غزة في ذكرى عاشوراء.. وملحمة الفداء
في ذكرى عاشوراء تسجل غزة ملحمة العطاء والفداء، وعزة الالتزام بالموقف وثبات الرجال .. غزة اليوم تصنع الملحمة، وتقرر مصيرها ومصير الكفاح الانساني في مواجهة الشياطين الكبار.
معذرة يا سيد شباب أهل الجنة لماذا قادتك الخطوات الى كربلاء، أما لو انحازت بك الطريق الى غزة جدك هاشم ووصية جدك رسول الله”خير الرباط رباطها”.. والله يا سيدي كنا نذبح واحدا على ركبة أخيه ولا نسلمك لعدو ولن يصلوا الى اخواتك وابنائك.. آآآه يا حسين يا أباعبدالله ماذا لو حطت ركائبك بغزة كما فعل جدك هاشم من قبل عندما انقذت غزة مكة المكرمة.. والله ما كنا سلمناك حتى اخر قطرة دم في اجسادنا واخر نفس في صدورنا.
ولما نكبنا بك نكبة لازال رجعها يهز ارواحنا ونحن نستشعر حزن جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على ما حصل لعترته الطاهرة.. ولكن لابأس يا أبا الاحرار فهاهم أتباع جدك يفجرون الارض تحت أقدام الشياطين ويهشمون وجوههم ويجمعون البشرية الحرة للعنهم.. ها هي غزة وفلسطين تحمل نفس الروح وذات الهدف وكل احبابك واتباع جدك قلوبهم معلقة بالملحمة المعجزة و سننتصر وتنتصر روح الفداء والتضحية من اجل الموقف الحق والارض المباركة.. تأتي عاشوراء وكل غزة كربلاء.
الاحداث الكبيرة وتغيير المسار:
لقد عرّى الطوفان وضعنا العربي والاسلامي على حقيقته وكشف لنا حجم وعينا بالعدو الرئيسي الذي يخطط وينفذ وينهب ويدمر وكما كشف لنا حجم جديتنا من عدمها في شعاراتنا في البحث عن حماية اوطاننا على الصعد جميعا وكشف للجميع أن العملية السياسية والاجتماعية والثقافية كلها تتحرك خارج دائرة الفعل الحقيقي وانها فقط تسير نحو أهداف ضيقة محصورة في مصلحة الاشخاص والاحزاب بشكل ساذج وكشف لنا من جهة ما كيف أن مقاليد الامة تسير وفق الحدود المرسومة من قبل العصابة التي تحكم العالم والراعية الاساسية للكيان الصهيوني.
في ذكري عاشوراء تسجل غزة ملحمة العطاء والفداء، وعزة الالتزام بالموقف وثبات الرجال .. غزة اليوم تصنع الملحمة، وتقرر مصيرها ومصير الكفاح الانساني في مواجهة الشياطين الكبار، هنا يطرح السؤال الكبير والضروري ذو القيمة: أي أفاق سيصل اليها الطوفان، وأي توقع سيصبح واقعا؟ وقبل الشرح والاستفاضة نقول الخلاصة التي يلمع ضوؤها من قريب أو بعيد لكل ذي عينين وحسب ما لديه من ادوات تحليل وروح متوازنة في خضم الملحمة “المجنونة”.
إنّ ماسيكون بعد 7 اكتوبر ليس هو ما كان قبله..أحزاب ستنهار وايديولوجيات ستتبخر.. وأولويات سيعاد ترتيبها.. وخرائط سياسية وتموضعات سياسية ستتبدل ليس في بلداننا فقط بل في العالم كله. وعي جديد سيسود.. وتيارات فكرية اجتماعية سياسية ستظهر بقوة.. وأخرى ستنهار.. فمن ذا الذي بإمكانه من التكتلات السياسية والأيديولوجية بعد كل ما حصل أن يقنع أتباعه والحماهير المقهورة بجدوى وجوده، فلقد تحولت الأحزاب والتكتلات الايديولوجية العربية الى نائحات ولطامات الخدود.
وفي أحسن الأحوال الى جمعيات خيرية تتلقط الفتات من جيوب الفقراء لترسل بعضها الى بعض الناس في غزة لا تكفي جميعها لاغاثة الآلاف ليوم أو يومين، ولقد فحصت أيام الطوفان الطويلة حقيقة الشعارات الاسلامية والعروبية والتقدمية والوطنية التي طالما رفعت من أجل فلسطين فأكتشف الجميع أنها كلمات لم تغادر الشفاه نحو فعل حضاري حقيقي في مستوى القضية الفلسطينية واكتشف الجميع انها مجرد شعارات لتغطية المصالح الشخصية والحزبية.
ولان الوعي بالقضية الفلسطينية سطحي تماما لدى الكثيرين لا يتجاوز المشاعر الساكنة والعقول المغيبة لم يكن لما يحصل في غزة أي أثر حقيقي على البرامج والخطط والأفكار لدى تلك التجمعات السياسية والايديولوجية، هذا فضلا عن الخوف من الاقتراب من القضية الصعبة المكلفة لان العم سام سيضع اشارة الارهاب على جبين كل من اقترب من فلسطين فلاذت كثير من الاحزاب العربية بكل توجهاتها الى هامش الامان المخادع وتدثرت بالبكاء واللطم الظاهري.. وهنا نتساءل بأثر رجعي كيف استطاعت هذه الحركات والتكتلات أن تدفع بعشرات الاف المقاتلين العرب الى لهيب المعارك في أفغانستان في الثمانينات وعشرات الاف المقاتلين العرب الى سوريا في العشرية الاولى من القرن العشرين.
وحتى يكتمل السؤال لابد من التذكير بأطراف تلك المعارك حيث الاتحاد السوفيتي في مواجهة امريكا في حرب النفوذ فكانت دماء الشباب العربي وقودا لتلك المعارك ونصرا للمخطط الامريكي، ثم المعركة المستعرة في سورية حيث تم تحريك الانشقاق في الجيش السوري ودفع دول الخليج العربي بمئات مليارات الدولار كما قال جاسم بن حمد وزير خارجية قطر السابق وتسهيل نقل عشرات الاف المقاتلين العرب وسواهم الى الفتك بدولة عربية انتهت الى ساحة احتلال من قبل اكثر من دولة اجنبية وقد قتل أكثر من 2 مليون سوري وتم تشتيت أكثر من 7 مليون سوري وتمزيق البلد.
هنا نكتشف أي دور مخبأ لهذه الحركات وهذه التكتلات ومن هنا نفهم سر قيام بعض النظام العربي بمهمة الايواء لهذه التيارات في انتظار مهمات ليس لها من هدف الا تحطيم البلد العربي والتمكين من تقسيمه على ولاءات عديدة وفسح المجال لتحويله الى لواحق للأجنبي.. ولكن في فلسطين الأمر مختلف فكل صرخة أو طلقة مع فلسطين انما هي تتجه الى قلب المشروع الاستكباري الاستعبادي، كل قعل حقيقي نحو فلسطين لا يمكن أن يتم من قبل هذه التكتلات السياسية والحزبية بل والانظمة العربية والاسلامية لان ذلك في التضاد مع المشروع الاستعماري.
من هنا لن تستطيع هذه التكتلات ان تداري سوءتها أو أن تبرر خوارها وعجزها ووهنها وارتماءها في مسرحية اللطم والتباكي ولسوء حظها ان أيام الطوفان طالت أكثر مما توقع الجميع ليميز الله الخبيث من الطيب وهنا نستحضر قوله سبحانه وتعالى في مثل هؤلاء: ” لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون ب الله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم و الله يعلم إنهم لكاذبون”.
إن هذا الانكشاف ضروري تماما فلقد أعيى الأمة في بلداننا طول الإدعاء والحديث عن التطور والتنمية ومشاريع النهضة الحضارية والاقتصادية وكل الشعارات المبتذلة الأخرى حتى جاء الطوفان فأثبت أن هذه الكيانات السياسية والايديولوجية هواء وفراغ، وهذا بلا شك سيحرر عقول الكثيرين ويدفع بطاقات حقيقية في الأمة من لهيب الوجع والألم الى فعل ايجابي حقيقي كما هو حاصل في اليمن الذي يقدم النموذج الأرقى والحجة البينة لبلد عانى أكثر من عشر سنوات من حصار وحرب وتمزق واذا به ينهض من أجل غزة ويربط مصيره بمصيرها ويحول البحر الأحمر الى بحيرة مستقلة متحررة من أي نفوذ غربي أو صهيوني ولم يقبل الرشوة الأمريكية التي حملها المبعوث العماني: ضمان أن تمتد حكومة أنصار الله الى كل اليمن وأن يتم رفع عنه الحصار بكل أشكاله وان يتم دفع رواتب كل الموظفين مسبقا لمدة عامين وأن تزود اليمن بمشاريع استثمار ضخمة.
رفض اليمن هذه الاغراءات فكان من نصيبه أن يتوحد اليمن كله حول فلسطين بكل قبائله واحزابه وطوائفه رغم جوعه وقلة ما في اليد وتتحول اليمن دولة اقليمية بل ودولية حقيقية ولا تتهيب من استخدام البسيط من سلاحها ضد المدمرات العملاقة وتصبح ندا لاقوى دولة في العالم.. الدرس اليمني هو الوضوح الكامل لليقين بالفكرة والمبدأ أمام الادعاءات التي يطلقها كثيرون من مواقع ايديولوجية وسياسية منتشرة على مساحة الوطن العربي.
تغيرات عميقة يبرزها الطوفان:
ما بعد 7 اكتوبر ستتحرك سنن كثيرة ونواميس عديدة وأسباب متنوعة في حركية عالمية لاسقاط حكومة الشر السرية التي تدير النظام الدولي هذا مانرى تباشيره في الولايات المتحدة الامريكية حيث يهز الطوفان اركان الرواية الاستعبادية ويدفع بالاف الاحرار الى دائرة الضوء مفندين الواقع المزري الذي تعيشه شعوب الولايات المتحدة تحت سطوة عصابة تتحكم بهم وبالعالم، وانه لمن العمى أن لا نتدبر ونرى هذه الثورة الطلابية في امريكا والتي اجبرت كثير من الجامعات على ايقاف استثماراتها في المؤسسات الصهيونية ولقد تدحرجت ثورات الطلاب الى اوربا وجامعاتها.
ولقد سحبت معها كثيرا من الشخصيات والفعاليات الى مواجهات حقيقية ضد المواقف الرسمية، لقد كان للطوفان مفعول عميق في اوساط النخب والشعوب الاوربية والامريكية الى درجة استمرار المظاهرات والاعتصامات والضغط على السياسي الغربي لكي تضطره الى مواقف سياسية ليست اكثرها الاعتراف بدولة فلسطين.. سنتهار قوة الشر وسيطرتها في جحرها الاساسي أو على الاقل سيتم اجراء تعديلات اساسية في بطشها وستضطر الى رفع يدها ولو جزئيا عن كرامة الناس وحقوقهم في امريكا والغرب جملة اذ ان الشعوب الامريكية الدافعة للضرائب هي من اول الدافعين لغرامة الحروب التي تشنها الولايات المتحدة وانهيار اداوتها بالتبعية من انظمة ومناهج وقيود.
فلقد بلغت الديون العامة على الولايات المتحدة 34 تريليون دولار انفقتها الدولة بأوامر من العصابة المتحكمة في حروب ومشاريع لا طائل منها للشعب الامريكي انما هي لكسب الاموال للعصابة فقط.. وصل الطوفان مجللا بدماء عشرات الاطفال الفلسطينيين في رسالة تلقفها ملايين الامريكان فكانت الهزة التي ستستمر حتى وضع نهاية للجريمة النكراء.. وكذلك لا يمكن أغفال الأثر البالغ الواضح للطوفان في انتخابات فرنسا وبريطانيا وقريبا في انتخابات الولايات المتحدة وانقلابات اجتماعية ونفسية وسياسية في الكيان.
إن غزة ثورة على النظام الدولي تفضح اركانه وتهز ركائزه كما أنها استطاعت أن تهشم الرواية الصهيونية والمشروع الصهيوني ومبرراته.. غزة هي نقطة الانطلاق لاستعادة الامة ذاتها ونهضتها.. غزة حاملة الراية والفدائي الأول في الخندق الاول في مواجهة الشياطين الكبار عندما اقتحمت حصونهم وأثبتت للعالم كله أن هؤلاء ليس الا لصوص مدججين بسلاح اللصوص الكبار.
كلمة في سجل التاريخ:
من محرقة غزة يلمع ضوء النجاة للأمة والإنسانية.. التحدي كبير والعدو يملك مقاليد المال والمصانع الحربية والبنوك والشركات العملاقة ويتحكم في النظام الدولي ويشغل الأنظمة والمؤسسات الكبرى خدمة له .. ولهذا كان ثمن المواجهة باهض.. ومن هنا كانت الفئة المؤمنة في غزة تنوب عن كل المستعبدين في الأرض.. ومن هنا كان الثمن غال بل فوق الخيال.
مابعد 7 اكتوبر سيسجل التاريخ في وعي الاجيال القادمة في العالم كله ان بداية النهضة الإنسانية كانت غزة.. وهذه هي القيمة الحقيقية لتضحيات غزة العظيمة .. غزة التي كانت باقتدار صانعة فجر الانسانية المعذبة.. انه الدم الذي سيهزم السيف وانها صرخات الحسين من جديد الا من ناصر ينصر غزة فيكون له المجد والعزة والحرية والكرامة.