بظروف صعبة وأوضاع قاسية، لا تزال أوضاع اللاجئين في الدول العربية تمثل تحديًا كبيرًا بسبب الأزمات المستمرة في المنطقة، ورغم الجهود الأممية والدولية لتحسين أوضاع اللاجئين، يظل الاحتياج إلى تمويل إضافي ودعم مستدام من المجتمع الدولي عائقا أمام تحسين أوضاعهم.
وبحسب تقديرات غير رسمية، تجاوزت أعداد اللاجئين العرب مع عام 2024 حاجز الـ25 مليون لاجئ، بلغ عدد المسجلين منهم نحو 10 ملايين، من بلدان عربية كثيرة منها سوريا والسودان ولبنان والصومال وفلسطين واليمن.
واتجه أغلب اللاجئين إلى بلدان الجوار، حيث يتوزعون على عدة دول عربية وأجنبية، أبرزها تركيا ومصر ولبنان وألمانيا والسويد والأردن وكندا، وتمتد القائمة لتتجاوز 100 دولة عبر إليها اللاجئون العرب خلال العشرية الأخيرة.
ومعظم البلدان التي استقر بها اللاجئون لا تتوفر فيها أنظمة لجوء، وتعاني من ظروف سياسية واقتصادية صعبة تدفعها نحو تضييق سبل العيش على اللاجئين، وترفع وتيرة النزعات العنصرية ضدهم؛ ما يجعل استمرار اللاجئين فيها صعباً، إن لم يكن محطة في رحلة لجوء لاحقة.
اقرأ أيضا.. فورين بوليسي: هذه أسباب الانهيار السريع لنظام الأسد
وكانت الدول الأوروبية حلما للعديد من اللاجئين، إذ استقبلت أعداداً كبيرة في العقد الماضي، قبل أن تتجه في السنوات الأخيرة نحو تغييرات عميقة في سياسات اللجوء، ليس فقط بالسعي للحد منه، بل نحو ترحيل اللاجئين فيها إلى بلادهم أو بلدان أخرى، وسط تصاعد مظاهر عنصرية ضدهم.
وبشكل عام، باتت معظم الدول اليوم أشد حذراً في التعامل مع ظاهرة اللجوء، بل إنها أصبحت تعوق اندماج اللاجئين وحصولهم على الجنسية، وتقيّد حق الإقامة والتأشيرات لراغبين تحتمل جنسياتهم أن يكونوا لاجئين فيها مثل السوريين والسودانيين واللبنانيين.
جهود أممية ودولية
وتُبذل جهود دولية وإقليمية لتحسين أوضاع اللاجئين في الدول العربية، حيث تشترك الحكومات والمنظمات الإنسانية والتنموية في تقديم الدعم اللازم، من خلال خطط للاستجابة الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات وتنسيق جهود المساعدات الإنسانية والتنموية في الدول المضيفة، لتحسين الخدمات الصحية، والتعليم، والحماية الاجتماعية.
كما تقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتنسيق مع الحكومات المحلية لتوفير المأوى، والمساعدات النقدية، والرعاية الصحية، ودعم سبل العيش للاجئين، خاصة في مصر ولبنان والأردن، إلى جانب الاستجابة السريعة للأزمات الطارئة للدول التي تشهد الحروب والصراعات.
وتشجع الأمم المتحدة على الشراكات بين الحكومات والمؤسسات الإقليمية، إذ يتم تنظيم ورش عمل ومؤتمرات لمناقشة تحسين خطط الاستجابة لتلبية الاحتياجات الضرورية للاجئين، من خلال تنسيق الجهود بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجهات المانحة.
وتواجه هذه الجهود تحديات مثل نقص التمويل وزيادة التنافس على الموارد، لذلك يتم التركيز على إشراك المجتمع الدولي في تقديم الدعم المادي والتقني لتعزيز جهود الدول المضيفة وتحقيق التنمية المستدامة لتحسين أوضاع اللاجئين وتخفيف العبء على المجتمعات المحلية المضيفة.
وتدعو الاتفاقية العربية لتنظيم أوضاع اللاجئين إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية لحماية اللاجئين وتوفير حقوقهم الأساسية، بهدف ضمان السلامة الجسدية وعدم التمييز وتعزيز المساواة في الحصول على الخدمات لجميع اللاجئين.
إحصاءات ومعوقات
ويقدر أعداد اللاجئين السوريين خارج بلدهم حاليًا بنحو 5.6 مليون شخص، مع وجود الغالبية في تركيا (نحو 3.6 مليون)، ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر، إذ يعيش معظمهم في ظروف صعبة، حيث تتفاقم التحديات بسبب تراجع التمويل الإنساني وزيادة الاحتياجات.
ورغم جهود الأمم المتحدة وشركائها لتحسين ظروف اللاجئين السوريين من خلال دعم الصحة والتعليم والحماية، لا تزال الموارد المتاحة أقل من المطلوب لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
وتزايدت أعداد اللاجئين السودانيين في عام 2024 نتيجة الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، إذ بلغ عدد النازحين داخليًا أكثر من 6 ملايين شخص، موزعين على 18 ولاية في السودان، بينما اضطر أكثر من 1.4 مليون لاجئ للفرار إلى دول مجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان ودول أخرى.
وتعاني المناطق المتضررة في السودان من نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية والوقود، حيث يشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نصف السكان يواجهون مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي، كما تواجه النساء والأطفال أوضاعًا صعبة للغاية ويُحرم الملايين من التعليم والخدمات الأساسية.
ويعاني اللاجئون والنازحون في اليمن من أوضاع إنسانية كارثية بفعل الصراع الطويل وتدهور البنية التحتية والخدمات، إذ تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 4.5 مليون نازح داخليًا، إضافة إلى نحو 70 ألف لاجئ معظمهم في دول القرن الإفريقي.
وعادة ما يتعرض اللاجئون اليمنيون للاستغلال والعنف على يد تجار البشر أثناء محاولتهم العبور إلى دول الخليج، إذ يعيش نحو 43 ألف مهاجر في ظروف صعبة خارج اليمن، مع وجود محاولات لتسهيل عودتهم الطوعية بدعم من المنظمات الدولية.
ويعتبر الصومال من الدول التي تعاني من نزاعات طويلة الأمد، مما أدى إلى نزوح أكثر من مليون شخص داخليًا، إضافة إلى فرار أعداد كبيرة إلى دول الجوار مثل كينيا وإثيوبيا واليمن، الأمر الذي يعكس تحديات كبيرة تتعلق بالنزوح الداخلي واللجوء الخارجي.
والوضع في الداخل الصومالي لا يقل سوءًا، فالعديد من النازحين داخليًا يعيشون في مخيمات مزدحمة تفتقر إلى الاحتياجات الأساسية بسبب النزاعات المسلحة والجفاف المتكرر الذي يؤثر على الأمن الغذائي، إلى جانب التحديات الناجمة عن قلة التمويل وازدياد أعداد النازحين.
ويشكل اللاجئون الفلسطينيون واحدة من أكبر وأطول الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يبلغ عددهم نحو 6.4 مليون لاجئ مسجل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بحلول عام 2024، إذ يعيش اللاجئون في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الجوار مثل لبنان، والأردن، وسوريا.
تزداد تفاقماً
وقال أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني الدكتور محمود الحفني، إن الوضع الإنساني للاجئين في العالم العربي خلال عام 2024 بات شديد السوء لدرجة أن الجهود الدولية والإقليمية لم تعد كافية لتحسين ظروفهم أو تلبية احتياجاتهم.
وأوضح الحفني، في تصريح لـ”جسور بوست” أن اللاجئين من الدول العربية يعيشون أجواء معقدة للغاية، لا سيما أن بعض الدول المضيفة لا تحترم الالتزامات الدولية باحترام حقوق اللاجئين، ما يفاقم الوضع الإنساني بشكل مرعب ومحزن، كما لا توجد آليات حقوقية الزامية لإجبار الدول على تقديم المساعدات الإنسانية أو توفير سبل عيش كريمة للاجئين.
ودعا الخبير الفلسطيني إلى معالجة أسباب أزمة اللجوء، ويأتي في مقدمتها النزاعات المسلحة والحروب، والتي تؤدي إلى هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين والنازحين قسرا، مستشهدا بقيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بجرائم إبادة جماعية سواء في غزة أو لبنان والتي أدت إلى تفاقم أعداد اللاجئين والنازحين.
ومضى الحفني قائلا: “أزمة اللاجئين تتفاقم إنسانيا، وحتى الآن على المستوى القانوني لا توجد هناك نصوص الزامية، ولا توجد إجراءات رادعة على مستوى الإجراءات من مجلس الأمن، الأمر الذي أدى إلى تزايد تعقيد أوضاع اللاجئين في عام 2024”.
وأكد أن الجهود الأممية والدولية بحاجة إلى زيادة لتلبية احتياجات اللاجئين، متوقعا أن تكون الأمور للاجئين في المنطقة سيئة عام 2025 بسبب ما تشهده دول المنطقة من حروب ونزاعات في سوريا ولبنان وفلسطين.
ليست ضمن الأولويات
ويرى وجدي عبد العزيز، الباحث المصري المتخصص في شؤون الهجرة، أن أوضاع اللاجئين عربيا في تدهور مستمر وأعدادهم في تزايد متواصل، لا سيما في الدول التي تشهد نزاعات عسكرية وسيطرة للجماعات الإرهابية المسلحة.
وأوضح عبد العزيز، في تصريح لـ”جسور بوست”، أن الأحداث الجديدة التي تشهدها شمال سوريا، ستسهم بدورها في موجة جديدة من اللجوء السوري تضاف لسنوات عذاب عانى منها السوريون عبر سنوات طويلة، إضافة إلى الجرائم الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي أدت للتهجير القسري وزيادة أعداد اللاجئين بالمنطقة تطبيقا لمخططات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
وتوقع الخبير المصري استمرار الأوضاع الإنسانية للاجئين في التدهور في عام 2025، لعدة أسباب منها عدم وجود سياسات واضحة للجوء في المنطقة العربية فمثلا مصر أقرت تشريعا لتنظيم أحوال اللاجئين وهناك دول أخرى لا تزال تستقبل اللاجئين في معسكرات.
وأضاف: “لا تزال مشكلات اللاجئين في مرتبة بعيدة في أولويات المنطقة العربية، خاصة على مستوى المنظمات الدولية، وحتى الأمم المتحدة تبذل جهودا كبيرة ولكن أقل بكثير من المطلوب في ظل نقص في المساعدات وعدم زيادة الدعم للاجئين العرب”.