ضغوط أميركا على إسرائيل.. تضليل للرأي العام
إنّ تصريح الرئيس الأميركيّ حول الهُدنة ووقف إسرائيل للحرب على الشعب في غزة لمُدة ستة أسابيع من أجل تَبادُل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانيّة، يحمل في طياتِه الكثير من الدلالات التي توحي أنّ الإدارة الأميركيّة لا تَزالُ تُؤيّد إسرائيل في حربها الإباديّة للشعب في غزة
نقلت وسائل إعلام عن الرئيس الأميركي جو بايدن قوله في الأسبوع الأول من الشهر “إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة بات بيد حركة حماس الآن بعد أن وافق الإسرائيليون على مقترح وصفه بالمعقول”، وتوقعت أن يتم التوصل إلى اتفاق بحلول شهر رمضان. وقال الرئيس الأميركي للصحفيين قُبيل توجّهه إلى البيت الأبيض عائداً من كامب ديفيد آنذاك إنه يعود لحماس أن توافق على عرض الهدنة لستة أسابيع، محذراً إسرائيل من أن “لا أعذار لديها في مواصلتها منع وصول مزيد من المساعدات إلى غزة”.
إنّ تصريح الرئيس الأميركيّ حول الهُدنة ووقف إسرائيل للحرب على الشعب في غزة لمُدة ستة أسابيع من أجل تَبادُل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانيّة، يحمل في طياتِه الكثير من الدلالات التي توحي أنّ الإدارة الأميركيّة لا تَزالُ تُؤيّد إسرائيل في حربها الإباديّة للشعب في غزة، ذلك أنّ الهُدنة لسِتَّة أسابيع واستئنافها بعدَ ذلك، يعني أنّ أميركا لا يَهُمّها في شيء الآلاف من القتلى والجرحى والمعطوبين الفلسطينيّين الأبرياء الذين سقطوا ويسقُطون ضحايا القصف الوحشي والهمجيّ الإسرائيليّ، وكلّ ما يهمّه هو إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليّين ولا شيء غير ذلك.
وما امتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت في مجلس الأمن، وعدم استخدامها حق النقض (الفيتو) حول القرار 2728، إلّا من باب ذَرّ للرّماد في العيون، لأنّها تعلم أنّ القرار غير مُلزِم لإسرائيل ويُمْكِنها ضربُه عرض الحائط وعدم الالتزام بِمُقتضياتِه.
إنّ السياسة الأميركية تُجاهَ إسرائيل ثابتةٌ وغير قابِلة للتّغيير، وذلك ما أكَّده المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بعد التصويت على قرار مجلس الأمن 2728 عند تصريحه بمُعارضة ما جاء فيه، بِقَوْله: “سلوكنا التصويتي لا يعني تغييراً في سياستنا”، مُستَخِفاّ بِأهمية امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن.. ولأدلّ على عدم اهتمام إسرائيل على ما جاء في القرارات الأممية ما أوضحه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مراراً “أن هدفه ليس وقف إطلاق النار، بل “تحقيق النصر الكامل على “حماس”، حتى على حساب هجوم بري على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث يقيم حالياً أكثر من مليون شخص…
لقد تناوَلت العديد من الصّحف والجرائد العالميّة موضوع “مُمارَسة أميركا ضغوطات على إسرائيل” من خلال عدم استخدامِها لحقّ الفيتو وامتناعها عن التصويت، وهذا عبارة عن استهلاك إعلاميّ لا غير، ولا علاقة له بالسياسة الأمريكيّة الثابتة والراسخة منذ عام 1948.
كلّ من يعتقِد أنّ أميركا تُمارس ضغوطات على الكيان الإسرائيليّ من أجل وقْف الحرب على شعب غزة، واهِم. أميركا على اتّفاق تامّ مع إسرائيل في الإبادة الجماعيّة للشعب الفلسطينيّ في غزة، لا يُمْكن تصديق ما يروج في تصريحات بايدن ووزير خارجيتِه عن خلاف بين أميركا وإسرائيل فيما يخصّ وقف الحرب وتبادُل الأسرى وما يتعلّق بالهجوم على رفح… كل ما تُروِّجه إسرائيل وأمريكا في الإعلام هو عبارة عن مسرحيات مفضوحة، الهدف منها تضليل الرّأي العام في أميركا وإسرائيل سعياً وراء تلميع صورة بايدن ونتنياهو أمام شعبيْهما في ظلّ قرب الانتخابات التي يأمُل كل واحد منهما الفوز فيها والبقاء على سُدّة الحُكم.
لا تزال أميركا تمُدّ إسرائيل بأحدث الأسلحة من أجل الاستِمرار في قتْلِها للأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وفي آنٍ واحد يُصرِّح مسؤولوها عن الضغْط على إسرائيل لوقف مَجازِرِها في غزة.
المسؤولون الأميركان يضحكون على شعبهم ويَستغبونَه ويَسعَوْنَ إلى تضليلِه بتصريحاتهم الفارغة، فهم يتظاهَرون أمام الشعب الأميركي أنّ أميركا بعيدةٌ عن حرب إسرائيل على الشعب الفلسطينيّ وليس لها أيّة صِلَة بالإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في حقّ الشعب البريء الأعزل، ويريدون من خلال تصريحاتهم هذه التنصُّل من مسؤوليتِهم من هذه الحرب القَذِرة.
لو طلبت أميركا من الاحتلال الإسرائيلي إيقاف حربِه في غزة، لَاستجابَ دون تردُّدٍ ودون مُماطَلة، ذلك أنّ سياسة أميركا هي الساريَة في العدوان على الشعب الفلسطينيّ، سواء منها ما يجري في غزة من تخريب وقَتلٍ جماعيّ للمواطنين، أو ما يحدُث في الضّفّة الغربيّة من اقتحامات الجيش الإسرائيلي للبلدات والمُخيّمات واغتيال للأبرياء وهَدمٍ للبيوت فوق رؤوس أصحابها، واعتقال للشباب الفلسطينيّ الثائر والزّجّ به في غياهب السجون.