ليبيا

عشر سنوات على معركة الكرامة.. ماذا تغيّر

بعد عشر سنوات تحولت عملية “الكرامة” إلى سلطة مكتملة الشروط في أكثر من 70 في المئة من مساحة ليبيا، وإلى نظام حاكم أبعد ما يكون عن الديمقراطية

قبل عشر سنوات، في 16 مايو 2014، أعلن رسميا عن انطلاق عملية “الكرامة” لتحرير مدينة بنغازي من الميليشيات الخارجة عن القانون والجماعات الإرهابية التي سعت قوى داخلية متشددة مدعومة من قوى خارجية طامعة للاستفادة منها، إلى السيطرة على البلاد ومقدراتها باختلاق الفوضى وتهجير الكفاءات واغتيال القيادات الأمنية والعسكرية والحقوقية والإعلامية والناشطين السياسيين.

اليوم، يدرك الجميع أن تلك العملية التي تحولت في نظر أصحابها إلى ثورة، كان لها أثرها البليغ على مختلف مناحي الحياة ليس في برقة وفزان فقط وإنما في كافة مناطق ليبيا، وفي المنطقة ككل، حيث كرّست نظاما سياسيا في مناطق نفوذها، وصنعت قوة عسكرية وأمنية وإعلامية، وشكلت مؤسسات موازية، وبسطت سلطتها من خلال حكومة موالية لها، وعقدت اتفاقيات مع دول أجنبية، وساهمت في تشكيل واقع جيوسياسي بات جزءا من مشاغل القوى الكبرى على مستوى العالم ككل.

جاءت الفكرة، عندما طرق وجهاء وأعيان قبائل برقة باب منزل الجنرال خليفة حفتر، وطلبوا منه التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد سيطرة تنظيم أنصار الشريعة المتحدر من تنظيم القاعدة على مناطق عدة في المنطقة الشرقية، وتكريس سلطته وخاصة في مدينة درنة، وبداية تشكل ولاية داعش، ودخول الميليشيات المسلحة مرحلة الصراع في ما بينها لتصفية الحسابات وتقاسم النفوذ. قال زعماء القبائل لحفتر: ما نعدك به هو أن ندعمك بأبنائنا الذين سيحاربون تحت إمرتك.

في تلك المرحلة، كانت المنطقة العربية تواجه مشروع الفوضى بمختلف أبجدياته الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية والإعلامية والميدانية من تونس إلى اليمن، ومن ليبيا إلى العراق مرورا بمصر وسوريا، وكان الإقليم منقسما بين جبهة الاعتدال بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، والتي اختار حفتر الانضمام إلى صفوفها، وجبهة المراهنة على مشروع الإسلام السياسي والذي كانت تتزعمه تركيا وقطر وتدور في فلك منظومة الميليشيات في مختلف مناطق ليبيا.

انطلقت  عملية “الكرامة” بضربات موجهة إلى وحدات من ميليشيا 17 فبراير، وميليشيا درع ليبيا 1، وأنصار الشريعة، وخاصة في المناطق الجنوبية الغربية من بنغازي، وتركز القتال على وجه الخصوص في المنطقة الواقعة بين حاجز البوابة الجنوبي الغربي ومصنع الأسمنت، وهي منطقة كان يسيطر عليها أنصار الشريعة، وفي اليوم الموالي تحركت قوات درع ليبيا المرتبطة بالإخوان والجماعة المقاتلة للهجوم على ميناء بنغازي البحري حيث اشتبكت مع القوة الأمنية التابعة للدولة والتي كانت تقوم بحماية الميناء، وكذلك اشتبكت مع قوات مشاة البحرية في القاعدة البحرية المجاورة في جليانا في معركة استمرت نحو يومين وانتهت باحتلال الميليشيا للميناء وسقوط قتلى وجرحى، ما دفع بقوات الجيش إلى التدخل المباشر مدعومة بالمتطوعين من أبناء القبائل.

في اليوم الموالي، عقد الجنرال حفتر مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أن المؤتمر الوطني العام الليبي الخاضع لسيطرة الإخوان، والمنتهية ولايته آنذاك “غير شرعي ولم يعد يمثل الشعب الليبي”، مؤكدا الكشف عن أدلة بأن المؤتمر المذكور قد فتح الحدود الليبية لإرهابيين قادمين من دول شتى، وقدم لهم جوازات سفر ليبية، مشيرا إلى أن الهدف الرئيسي من عملية “الكرامة” هو تطهير ليبيا من المتشددين الإسلاميين، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

بعد 40 يوما تقريبا، حصل تحوّل مهم في المشهد الليبي، عندما انتظمت في 25 يونيو 2014 انتخابات برلمانية انهزم فيها الإسلاميون، ليعلنوا بعد ذلك الانقلاب على النتائج، ثم ليقوموا بعد 18 يوما بتشكيل منظومة “فجر ليبيا” وهي عبارة عن تحالف جماعات متشددة يضم ميليشيات بينها درع ليبيا الوسطى، غرفة ثوار ليبيا في طرابلس وميليشيات تنحدر أساسا من مناطق مصراتة إضافة إلى ميليشيات إخوانية من غريان والزاوية وصبراتة، شنت هجوما في 13 يوليو 2014 بهدف الاستيلاء على مطار طرابلس العالمي وعدد من المعسكرات في المناطق المجاورة التي كانت قوات تابعة للجيش الليبي (أغلب منتسبيها من منطقة الزنتان) تتولى إدارتها وتأمينها منذ (تحرير طرابلس) في 2011.

فرضت حالة الفوضى الناتجة عن الانقلاب على الشرعية، اتجاه مجلس النواب للانعقاد في طبرق، وانتقال حكومته للعمل في شرق البلاد، فيما كانت هناك سلطات تعكس إرادة المتمردين من أمراء الحرب في طرابلس. في 21 أكتوبر 2014 أعلن الناطق باسم مجلس النواب فرج هاشم، تبنّي “عملية الكرامة”، مؤكدا “مشاركة جميع ضباط وجنود الجيش الليبي في العملية التي قال إنها عملية للجيش الليبي. في مطلع   يناير 2015، وقّع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المنتخب باعتباره قائدا أعلى للقوات المسلّحة قرارا أعاد بموجبه 129 ضابطا إلى صفوف الجيش، بينهم اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة وذلك كدفعة أولى من إجمالي المحالين للتقاعد، وذلك بحسب الإعلان الدستوري المعدل في الثالث من أغسطس 2014. في 2 مارس 2015 عين مجلس النواب الليبي خليفة حفتر قائدا عاما للجيش الليبي مع ترقيته إلى رتبة فريق أول.

 

في أبريل 2015 أمر الفريق خليفة حفتر القائد العام الجيش الليبي بعودة جميع العسكريين السابقين إلى صفوف الجيش، مشيدا بالروح الوطنية التي أبداها كل الضباط والجنود والمدنيين الداعمين لعملية الكرامة أثناء حربهم الطويلة والمؤلمة الهادفة إلى إرجاع هيبة الدولة الليبية وسيادتها. في 17 نوفمبر 2016 أكد مجلس النواب أن عملية الكرامة هي عملية عسكرية شرعية تابعة لرئاسة الأركان والحكومة الليبية بقيادة الفريق حفتر وهي تستمد شرعيتها من الشعب الليبي.

نجحت عملية الكرامة في تحرير منطقة الهلال النفطي والمنشئات والموانئ الموجودة من ميليشيات إبراهيم الجضران المدعومة من سلطات طرابلس والجماعات الإسلامية، في 3 يونيو 2017 استعاد الجيش الوطني الليبي، السيطرة على كافة مناطق الجفرة الصحراوية وسط ليبيا و“قاعدة الجفرة العسكرية الجوية”، ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى في التواصل بين الوسط والجنوب، وكبوابة تفتح على شمال البلاد، كانت الميليشيات والجماعات الإرهابية تستعملها لنقطة فصل بين أقاليم برقة وطرابلس وفزان، وفي 6 يوليو 2017 أعلن قائد الجيش خليفة حفتر، التحرير الكامل لمدينة بنغازي من المسلحين المتطرفين بعد أكثر من 3 سنوات من المعارك الدامية، وفي 29 يونيو 2018 تم الإعلان عن تحرير مدينة درنة من الإرهابيين، لتُطوى بذلك صفحة قندهار ليبيا، ثم وفي يناير 2019، أطلق الجيش عملية تحرير الجنوب التي تواصلت لمدة شهرين تقريبا وانتهت ببسط نفوذه على إقليم فزان الذي تصل مساحته إلى 552 ألف كلم مربع.

بعد عشر سنوات تحولت عملية “الكرامة” إلى سلطة مكتملة الشروط في أكثر من 70 في المئة من مساحة ليبيا، وإلى نظام حاكم أبعد ما يكون عن الديمقراطية، وأقرب ما يكون إلى محاولة لإعادة إنتاج النظام السابق، وإلى قوة ضاربة قادرة على تكريس صورة الدولة بملامح عسكرية نجحت في فرض الأمن والاستقرار وتوحيد آليات الحكم والتشريع والتنفيذ في مناطقها مع إطلاق مشاريع مهمة لإعادة الإعمار. واليوم، لا يمكن النظر إلى ليبيا إلا من خلال رؤية جديدة للوضع السياسي تعود إلى صفحة قديمة من تاريخ البلاد، وتحديدا إلى العام 1951 تاريخ تأسيس الدولة الوطنية الفيدرالية الدستورية، حيث أن النتاج غير المعلن لعملية الكرامة هو تكريس حالة الانقسام على أساس اللامركزية ووفق مصالح القوة المنتصرة والمنتشرة والمالكة لمقاليد سلطتها في الداخل وتحالفاتها الإقليمية والدولية في سياقات توازنات لا مفر من الاعتراف بها وبانعكاساتها على حاضر ومستقبل الدولة الليبية.

الحبيب الأسود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى