الناس هنا في غزة أصبحوا لا ينامون ولا يحلمون ولا يأكلون لم نتوقع اننا سنصل إلى هذه المرحلة ما يشغل سكانها هو كيف أن يخرجوا من جنون الطائرات الحربية الإسرائيلية أحياء . فالموت أصبح يلاحقنا في كل لحظة و ثانية فالطائرات تغطي سماء غزة وصوت القصف المتواصل و الكثيف لم يتركنا .
فهناك فرق كبير بين أن تسمع عن غزة أو أن تعيش فيها فرغم أن سكانها حافظوا على صمودهم إلا أن كل شيء فيها تغير فالملامح فيها هناك كانت مختلفة تماماً ، تغييرات إبادية جرت على المكان شوارع غير شوارعها و بيوت غير بيوتها و أشجارها تحتضن الأرض باكية حزينة على ما حدث لها فأصبح صباحها مساءها و مساءها صباحها أصبحوا لا يفرقون بين الحزن و الفرح ، يضحكون و يفحزنون يتحدثون عن دمار منازلهم و عن فراق أحبتهم و يعودون إلى الصدمة من جديد أمام أستمرار عبث القصف داخلها.
. فأين المدارس و الجامعات و تل الهوى و الكتيبة و أين السرايا و الرمال و أنصار و المجلس التشريعي و الجندي المجهول و ميناء غزة الجميلة وأين شارع الرشيد و صلاح الدين كل شيء أختلف تماماً أين مخيماتها التي أصبحت كلها دمار أين كل كل كل شيء فالدبابات أكلت كل شيء في طريقها .
خرج المواطنين من بيوتهم على أمل العودة فكان لقاءهم في ملهاة الحزن بين الخيام في ليالي الشتاء القارصة الطويلة على مفترق الوجع كل الوجع لم يكونوا يعلموا خبث هذه الحياة و ما تخفيه لهم هكذا كان لقاءهم وكل منهم يحمل بداخله تشرد عاطفة و رغبة لمأوى القلب و رغبة للعيش بأستقرار و أمان .بين نكبة عام ١٩٨٤ و بين نكبة عام ٢٠٢٣ و الممتدة حتى كتابة حروف هذا المقال سقط مئات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين و اكثر منهم من الجرحى و اكثر و اكثر من الاسرى الفلسطينيين حيث أمضى العديد منهم اكثر من أربعين فى غياهب السجون، بين النكبة الفلسطينية الاولى و النكبة المستمرة و المتدحرجة يقف الفلسطيني شامخا حائرا و لكنه يرنو بعيونه نحو الحرية و العودة و الدولة . لم يكونوا يعلموا أن هذه الحرب مجنونة تحمل في ثناياها الكثير من القهر والألم و المعاناة فالشعب وحيداً .
لكن السر و الأكثر بطولة يكمن في كل واحد من أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة الذي ذاق ويلات الألم و المعاناة و القهر في ظل غياب الأصوات التي تنادي لفجر الحرية و الوطن فأدوا صمودهم بجرأةٍ لا تقف عند حدٌ مداخل و مخارج قطاع غزة فحسب، و إنما أمام كل بيت فلسطيني لا يعطي للحرب المجنونة أي قيمة أو ثمن.
قلوب أبناء شعبي البيضاء هي من تجمعهم الأن ، أصبحت البيوت تفتقر لأبسط موادها التموينية و حاجياتهم الأساسية جمعت كل منزل و كل خيمة فالروح متشابهة في الألم و الموت و القصف .
و في النهاية الكل في غرة أصبح بأنتظار اللحظة الحاسمة لأنتهاء هذه الحرب المجنونة و الجميع أصبح على قيد الموت .