مساء الخميس، جرى الإعلان عن ان هناك عملية زرع وتفجير عبوات ناسفة في عدد من الحافلات التي تعود للمستوطنين، في منطقة ” بات يام”، القريبة من تل ابيب، وفي نقاط مختلفة، حيث انفجر عدد من تلك العبوات التي تزن كل واحدة منها خمس كغم في عدة حافلات،ولم ينفجر العدد الاخر في حافلات اخرى.،وخرجت اشاعات لتقول بوجود ورقة مكتوبة بأن ما جرى،هو انتقام لما يشهده مخيم طولكرم والمدينة وقراها ،من عمليات تدمير وتهجير واعتقالات واغتيالات وتصفيات من قبل الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية.
واللافت هنا بأن العملية ” المفبركة” استهدفت حافلات فارغة،ولو ان جهة او جماعة فلسطينية،هي من سعت لتنفيذ لمثل هذه العملية،وكرد على الحرب العدوانية الشاملة على طولكرم ومخيماتها وقراها وبلداتها، فهي تحتاج الى امكانيات وقدرات كبيرة لتخطي كل حواجز الأمن والمراقبة ونقاط التفتيش ،في ظل حالة من التشديد والإستنفار العسكري والأمني والإستخباري الإسرائيلي غير مسبوق.،ولكن ليس من باب الصدفة ان تاتي تلك العملية،مباشرة بعد عدة ساعات من دفعة التبادل السابعة،”تبادل الجثث”،ضمن المرحلة الأولى من صفقات التبادل، ولذلك هذه العملية،تحمل بصمات غير فلسطينية،وتحمل اهداف واجندات متعددة، فإستهداف حافلات للمستوطنين، يعني عملية تحريض للمستوطنين، ومن يتزعم مشروعهم التهويدي لضم وتهويد الضفة الغربية،وتحويلها الى ما يعرف بدولة يهودا والسامرة، للقيام بأوسع عملية ضم وتهويد للضفة الغربية،مستفيداً من خطة ترامب لطرد وتهجير سكان القطاع وتملكه من قبل ترامب ودولته،وخاصة بأن سموتريتش يعتبر عام 2025 عام الحسم والسيادة على الضفة الغربية، وكذلك مثل هذه العملية،تتيح لنتنياهو ووزير حربه، القيام باوسع عملية عسكرية ضد الضفة الغربية،وتكثيف تلك العملية،وزيادة اعداد القوات المشاركة فيها،وقد أمر نتنياهو ووزير حربه كاتس،بشن اوسع عملية عسكرية على شمال الضفة الغربية،عقب هذه العملية المزعومة.
من هو ديرمر ولماذا اختاره نتنياهو لقيادة المفاوضات؟
وكذلك جرى تعزيز القوات العاملة في الضفة الغربية باضافة ثلاث كتائب للعمل في الضفة الغربية،تحت حجج وذرائع محاربة” الإرهاب” وقطع أذرع ايران في الضفة الغربية،وأيضاً هناك محاولة للتغطية من قبل نتنياهو على مفاعيل عملية التبادل،الدفعة السابعة، تسلم جثث عائلة بيباس الأم وطفليها.
والمواطن المسن عوديد ليفشتس، تلك العملية التي شكلت حالة حزن وصدمة عامة في المجتمع الإسرائيلي،وهذا جعل نتنياهو يحجم عن المشاركة في استقبال الجثامين والمشاركة في مراسيم التشييع،لأن الإتهامات ستنصب عليه،محملة اياه المسؤولية عن عودة هؤلاء الأسرى في توابيت،بدل عودتهم احياء،حيث توفرت فرصة كبيرة لعودتهم احياء،قبل ان يتم قتلهم من قبل الجيش الإسرائيلي،كما قالت حماس في الشعارات التي وضعتها على منصة التسليم،ولذلك نتنياهو الراغب أصلاً في اقصاء مسؤول الشاباك عن منصبه ” غونين بار” ،وكذلك رئيس ” الموساد “ديفيد برنياع” ،هو يريد ان يلقي بالمسؤولية والفشل الأمني والإستخباري في هذه العملية عليهم، ضمن مخطط للسيطرة على المؤسستين العسكرية والأمنية،واعادة تشكيلها،بما يخدم اهدافه ومصالحه السياسية والشخصية،ويمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية،فيما حصل في السابع من اكتوبر /2023،وتحميله المسؤولية عن ذلك،الفشل الأمني والإستخباري،والهزيمة التي لحقت بجيشه،وما تبع ذلك الأعداد الكبيرة من الجنود والضباط الذين سقطوا في تلك الحرب التي استمرت 471 يوماً،ولذلك اقال وزير حربه السابق يؤاف غالانت،ومن ثم رئيس اركانه هيرتسي هليفي،والآن جاء دور رئيسي ” الشاباك” و”الموساد.
أما الهدف الرابع لهذه العملية ” المفبركة،فهو يريد التهرب من الإستمرار بعملية التبادل،والذهاب الى المرحلة الثانية،ويريد من أمريكا ان تنقلب على ذلك،على ان يتوافقوا على تمديد المرحلة الأولى،وتحويلها لمرحلة انتقالية، تتيح لهم استمرار بقاء حكومته،وعدم سقوطها من داخلها،بسبب تهديات سموتريتش من داخل الحكومة ،وبن غفير المستقيل من الحكومة والإئتلاف من خارجها،وكذلك استعادة اكبر عدد من الأٍسرى،وبالتالي الغاء المرحلة الثانية من الصفقة،فهي مرحلة سياسية،وتتعلق باليوم التالي لحكم وإدارة قطاع غزة،ووقف إطلاق نار دائم وانسحاب اسرائيلي شامل من قطاع غزة،وادخال معدات الإعمار والإيواء والإغاثة.
وحتى اللحظة،لم تلتزم اسرائيل بتنفيذ البرتوكول الإنساني، إدخال 60 الف منزل متنقل،و 200 الف خيمة والمحروقات والمولدات الكهربائية والبطاريات،وكذلك المعدات الثقيلة،من أجل ازالة 50 مليون طن من الركام ،واستخراج الجثث وغيرها.
في التاريخ ،جرت مثل هذه العمليات،ففي الخمسينات من القرن المادي، استهدفت مراكز دينية ومعابد وكنس يهودية ومواطنين يهود في العديد من الدول العربية،مصر وسوريا والعراق،وذلك من أجل حمل اليهود على الهجرة الى فلسطين”البيت القومي لليهود في فلسطين”،وشنت حملة اعلامية مكثفة من قبل الوكالة اليهودية ومن المستوى السياسي في اسرائيل،بأن اليهود يعانون من الإضطهاد والظلم،ولا بد من رحيلهم الى ” بيتهم القومي”، “ارض اللبن والعسل”،او التي وعدهم الرب بها.
المنطقة كلها امام منعطفات خطرة،وواضح بأن العدوان الأمريكي- الإسرائيلي على فلسطين،يستهدفها كقضية وهوية.
أمريكا في عهد ترامب متماهية تماماً مع إسرائيل، فأمريكا هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا، وترامب كما وصفه شريكه وحليفه نتنياهو، أفضل صديق لأمريكا في البيت الأبيض على مر كل الحكومات الأمريكية، وليس كما قال الرئيس الأمريكي السابق بايدن عن نفسه، ليس شرطاً أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً، فهذا الترامب يقول إنني أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، وأكثر إخلاصاً لجيل المؤسسين الصهاينة، جابتونسكي وبن غوريون.
الضغوط الأمريكية ستستمر وتتواصل لإضعاف محور المقاومة، وإفشال أية جهود للتوصل إلى حل سياسي عادل، ما يجعل المنطقة أمام مشهد متفجر تهيمن عليه حسابات القوة، ومصالح التحالفات الدولية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وخلاصة القول بأن هذه العملية “المفبركة”،في الإعداد والتنفيذ والإخراج،لديها اهداف كبيرة،تقف في مقدمتها،خطة الضم والتهويد للضفة الغربية،وزرعها بمليون مستوطن ومئات البؤر الإستيطانية،لكي تصبح دولة ما يعرف بيهودا والسامرة.