قال دونالد ترمب إنه سيكون من الرائع حل هذه المسألة من دون الحاجة إلى اتخاذ هذه الخطوة الإضافية، وفي الواقع كان الرئيس الأميركي يشير إلى البرنامج النووي الإيراني وكانت “الخطوة الإضافية” عبارة عن ضربة إسرائيلية.
في المقابل، ظل سيل التصريحات من المسؤولين الإيرانيين في إدارة مسعود بزشكيان، لا سيما عباس عراقجي وجواد ظريف حول ضرورة الدبلوماسية وابتعاد ترمب من سياسة الضغط الأقصى، وحذر رئيس منظمة حماية الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني اللواء مجيد خادمي من أن أي تهديد للمصالح الوطنية سيواجه برد فعل مماثل على المستوى العالمي، مقللاً من فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة ووصفها بأنها “خط أحمر”، وقال “إذا حاولت الولايات المتحدة تنفيذ أي أعمال شريرة، كما قال سماحة القائد، فسنرد بصورة قاطعة وحازمة”.
الحديث حول إجراء مفاوضات مع واشنطن يظهر انقساماً إيرانياً بين من يرى ضرورة تأكيد عدم حسم الملف وإعطاء مساحة للدبلوماسية للقيام بدورها وأن تصريحات خامنئي تكتيكية وليست استراتيجية، في حين رأت الصحف المتشددة أن مواقف خامنئي كانت حاسمة وصريحة وأنها تعتبر الكلمة الأخيرة في شأن التفاوض مع واشنطن.
بالطبع لتصريحات خامنئي كثير من الاعتبار لأنه وفقاً للدستور الإيراني والممارسة في الواقع، من لديه كامل الصلاحيات حينما يتعلق الأمر بملف السياسة الخارجية والتفاوض مع واشنطن والملف النووي.
اقرأ أيضا.. استراتيجية إيران في مواجهة ضغوط ترامب
في تلك الأثناء، ظهرت تقارير تتحدث عن تقرير لوكالات الاستخبارات الأميركية خلال الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس جو بايدن أن إسرائيل تفكر في توجيه ضربات كبيرة للمواقع النووية الإيرانية هذا العام وأن تل أبيب ستضغط على إدارة ترمب لدعم الضربات.
وفي الجانب الإيراني، قال قائد القوة البحرية للحرس الثوري إنه سيغلق مضيق هرمز رداً على تهديدات ترمب وإجراءاته العدائية في شأن منع صادرات النفط والعقوبات الشديدة على إيران، لكنه تراجع وصرّح بأن “عسكرياً لدينا القدرة على إغلاق مضيق هرمز، لكننا لا نفعل ذلك في الوقت الحالي ما دام أننا نستخدم هذا المضيق بأنفسنا”.
وواقعياً لا تستطيع إيران إغلاق المضيق الذي تمر عبره 40 في المئة من الإنتاج العالمي من النفط، وأحد الممرات التي من خلالها يصل النفط إلى الصين حليف إيران، ومن ثم فإن طهران لا يمكنها التضييق على نفسها أو التسبب في خلق توترات أمام وصول النفط إلى الصين، لكن يمكن فهم تلك التصريحات في إطار التلويح بأوراق ضغط، ومن الملاحظ أن هذه هي المرة الأولى التي تحاول إيران التلويح بإغلاق مضيق هرمز منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وتصعيد الحوثيين التوترات في البحر الأحمر ليكون هو ساحة التوترات الجديدة والتأثير في التجارة الدولية بدلاً من هرمز.
وحاولت إيران توظيف الحرب على غزة لمصلحة “وحدة الساحات” والاستفادة إقليمياً ودولياً، لكن الوضع انقلب تماماً في غير مصلحتها لتبدأ تلك الحرب بـ”طوفان الأقصى” وتنتهي بسقوط أدوات المشروع الإيراني، إذ إن إيران شهدت عاماً حافلاً، فتوفي رئيسها في حادثة تحطم مروحية وتعرضت لقصف صاروخي إسرائيلي مرتين، مما أدى إلى تدمير أفضل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ لديها، وانهار ثلاثة من حلفائها، نظام بشار الأسد في سوريا و”حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في غزة، من ثم يشكل برنامجها النووي المجال الأبرز الذي يمكنها من خلاله التحرك ومناوأة الغرب من أجل المساومات وطلب المفاوضات.
وفي أواخر العام الماضي، أنتجت إيران نحو سبعة كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، مما يقارب درجة صنع الأسلحة شهرياً ويكفي لصنع قنبلتين نوويتين تقريباً سنوياً إذا تم تخصيبه إلى درجة أعلى، والآن تقوم إيران بتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً، وتغذي بعضها باليورانيوم المخصب إلى مستويات أعلى، ووفقاً لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي فإن القدرة تتزايد بمقدار سبعة أضعاف، وليس هناك أي استخدام مدني معقول لكل هذا.
لذا وفقاً لترمب، فإن الضغط رافعة مهمة في المفاوضات، ولكن بتوقيعه على مذكرة لتطبيق سياسة الضغط الأقصى، قال إنه يأمل في التفاوض على اتفاق سلام نووي موثوق، كما تم التأكيد على آلية الزناد أو “سناب باك” التي بموجبها يمكن أن تطلب واشنطن أو الدول الأوروبية الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة أن يُعاد فرض العقوبات الأممية على إيران.
من جهة أخرى، تتحسب إيران لفكرة أن يستخدم ترمب “اتفاقات أبراهام” من أجل زيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها وإظهار أنها معزولة إقليمياً، وتتحسب كذلك لفكرة أن يدعم ترمب في لحظة ما هجوماً عسكرياً إسرائيلياً عليها، ومن ثم التساؤل الآن إذا فشلت المفاوضات بين طهران وواشنطن، فما مدى احتمالية دعم أميركي لهجوم إسرائيلي ضدها؟.
تريد إيران المفاوضات وتعتبر أنها ليست الحل لمشكلاتها وأن مشكلاتها مع واشنطن أساسية ومتأصلة ولا بد من إدارة الصراع معها ولا يمكن حله، بل إن طهران تسعى إلى التفاوض وهي تعتبره أحد التكتيكات لمواجهة التحديات الاقتصادية لكن الأهم لحماية النظام الإيراني من الإطاحة به عبر هجوم إسرائيلي أو أميركى، وترى النخبة الإيرانية أن الهدف الأميركي من التفاوض هو تشديد الحصار على البلاد.
وهذا الوضع يدفع إيران إلى التفاوض والتوصل إلى اتفاق لتخفيف الضغوط ورفع العقوبات. كما تعي طهران أنها أمام سيناريوهين، الأول نجاح التوصل إلى تفاهم واتفاق مع ترمب مما سيؤدي إلى تحسن الوضع الاقتصادي بعد رفع العقوبات وتعزيز التحرك الإيراني دولياً وزيادة معدلات النمو، وسيأتي هذا النمو نتيجة لرفع العقوبات وزيادة صادرات النفط الإيرانية إلى نحو ثلاثة إلى أربعة ملايين برميل يومياً.
في هذا السيناريو، سينخفض تركيز إدارة ترمب أو الحكومات المماثلة على الضغوط الاقتصادية والعقوبات، ويحل محله التعاون الدبلوماسي مع إيران، لكن التحدي هنا سيكون من روسيا التي ترى أن أي تقارب إيراني مع الغرب هو تقليص لنفوذ روسيا في الشرق الأوسط، والتحدي الآخر هو إسرائيل، فكل منهما لا يريد لإيران التقارب مع الغرب ومن ثم سيسعى إلى إبطال أي تفاهمات قد تحدث.
أما السيناريو الآخر، فهو فشل المفاوضات وعدم التوصل إلى اتفاق، مما يعني إغلاق الغرب باب المحادثات بصورة كاملة، ومن ثم إحياء آلية “سناب باك” والضغط الأقصى وتفسح الدبلوماسية المجال للتدابير القسرية وتدخل التوترات مرحلة أكثر خطورة، وفي ظل هذه الظروف من المتوقع أن يكون التحرك الأول للغرب بناء توافق بين الحكومات الإقليمية ضد إيران التي ستواجه إجراءات دفاعية أو عسكرية ضدها ومن المحتمل أن تكون إسرائيل أعدت خططاً للتصدي لها بدعم من الولايات المتحدة.
وما بين السيناريوهين، ستحاول إيران كسب مزيد من الوقت لتثبيت مكانتها الدولية وتخفيف الضغوط الداخلية الناجمة عن الأزمات الاقتصادية، فإن ما يعني إيران ليس الضغوط الاقتصادية لكنها ستسعى إلى التفاوض مع ترمب من أجل الحفاظ على بقاء النظام الحالي وعدم إسقاطه.