غزة

فشل منظومة حقوق الإنسان أمام الحرب في قطاع غزة

الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تُظهر بشكل واضح وحشيته وقسوته في التعامل مع المدنيين العزل. المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال بحق سكان القطاع،

 

ما يحدث اليوم من مجازر بشعة في قطاع غزة كشف زيف وكذب منظومة حقوق الإنسان التي يتباهى بها الغرب طوال السنين الماضية. فالغرب الذي وضع لنفسه الفضل في صياغة وتشريع قوانين حقوق الإنسان، وشيد المحاكم التي تعمل على نفاذ هذه القوانين، يبدو أنه وضع هذه القوانين ليس لحماية الجميع، بل لمصالحه الخاصة فقط.

القوانين والتشريعات التي استندت إلى مبدأ قبول الآخر والتعايش معه وصون حقوق جميع شرائح المجتمع، لم تُطبق إلا عندما يتعلق الأمر بالإنسان الغربي. بينما تُغلق الأعين وتُعطل هذه القوانين عندما تكون نفس الحالة في بلد من بلاد العرب أو إفريقيا. هذه الازدواجية في تطبيق القوانين تكشف أن هذه القوانين هي في جوهرها لخدمة الإنسان الغربي فقط، وليس غيره.

الغرب الذي سن قانون حماية المدنيين في الحرب هو نفسه الذي ارتكب أبشع المجازر قبل أقل من مئة عام في الحرب العالمية الثانية. هذه القوانين التي وضعت كانت كفيلة بحماية الأسود في إفريقيا كما الأبيض في أوروبا على نفس القدر من الحماية. إلا أن هذه القوانين كانت مجرد حبر على ورق عندما يتعلق الأمر بالشعوب غير الغربية.

النظام القانوني لحقوق الانسان، رغم مبادئه المعلنة عن المساواة والعدالة، هو قانون مبني على العنصرية حيث تظهر  تناقضات واضحة في تطبيقه على أرض الواقع. يُعامل اللاجئون من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة بطرق متباينة، ودليل على ذلك التعامل التمييزي مع اللاجئين بناء على اصولهم واعراقهم ودياناتهم الذي يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي يفترض أنها تشمل الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو الأصل. ومع ذلك، فإن السياسات والممارسات الفعلية قد تُظهر تناقضات جوهرية.

حتى في مجال الرياضة، حيث ينص جوهرها على عدم تسييسها، نجد أن الغرب منع روسيا من المشاركة في العديد من البطولات العالمية بسبب الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا. بينما نفس هذه القوانين تغمض الأعين عن دخول المساعدات للأطفال الجوعى في قطاع غزة وتغلق الآذان عن صرخات الأطفال والنساء في اليمن.

تظهر ازدواجية المعايير في تطبيق قوانين حقوق الإنسان بوضوح في تعامل الغرب مع روسيا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا مقارنة بتدخلها العسكري في سوريا. عندما غزت روسيا أوكرانيا، فرض الغرب عليها عقوبات صارمة شملت عقوبات اقتصادية، وحظرا على المشاركة في الفعاليات الرياضية، وإجراءات دبلوماسية مشددة. هذه العقوبات كانت تهدف إلى معاقبة روسيا بسبب انتهاكها للسيادة الأوكرانية وحقوق الإنسان هناك.

على الجانب الآخر، لم يتخذ الغرب أي إجراء فعلي عندما دمرت روسيا سوريا وقتلت آلاف المدنيين خلال الأزمة السورية. رغم التقارير الواسعة التي وثقت جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الروسية في سوريا، لم تُفرض أي عقوبات تذكر على روسيا. هذا التباين في رد الفعل يعكس أن قوانين حقوق الإنسان تُفعل ويتم اتخاذ أقصى العقوبات بحق روسيا فقط عندما كان الأمر يتعلق بالأوكرانيين، بينما تُغض الطرف عن الجرائم التي ارتكبتها نفس الدولة في سوريا. إن هذا التناقض الصارخ هو دليل آخر على أن قوانين حقوق الإنسان التي يدعي الغرب الالتزام بها، تخدم مصالحه السياسية والاقتصادية، وتُطبق بشكل انتقائي يعكس تمييزا واضحا بين البشر بناءً على الجنسية والانتماء السياسي.

في فبراير 2022، صرح رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف و قال إن اللاجئين الأوكرانيين مختلفين عن غيرهم من اللاجئين، مشيرا إلى أنهم “بيض، أذكياء، ومتعلمون”. هذه التصريحات أثارت انتقادات واسعة، حيث رأى كثيرون أنها تعكس تحيزا عنصريا وتفرقة واضحة بناءً على العرق والأصل.

الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تُظهر بشكل واضح وحشيته وقسوته في التعامل مع المدنيين العزل. المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال بحق سكان القطاع، من قتل للنساء والأطفال وتدمير للمنازل والبنية التحتية، تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.

إحدى الأساليب الوحشية التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي هي سياسة التجويع ومنع دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء. هذه الإجراءات ليست فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل تُعد أيضاً جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني. ورغم هذه الجرائم، يبقى المجتمع الدولي في حالة من الصمت أو الإدانة الشكلية، مما يُعد دليلاً آخر على سقوط منظومة حقوق الإنسان الدولية وتحيزها لفئة محددة من الناس على حساب الآخرين.

الغرب وحلفاؤهم يمتلكون صلاحيات خاصة، حيث ما يُحرم على الآخرين يكون مباحاً لهم، وكل ما يهدد مصالحهم يُعد جريمة، في حين أن أي تجاوز آخر يُغض الطرف عنه، حتى لو تعارض مع القوانين الدولية التي وضعوها بأنفسهم. هذه الازدواجية تبرز بوضوح في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث يتم تجاهل حقوق الفلسطينيين ويتم تبرير الجرائم التي تُرتكب بحقهم.

الاعتماد على منظمات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية للحصول على العدالة للفلسطينيين يبدو وهماً في ضوء التحيز الواضح ضدهم. هذه المنظمات والمحاكم شُيدت لحماية مصالح الغرب ويتم تفعيلها فقط عندما تشعر تلك الدول بتهديد لمصالحها، بينما تُغلق أبوابها أمام القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية.

عندما تعرض مسيحو الشام للظلم من قبل أحد ولاة بني أمية، وقف الأوزاعي مدافعا عن حقوق هذه الأقلية وأرسل كتابه للخلفاء مستندا على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة”. هذا الفعل يرسخ أن لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وأن الناس سواسية في حماية حقوقهم على اختلاف أعراقهم وألوانهم ودينهم، وهو تشريع إلهي حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه.

إن الأمل في أن تنصف هذه المؤسسات شعوباً ينظر إليها الغرب بعين الإرهاب والتهديد هو ضرب من الخيال. العدالة الدولية، كما هي مطبقة اليوم، تُظهر بشكل واضح أنها منحازة وتعمل لخدمة مصالح محددة على حساب الآخرين.

إن فشل منظومة حقوق الإنسان أمام الحرب في قطاع غزة هو دليل على أن هذه القوانين ليست أكثر من أكذوبة يتشدق بها الغرب لتحقيق مصالحه. الحقوق الإنسانية التي وضعها الغرب لم تكن أبدا لحماية الجميع بل كانت وسيلة للتحكم والسيطرة. وعلينا أن ندرك أن العدالة الحقيقية لا تأتي من القوانين البشرية، بل من تطبيق مبادئ العدل والمساواة التي جاء بها الدين الحنيف، حيث الناس جميعهم سواسية أمام الله ولا فرق بينهم إلا بالتقوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى