لم تعد الروح تقوى على هذه الحرب وعداد الزمن لا يتوقف والأيام تلو بعضها تحمل جرحاً نازفاً يمتد عبر ربوع الوطن وعبر بساطه الأخضر ومن غزة تأتي طولكرم ذات الربيع الأخضر والكروم التي تضفي منظراً ساحراً عدا عن كونها تتميز بالشوارع المهترئة بعض الشيْ حتى أتى من يدمرها بازدياد ! لكنها طيبة بأناسها وبرجالها وبأطفالها وقدمت ثلة من الشباب الثائر فداءً لهذا الوطن الجبيب.
تعانق غزة طولكرم ففي رقعة جغرافية صغيرة جداً وعلى مساحة ضيقة يقع مخيم نور شمس واحد من أهم مخيمات الضفة الغربية واحتضن فلسطين الهوية والأرض والفكرة على جدرانه ترى مفتاح العودة وعبارات تندد أن فلسطين للفلسطيين فقط وأناسه سكان بسيطون مفعمون بالحياة هم من لجأوو بنكبة 1948 واليوم يعانون من ويلات الحرب وبشاعة الإقتحامات.
بعد أن تغرب شمس طولكرم العنيدة الحارة ترى آليات الاحتلال الاسرائيلي تتسابق لاقتحام المدينة عشرات من الأليات الثقيلة المدمرة والمصفحة وأخرى جيبات عسكرية وقوات مدججة بالأسلحة ثم تبدأ بهدم معالم المدينة أي شيئ أمامها معرض للهدم يخافون من الحجر ومن الشجر وحتى من الشوارع المهترئة فتزداد خرابا نتسائل كيف تدخل هذ الأليات منطقة جغرافية صغيرة ؟ وهم لا يكترثون من أمامهم فيبدأ الخراب حتى يصلوا وجهتهم، الغبار يلف سماء المدينة فترى الروح تختنق كلما اشتدت الحرارة لا تعلم هل هي حرارة الجو أم حرارة قذائفهم اللعينة.
ومن بعيد تسمع صوت أنين الجرحى ليصدح في جميع أنحاء المخيم فالبيوت متلاصقة جداً والجميع أهل وترعرعوا على التكافل فترى في أحد المنازل شاباً مصاباً يصرخ طالبا النجدة ثم تأتي النجدة من جندي مدجج بالسلاج ليصفيه بدم بارد أمام مرأى الجميع فأين حقوق الإنسان هنا؟
أنا لا أعلم وإن كان أحد يعلم فليجبني ! الأمهات لا يبكين في المخيم بل تراهن ينشدن تهاليل يرثين أبناءهن ويضمدن جراحهن فتخرج الكلمات بصعوبة “من تبقى لي”؟ البيت يهدم وشبكات الصرف الصحي والمياه تهدم وينعزل المخيم عن العالم بلا انترنت وبلا كهرباء ويستشهد المقاومين ممن حملوا على عاتقهم الدفاع وروية هذه الأرض بدماءهم الزكية ويعتقلل الشباب وتصرخ النساء ويبكي الجميع ولا أحد يسمع صوتهم فالمخيم مساحته صغيرة بالكاد نرى ما يتصاعد من السماء وبالكاد ينتقل الخبر فالصحفي محظور من الدخول وصحافة المواطن هي سيدة الموقف وتختفي الطواقم الطبية وينعدم الصليب الأحمر !
أيعقل أن كل هذا الخراب يخصنا فترى الشوارع تبكي والناس ثكالى والحرارة سيدة الموقف حرارة قلوبهم وحرارة الدموع والشهادة القريبة باتت معالم المدينة تختفي وانغمس التراب بالتراب فانعجنت الأشجار والمنازل ولم يعد شيء مكانه تحتاج لخرائط جغرافية وعلم جديد ليدللك عن طبيعة المكان في الشارع الموازي للمخيم شوارع مخضرة مبنية بدقة يتوسطها دوار ومركز للشرطة وقاعات للأفراح وبات الفرح في هذه المدينة معجزة يتم سرقته واختطافه بلحظات قليلة جداً تنسى تفاصيل الفرح وكيف تم ؟ ومن حضر ؟ ويبقى حديث الاقتحام جل الموقف.
يومان إثنان ثلاثة والمخيم تحت ويلات الحرب كما غزة تعاني منذ مئتي يوم وأكثر، كم يجب أن نعد الأيام؟ ومتى يتوقف عداد الزمن ؟ ومتى تنتهي الحرب ومتى سنشيع الشهداء بجنازة تليق بهم ؟ ومتى ستعود المدينة خضراء كما عهدناها ومتى سنفتح أبوابنا لنسمح للشمس أن تدخل بيوتنا ومتى سيخرج الأطفال لمدارسهم ونسمع صوت فدائي يصدح بسماء المدينة بدلا من الانفجار؟
ليتنا نغني للحياة ونعيد الأمل الجديد علنا نرى الحرية تقترب , ليتنا أحياء ليتنا أموات !
غزة وطولكرم عدو واحد وانتقام واحد وصورة واحدة وماذا بعد ؟ ماذا أكتب وكيف أكتب ولمن أكتب ؟ أيسمع صوتي ومن يقرأ كلماتي ؟ ويعطي النجدة لأهلها.
لله درك يا وطن ليتنا نغلق على أنفسنا ولا ننتظر يوماً أسوداً بعد ! والسلام على قلوبنا حتى تطمئن فلا يعكر بالنا شيء علنا نجزى بالصبر ونهنأ بقدرنا.