غزة

عملية النصيرات.. لم تجر الرياح كما تشتهيها رغبات نتنياهو

دون أدنى شك استطاعت الفصائل الفلسطينية المقاومة خلال الأشهر الفائتة إدارة ملف الأسرى بشكل حرفي وبحنكة عالية من خلال قدرتها على حرمان قوات الاحتلال من الوصول إليهم.

التاريخ هو الثامن من حزيران لعام 2024، المكان وسط قطاع غزة وبالتحديد مخيم النصيرات، الحدث هو تحرير أربعة أسرى إسرائيليين كانت المقاومة الفلسطينية قد احتجزتهم أثناء عملية طوفان الأقصى، هذه العناصر الثلاثة شكلت مكونات الخبر الذي سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية والإقليمية والدولية لنشرها على شاشاتها قبل أن تتسارع المواقف والتصريحات الإسرائيلية ولاسيما من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي سعى لتقديم هذا الحدث على المستوين الداخلي والخارجي على أنه انتصار إستراتيجي لتخفيف حجم الضغوط عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى ضمن سعيه لضبط كل أجزاء المشهد السياسي الداخلي بعد اتساع دائرة الانقسام والتشرذم والتوتر بين أركان هذا المشهد باختلاف تموضعاتهم.

خبر تحرير قوات الاحتلال الإسرائيلي لأربعة أسرى على قيد الحياة هم نوعا أرغماني، وألموع مئير، وأندري كوزلوف، وشلومي زيف، من وسط قطاع غزة تم أسرهم من مهرجان نوفا الموسيقي يوم السابع من تشرين الأول 2023، بعد ثمانية أشهر من احتجازهم، هو حدث تضمن العديد من النقاط والملاحظات التي لا يمكن تجاوزها، أبرزها:

أولاً: صحيح أن عملية التحرير هذه تمت بعد ثمانية أشهر من بدأ العمل العسكري الإسرائيلي العدواني على قطاع غزة، وبعد إخفاق قوات الاحتلال من تحرير أي من أسراهم أحياء إلا وفق ما حددته الفصائل من خلال عمليات التبادل كما حصل أثناء صفقة التبادل الأولى نهاية العام الماضي، إلا أن نتنياهو وزمرته اليمينية سعوا لتحويل هذا الحدث إلى إنجاز عسكري وسياسي وأمني يزيد من رصيدهم الشعبي من جانب وتخفيف حجم التظاهرات الداخلية وحرمان المعارضة من ورقة ضغط لاستثمار المستوطنين ضدهم، وتقديمه على أنه تنفيذ لأحد الأهداف التي تبناها نتنياهو وهو ما يستلزم استكمال الحرب في جانب ثانٍ، وللحفاظ على تماسك حكومة الطوارئ عبر إحراج بني غانتس وغادي إيزنكوت ودفعهم للبقاء في صفوفها، وهو ما نجح به نتنياهو لمدة ساعة فقط.

ثانياً: محاولة الدعاية الإسرائيلية استهداف معنويات الحاضنة الشعبية في قطاع غزة من خلال نشر معلومات وإشاعات محبطة ومضللة تتضمن حصول خروقات أمنية قد تتزايد في المرحلة المقبلة نتيجة الأوضاع المأساوية لأهالي القطاع ونتيجة تعاون الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مع بعض العشائر والوجهاء بهدف توليتهم إدارة القطاع في المرحلة المقبلة بالتوازي مع التنسيق الإسرائيلي مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية.

ثالثاً: الضغط على الفصائل الفلسطينية بعد هذا التطور المتمثل بتحرير الأسرى -أي إفقادها إحدى أوراق قوتها التفاوضية- للقبول بالشروط الأميركية الإسرائيلية وفق الصيغة التي قدمت ضمن ما بات يعرف بمشروع «خريطة الرئيس الأميركي جو بايدن» بالتزامن مع الضغوط التي يتعرض لها الجناح السياسي بالملاحقة وتجميد الأصول والترحيل من قطر.

رابعاً: استثمار هذا الحدث لاستعادة ثقة المستوطنين بالحكومة والمؤسسة العسكرية والأمنية بعد حملة الإخفاقات التي تعرضت لها سواء كان ذلك أثناء عملية طوفان الأقصى أو بعد بدء العدوان من حيث تقدير قدرات المقاومة وإمكاناتها وجهوزيتها وإنفاقها، فضلاً عن رفع معنويات قوات ما يسمى عناصر وقوات الجيش الإسرائيلي.

خامساً: مشاركة الولايات المتحدة الأميركية بهذه العملية التي نجم عنها 274 شهيداً فلسطينياً، وثلاثة أسرى لدى المقاومة من بينهم أسير يحمل الجنسية الأميركية، وهو ما يعني أن دعم واشنطن للتوجهات الإسرائيلية باستمرار العدوان والإبادة في قطاع غزة مازال قائماً بقوة وفي الوقت ذاته مشاركة واشنطن لتل أبيب بخيار إضعاف أوراق الضغط للمقاومة عبر سحب ملف الأسرى من يد الفصائل أو تحجيم أهميتها، وهو ما يجعل موقف المقاومة ضعيفاً في أي مباحثات سياسية، وهذه المشاركة تمثلت في ثلاثة عناصر شكل الرصيف البحري العائم حجر زاوية بها، سواء من حيث لجوء القوات الإسرائيلية لدخول مخيم النصيرات من أجل تحرير أسراها بشاحنات المساعدات الإنسانية التي انطلقت من الرصيف، أو من حيث اتخاذ هذا الرصيف كموقع تجسس متقدم لمصلحة الكيان، أو من حيث سهولة دخول وخروج قوات الاحتلال، إلى جانب مشاركة فرقة أميركية معنية بالمختطفين بمساعدة إسرائيل في العملية، من دون بروز طبيعة هذه المشاركة بالكامل: هل هي مشاركة الجنود في العملية ميدانياً أو من خلال تزويد الكيان بالخرائط والمعلومات الاستخباراتية؟

دون أدنى شك استطاعت الفصائل الفلسطينية المقاومة خلال الأشهر الفائتة إدارة ملف الأسرى بشكل حرفي وبحنكة عالية من خلال قدرتها على حرمان قوات الاحتلال من الوصول إليهم سواء كانوا «أحياء أو متوفين» أو من خلال ما تبثه حول مصيرهم على وسائل الإعلام، إلا أن هذا الحدث خلط الأوراق لساعات قليلة، ولاسيما أن هذا التطور الذي جاء بعد ثمانية أشهر من قتل وتدمير وارتكاب المجازر وإلقاء قنابل تعادل ستة قنابل نووية على القطاع، هو تطور وحدث تكتيكي وليس إستراتيجياً، ودون أدنى شك سيكون هناك ردة فعل لدى الفصائل الفلسطينية في غزة أو لدى جبهات الدعم والمساندة في جنوب لبنان أو اليمن أو العراق، فضلاً عن سرعة انعكاس هذا الحدث بشكل سلبي على نتنياهو.

من المتوقع أن تسعى الفصائل الفلسطينية المقاومة وجبهات المساندة لها من قطع الطريق أمام نتنياهو لاستثمار هذا الحدث لتدعيم موقفه الداخلي والخارجي، من خلال اتباعها خطوات لإفراغ هذا الحدث من مضمونه من خلال:

1- أن تقدم الفصائل الفلسطينية على إطلاق صواريخ نوعية لأماكن حساسة داخل الكيان المحتل لإثارة الرأي العام الداخلي ضد نتنياهو.

2- عرض المزيد من مقاطع الفيديو تتضمن مناشدات الأسرى أو صور جثثهم، بهدف إعادة تأليب الرأي العام الإسرائيلي على نتنياهو الساعي لإقناعهم بجدوى استمرار العمل العسكري، وتعرية هذا الحدث الذي نجم عنه مقتل ثلاثة أسرى إسرائيليين ومقتل ضابط رفيع في وحدة اليمام «أرنون زامورا»، وهو ما دفع غانتس وإيزنكوت لإعلان انسحابهما من حكومة الطوارئ نتيجة الفشل الأمني والعسكري والسياسي لهذه العملية التي وصفتها الصحافة الإسرائيلية بأنها ستزيد من موقف الفصائل في مطالبها التفاوضية.

3- العمل على إيقاع خسائر بقوات الاحتلال من قتل أو جرح أو أسر أو تدمير آليات عبر التوجه نحو إنجاز عمليات وكمائن نوعية في الشمال أو وسط القطاع.

كذلك لا يمكن إنكار ردة الفعل التي تكون من جبهات المساندة وخاصة جنوب لبنان، للحد من تبجح نتنياهو، ومنع استغلال ذلك لتصعيد الأوضاع في المنطقة، من خلال عمليات عسكرية ضد مواقع عسكرية وتجمعات للجنود أو المستوطنات وعبر استخدام أسلحة جديدة أو نوعية.

أما على صعيد الداخل الإسرائيلي، فإن الرياح لم تجر كما تشتهي سفن نتنياهو، بل العكس من ذلك ولاسيما بعد تصريحات الأسيرة «نوعا أرجماني» للقناة 13 العبرية، بأنها لم تحجز داخل الإنفاق وتم علاجها من قبل المقاومة بعد إصابتها بعدوان إسرائيلي، وبعد انتشار حجم الخسائر من قوات الاحتلال والأسرى نتيجة هذه العملية، الأمر الذي زاد من استهزاء المستوطنين من هذا الإنجاز، معتبرين أن تحرير أربعة أسرى إسرائيليين بالقوة العسكرية تطلب ثمانية أشهر وأدى لمقتل عدد مثيل لهم من الأسرى والجنود وهو ما يعني حاجة أهالي الأسرى لواحد وعشرين عاماً لاستعادة ما تبقى، الأمر الذي دفع مجموعة من العسكريين والسياسيين وفي مقدمتهم عضوا مجلس الحرب بني غانتس وغادي إيزنكوت وقائد فرقة غزة آفي روزنفيلد للاستقالة.

نتنياهو بات بين خيارين أحلاهما مر بعد انسحاب غانتس وإيزنكوت، إما تطعيم مجلس الحرب بحلفائه من الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف على غرار بن غفير وسموتريتس فهو ما يعني نسف أي مفاوضات محتملة وزيادة التطرف تجاه المناهضين له بعد إخفاقه في توحيد الصف السياسي الداخلي، أو النزول من أعلى الشجرة عبر إلغاء مجلس الحرب واحتكار القرار بالكبينت أو المجلس الوزاري، لم تسر الرياح كما يشتهيها بعد أن أضحت عملية النصيرات صفحة سوداء تضاف لرصيده الإجرامي التي ستغرق سفنه في القريب العاجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى