هنية تبون عباس jpeg

فرصة جديدة للمصالحة الفلسطينية

فرصة جديدة لاحت في الأفق الأسبوع الماضي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية وإنهاء الانقسام السياسي، الذي يكسر ظهر الشعب الفلسطيني منذ 17 عاماً، وهذه الفرصة تجلت في اللقاءات التي عقدتها الفصائل في العاصمة الروسية موسكو قبل أيام، ولم يتسرب من مضمونها الكثير، حيث كان واضحاً أن تفاصيلها وما جرى فيها ظل طي الكتمان.
ليس من المرجح بطبيعة الحال أن تتم المصالحة عبر لقاءات تُعقد في يومين في عاصمة أجنبية، إذ لم يكن أي من المراقبين أو المتابعين للشأن الفلسطيني يتوقع أن تؤدي هذه اللقاءات إلى تحقيق المصالحة، التي عجزت عن التوصل إليها عدة دول وعشرات اللقاءات المشابهة، لكن هذا لا يعني أن تلك اللقاءات لم تكن فرصة جديدة تُتاح للفصائل من أجل طي صفحة الماضي، وإنهاء الخلافات الداخلية، وهي بكل تأكيد فرصة ضائعة تُضاف إلى الفرص السابقة التي لم تستفد منها قيادات الفصائل.

الجديد والمهم في هذه الفرصة هي أنها تتم برعاية روسية، وروسيا دولة كبرى أصبح من الواضح أنها بدأت تلعبُ دوراً محورياً ومهماً في المنطقة منذ سنوات، وتقوم بملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات، كما أن موسكو تتبنى موقفاً أكثر اعتدالاً وحيادية تجاه القضية الفلسطينية، إذا ما قورن بالموقف الغربي، فهي على الأقل لا تُدرج حركة حماس على قوائم الإرهاب، ولا تتعامل معها على أنها منظمة إرهابية، بل إن موسكو استقبلت وفداً رسمياً يُمثل حركة حماس أكثر من مرة في السابق، بما يعني أنها تتعامل مع الفصائل كافة، وتستطيع أن تجري محادثات مع الجميع.

هذه المحادثات تأتي بالتزامن أيضاً مع الحرب الأعنف على الإطلاق، التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، وهي حرب أصبح واضحاً أنها لا تستهدف حركة حماس فقط، وإنما هي حرب إبادة جماعية تهدف إلى إحداث تحول استراتيجي وجذري على الأرض الفلسطينية، بما في ذلك تغيير الواقع الجغرافي والسكاني والسياسي والاقتصادي والعسكري لقطاع غزة، والمصيبة أن المشروع الإسرائيلي في غزة قد يتوسع الى الضفة الغربية ولبنان كحلقات لاحقة، بما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي يُريد تغيير المنطقة بأكملها وليس القضاء على حركة حماس، وهذه المعطيات تعني بالضرورة أن كل الفلسطينيين وليس جزءاً منهم يستشعر خطورة هذه المرحلة، ويرى أن المصالحة الداخلية هي أحد مقومات مواجهة هذا الخطر.

محادثات موسكو بين فتح وحماس على قدر كبير من الأهمية، لكن ترجيح فشلها مرده الى أن كلاً من الفصيلين، على الرغم من استشعاره الخطر الذي يُهدد الشعب الفلسطيني، إلا أنه يراهن على الاستفادة مما يجري وتحقيق المكاسب، فبدلاً من وضع الوحدة وإنهاء الانقسام كهدف أسمى وطريق لا بد منه لمواجهة الاحتلال، فإن حركة فتح ذهبت إلى هذه المحادثات على أمل أن تكون حركة حماس ضعيفة ولديها القابلية لتقديم التنازلات، وفي المقابل فإن حماس تذهب إلى هذه المحادثات وهي تبحث عن جني ثمار عملية «طوفان الأقصى» وتحقيق شيء من المكاسب بعد صمودها لعدة شهور في مواجهة عدوان الاحتلال ونجاحها في تكبيده خسائر كبيرة. والحقيقة هي أن كلاً من الحركتين تخطآن التقدير، والشيء الصحيح هو أن الكل الفلسطيني في موقف ضعيف، وهذا الضعف لا ينتهي إلا بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الكاملة، إذ إن التهديد الاسرائيلي لا يستهدف فريقاً دون غيره، ولا يستثني أحداً من الفلسطينيين، وما يجري حالياً في غزة ليس سوى جزء من مشروع إسرائيلي كبير لتغيير الواقع في الأراضي الفلسطينية ككل، والهيمنة على المكان وسكانه، والانقلاب على كل نصوص القانون الدولي والاتفاقات المبرمة بين تل أبيب والفلسطينيين، بل إن خطر هذا المشروع يمتد الى كل من الأردن ومصر اللذين سيدفعان ثمناً كبيراً إذا نجح الاحتلال في تهجير أبناء قطاع غزة.

الشعب الفلسطيني اليوم في أمسّ الحاجة لتحقيق المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام من أجل مواجهة الحرب الاسرائيلية العدوانية، التي تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين ككل من أرضهم، من دون أي تمييز بين فتح وحماس وغيرهما، واللقاءات التي حدثت في موسكو يجب التعامل معها على أنها فرصة وينبغي اقتناصها، كما يجب البحث فوراً في إمكانية أن تقوم روسيا بلعب دور سياسي مهم يردع إسرائيل، وربما يؤدي الى التوصل إلى تفاهمات ليست متاحة عبر الوسيط الأمريكي المنحاز للاحتلال.

محمد عايش

اترك تعليقا