ثمة حالة من اللامبالاة غير الطبيعية تجتاح المجتمع الدولي والعربي والإسلامي، بالحرب والمعاناة المتفاقمة في غزة، فقد أصبحت أخبار القتل والدمار بغزة أمر عادي ألِفه العالم، يتابعه القليل في نشرات الأخبار، وهو الأمر الذي يُعد “أسوأ من الحرب ذاتها”، بعدما نجحت إسرائيل في كي وعي العالم المتحضر للأسف، فالعالم كله أصبح يتضاءل أمام جيش إسرائيلي يعاني، ونتنياهو الذي يتهرب من محاكم جنائية ومحاكم داخلية بالفساد، إنه “عبثية السياسة” يا سادة ولعنة ازدواجية المعايير الذي يتبعها هذا العالم.
وما يزيد الطين بلة في وصف الواقع الذي وصل اليه الفلسطيني بقطاع غزة، هو توقف الطائرات التي كانت تلقي المساعدات في سماء القطاع المحاصر، وعودة شبح المجاعة الطاحنة الى شمال القطاع، لكن الأمر بدا عاديا أيضا هذه المرة لأنها تكررت فأصبحت من عاديّات الأشياء، حتى أن أخبار الموت أصبحت عادية ولم يعد نزوح الآلاف من المدنيين يثير أحدا في العالم، فلم يعد أحد يبالي لأخبار الموت والقتل والدمار والنزوح بغزة، حتى أن أخبار إمكانية التوصل الى صفقة تبادل بين حماس وإسرائيل وانهاء الحرب بات خبرا عاديا ولم يعد يثير الجمهور الفلسطيني قبل العربي والدولي، فتكرار الأشياء يزيل الاثارة عنها وهذا للأسف ما وصل اليه الوضع في غزة.
أتدرون الى أين وصلت الكارثة بغزة؟ وصلت الى حد أن يحسد الناس الأحياء الشهداء الذين ارتقوا وغادروا الحياة مبكرا، فيقولون لبعضهم “لقد استشهد وارتاح مبكرا، هنيئا له”.. نعم يحسدون الشبان الذين ارتقوا وغادروا الحياة مبكرا دون أمل أو أفق، في ظل تفشي الجوع والفقر والدمار، لقد حكمت عليهم إسرائيل وعناد قادة غزة بالاعدام، فيما صمت العالم يزيد من وصمة العار.
لقد أزمنت حرب الإبادة بغزة، وأصبح العرب قبل الأجانب يمارسون حياتهم طبيعية، ولا يلقون بالا لأخبارها، فعواصم أوروبا ذهبت للانتخابات وأعادت تركيب نظامها السياسي، والولايات المتحدة بدأت أيضا في التجهيز لانتخاباتها، وصارت أخبار الانتخابات لأوروبا وواشنطن أهم بكثير من أخبار مقتل الأطفال والنساء في غزة، حتى العرب لم يعودون قادرين على إدخال كيس طحين إلى القطاع المحاصر، إذن إلى أين نحن ذاهبون؟ أو كما يقول محمود درويش: “ماذا نفعل نحن الذين تمزقنا وجعا لموت أصبح ضيف أهلنا وأحبتنا الدائم، ومعه كل مستلزمات الحزن المرافق؟ وخاصة أننا نقرأ كل الاستعصاءات التي وصلت إليها اللحظة القاتمة بلا أفق وبلا قوة يمكنها وقف الجريمة”.
في ظل الدمار الذي حل على أصغر مدينة بالعالم، والتي تلقت متفجرات وصواريخ أضعاف ما أُلقي على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيات، يبدو أن الأمر متروك للسماء الآن بعد انتهاء حلول الأرض، فيما تواصل حركة حماس المغامرة، والبعيدة عن الواقع، اعادة الشعارات القديمة، بينما الواقع أشد بؤسا مما يتصور الجميع الذي يمر بصدمة هول الحدث وهول المأزق والخراب الذي يتجسد للمشروع الوطني بعد سنوات من العبث الوطني بسبب الحركة الربانية.
الإجابة على السؤال محبطة للأسف، ببساطة نحن ذاهبون إلى اللامكان حيث سيطرة ممتدة، بانتظار الانتخابات الأميركية لتتضح الرؤية حسب الفائز فيها..بئس الواقع الذي وصلنا اليه.. لكم الله يا أهل غزة.