتجزر في أوروبا، فإذا تعاطفت معهم الشعوب فلا يتعاطف الزعماء، لأن المصالح الأوربية مع دولة الاحتلال وحليفتها أميركا تقف حائلا أمام نصرة القضية الفلسطينية، وحتى أمام مطالبة إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني في غزة كل يوم.
ورغم كل هذا، فإن أنصار فلسطين في أوروبا في تزايد وأنصار إسرائيل في تراجع وهذا بسبب تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية ضد المدنيين العزل، ولكن تختلف مساحة الحرية أمام العمل الفلسطيني من دولة لأخرى، فبعض الدول والشخصيات تأثرت بحملات التحريض ووضعت قيودًا أمام العمل من أجل فلسطين، ولاحقت العاملين ومؤسساتهم بتهم متعلقة بالإرهاب وتمويله، بينما يتوقف الأمر في دول أخرى عن تنظيم تظاهرات تطالب بضرورة وقف الحرب ومسلسل الإبادة.
ربما أصبح الحراك الفلسطيني في القارة الأوروبية أكثر تأثيرًا من ذي قبل، وخاصة في ظل استمرار ثقافة مقاطعة منتجات الاحتلال والدول الداعمة له كنوع من الحصار الاقتصادي، وامتدت للشركات التي تزوده بالأسلحة والمعدات، وهي ثمرة جهد كبير بدأ بدعوات فلسطينية وأصبح يلقى تجاوبا من الكثير من الجهات في أوروبا، ولكن يحتاج الأمر تحركا سياسيا يحقق نجاحات متعددة وأبرزها إقناع إسرائيل بوقف الحرب وإنهاء مسلسل الإبادة للشعب الفلسطيني، ولكن يبقى الوجود الفلسطيني في أوروبا، خاضعا لسيطرة اللوبي الصهيوني ومجموعات مناصرة فلسطين محدودة.
ورغم ذلك، تتواصل التحركات الفلسطينية في دول أوروبية، من مظاهرات وندوات وحملات توعية لدعم القضية الفلسطينية، واستفادت من منصات التواصل الاجتماعي، رغم قمعها المحتوى الفلسطيني لنقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم، وهذا يؤكد بالدليل القاطع أن القضية الفلسطينية مازالت هي الهم الأكبر العالق في الأذهان رغم ما حدث وما يحدث وما سيحدث، لأن ببساطة حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة ومشاهد المجازر القاسية عززت الانتماء الوطني بين الشباب الفلسطيني في أوروبا، فزاد وعيهم بالقضية الفلسطينية وشعروا بمسؤولية أكبر تجاه وطنهم.
وكل هذا ساهم في أن يكون فلسطينيو الشتات أكثر ارتباطًا بتاريخهم وثقافتهم وحقوقهم ودورهم في نشر الوعي، وتغيير الصورة النمطية عن القضية الفلسطينية، وهو ما يترك آثاراً عميقة على قدرة فلسطينيي أوروبا على الدفاع عن حقوقهم، أو لعب دورهم السياسي لمصلحة قضيتهم وشعبهم، لتحقيق معادلة فلسطينية تكفل لهم حقهم وفي نفس الوقت تؤكد على حق فلسطين في الحياة والوجود والبقاء .