يتواصل الصراع بين إسرائيل وفلسطين منذ عقود، حيث يعود إلى أوائل القرن العشرين، عندما أدى قيام دولة إسرائيل عام 1948 إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين. وكانت غزة، وهي قطاع صغير من الأرض على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، في قلب الصراع، واحتلت إسرائيل المنطقة منذ حرب 1967، وظل الصراع طويل الأمد بين الجانبين مستمراً، واتسم بالعنف والتهجير وانتهاكات لحقوق الإنسان.
الوضع الحالي يختلف بكثير عن تجارب الحروب والمواجهات السابقة بحجم المأساة والدمار وخطورة المخططات التي طرحت على الطاولة، وتُخيّم على قطاع غزة أجواء من اليأس والإحباط مع استمرار الحرب وانسداد أفق المفاوضات. ففي ظل عدم إحراز أي تقدم يذكر، يبدو أنَّ الاحتلال الإسرائيلي قد تبنى سياسة الأرض المحروقة، مُمعنًا في تدمير كل شيء في القطاع دون هوادة.
سياسة الأرض المحروقة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة لن تحقق أي أهداف لها علاقة بأمن اسرائيل، بل ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وتزيد من حدة الصراع، والمطلوب من الإدارة الأميركية، بصفتها من يملك الحل والربط، أن تكف عن استعمال “سياسة النعامة” وتوفير الغطاء القانوني لحرب الإبادة التي تجري في قطاع غزة، سيكون هذا هو السبيل الوحيد لفتح المجال أمام مفاوضات جادة تؤدي إلى حل عادل ودائم للصراع وفقا لمبدأ “دولة بجوار دولة”.
إذا كانت الإدارة الأميركية عاجزة عن كف يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، فعليها أن تفسح المجال، وأن تكف عن استعمال حق النقض في مجلس الأمن لفرض عقوبات دولية على دولة الاحتلال، لإرسال رسالة قوية بأن سلوكه غير مقبول، وأنَّ المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام جرائمه. كذلك، يمكن أن تتخذ كل دولة خطوة انفرادية تعبر عن معارضتها الفعلية لحرب الإبادة التي تجري، وقد يشمل ذلك حظر تصدير السلاح لإضعاف قدرات الاحتلال العسكرية، وتجميد الأصول المالية، مما يؤدي إلى نقص الموارد، وفرض قيود على السفر لعزل دولة الاحتلال عن العالم، وقطع العلاقات الدبلوماسية للتأكيد على إدانة المجتمع الدولة لهذا العدوان وعدم شرعية احتلال الأراضي الفلسطينية.
ويظل السؤال الدائم، متى يتم التحرك لحل الأزمة الفلسطينية، فهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع، ولكن من الواضح أن هذه المسؤولية لا تؤخذ على محمل الجد من قبل جميع الأطراف المعنية، ففي كثير من الأحيان، تُصبح المصالح السياسية والاقتصادية أهم من حماية الأرواح، مما يُؤدي إلى تفاقم الأزمة.
يجب على جميع دول العالم الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك تماشياً مع قرارات الشرعية الدولية، ودعم حصولها على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، مما سيمنحها صوتًا أقوى في الساحة الدولية ويساعدها في تحصيل حقوقها، ورفض كل مخططات الاحتلال الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، والعمل على عقد مؤتمر دولي للسلام يضم جميع الأطراف المعنية، بهدف التوصل إلى حلٍ عادلٍ ودائم للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية فورًا، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، وتحقيق هذه الخطوات يعد ضرورياً لضمان مستقبلٍ عادل وسلام دائم في المنطقة.
والتأكيد على أن غزة لن تكون إلا جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقلة، وأنَّ أي مخططات غير ذلك مصيرها الفشل ولن تنجح، ولا يوجد فلسطيني واحد يمكن أن يقبل أو يستسلم لمخططات نتنياهو وحكومته القمعية، والتي يهدف من خلالها إلى تضليل الرأي العام العالمي، والاستمرار باحتلال الأراضي الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية في تحد واضح للإرادة الدولية.
عبد الباري فياض