دخلت الحرب الإسرائيليّة على غزّة شهرها التاسع، وفي هذا “الجحيم على الأرض”، كما وصفته الأمم المتحدة، تتعرض النساء الفلسطينيات لمعاناة وفظائع لا يمكن تصورها. يشكل النساء والأطفال 70% من ضحايا القصف المتواصل من قبل الجيش الإسرائيلي، مما يزيد من حجم المأساة الإنسانية في المنطقة.
تواجه النساء الحوامل والمرضعات مخاطر عالية على الصحة بسبب سوء التغذية، حيث تحدثت بعض التقارير عن عمليات قيصرية أجريت دون تخدير، وولادات تجري في ظروف غير آمنة، وحالات إجهاض تحدث بمستويات غير مسبوقة.
تفيد تقارير من فلسطين بأن نساء فلسطينيات محتجزات أبلغن عن تعرضهنّ للإذلال والتعذيب والعنف الجنسي على يد جنود إسرائيليين. وقد تسبب تدمير الجيش الإسرائيلي بشكل منهجي المدارسَ والجامعات في حرمان مئات الآلاف من الشابات والفتيات من حقهن في التعليم. تزايدت مستويات العنف والإساءة التي تواجهها المرأة الفلسطينية إلى مستويات غير مسبوقة، مما يستدعي القلق والتدخل من الجميع من أجل حماية حقوق المرأة وتحقيق العدالة.
تحدث العديد من المدافعين عن حقوق المرأة، من بينهم ملالا يوسفزاي الباكستانية الحائزة جائزة نوبل، التي أصدرت عدة بيانات تدين العنف ضد المدنيين وتدعو إلى وقف إطلاق النار. كما تبرعت بمبلغ 300 ألف دولار للجمعيات الخيرية التي تدعم الشعب الفلسطيني.
لكن بالنسبة للكثيرين، بدا تضامن ملالا مع الشعب الفلسطيني أجوفَ عندما أعلنت عن مشاركتها في إنتاج موسيقي مع هيلاري كلينتون. أثارت هذه المعلومات غضبًا واسعًا، خاصة بالنظر إلى دعم كلينتون المستمر لإسرائيل، ورفضها دعوات وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى دورها التاريخي في صراعات أخرى في المنطقة.
وقد أثارت ملالا انتقادات سابقة تصفها بأنها “دمية” للغرب وناقلة لرواية “الغرب الأبيض المخلص”.
في بيانها عقب الجدل، أصرّت ملالا يوسفزاي على توضيح موقفها بشكل قاطع وخالٍ من اللبس حول دعمها شعب غزّة، وإدانتها تصرفات الحكومة الإسرائيلية. ورغم جدارة موقفها وجهودها في التوضيح، فإنها لم تبتعد عن المسؤولين الغربيين المتورّطين في استمرار أزمة غزة.
وفي حين اقتصرت على إسرائيل فقط في توجيه اللوم، فقد أغفلت تورط الغرب، خاصة الولايات المتحدة، في الأزمة الحالية. منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، قدمت إدارة بايدن حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 17 مليار دولار لإسرائيل. واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد عدد من قرارات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي، وتجاهلت إدانات وكالات الأمم المتحدة.
كما رفضت حكمًا مؤقتًا لمحكمة العدل الدوليّة الذي يشير إلى أن أفعال إسرائيل في غزة قد تكون “إبادة جماعية”، وعبّرت عن استيائها من سعي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لاعتقال مسؤولين إسرائيليين، وهدّدت بمعاقبتهم. وأشار الرئيس جو بايدن في خطابه إلى أن “ما يحدث ليس إبادة جماعية”.
بفضل نفوذها العالمي، تستطيع ملالا تحدي الدعم غير المشروط من الولايات المتحدة والغرب لإسرائيل. يمكنها أن تقف في وجه هياكل الهيمنة الاستعمارية التي يحافظون عليها، والتي تسبب الكثير من المعاناة في غزة وبقية جنوب الكرة الأرضية. ومع ذلك، فإنها تستمر في التعاون والعمل معهم.
بدا تضامن ملالا يوسفزاي مع الشعب الفلسطيني أجوفَ عندما أعلنت مشاركتها في إنتاج موسيقي مع هيلاري كلينتون التي تواصل دعمها إسرائيل، وقد أثارت الباكستانية الحائزة جائزة نوبل انتقادات سابقة تصفها بأنها “دمية” للغرب وناقلة لرواية “الغرب الأبيض المخلص”
الالتزام بالصمت بشأن التواطؤ قد يكون مفيدًا لجهودها في جمع التبرعات، ولكنه في النهاية يقلل من قوة قضيتها. كما يضعف ذلك صدق وتأثير تصريحاتها حول غزة، ويجعلها مجرد كلام بدون أفعال فعلية.
هذا النهج اللامبالي تجاه النشاطات يظهر أيضًا في قرارها المشاركةَ في إنتاج مسرحية موسيقية تناولت حركة المرأة، بينما تجاهلت عمق عنصريتها واستبعاد النساء السوداوات في عصر قوانين جيم كرو في جنوب الولايات المتحدة، التي سادت من عام 1890 إلى 1965، حينما كانت هذه القوانين تفرض الفصل العنصري.
تاريخيًا، كانت الحركة النسوية في الغرب تمثل في الأساس نساء الطبقة الوسطى البيضاء، حيث كانت قضاياهن محور الاهتمام، بينما تم تجاهل تجارب النساء من الفئات المهمشة. كان التعرف على نضالات هذه الفئات شكليًا وغالبًا ما تم إغفاله.
في عام 2022، شهدنا تفاعلًا قويًا من جماعات حقوق المرأة الغربية والناشطات والمشاهير مع الاحتجاجات النسائية في إيران، حيث قامت بعضهنّ بقص شعورهن تضامنًا مع الحركة. ومع ذلك، تبنت العديد منهنّ، بمن فيهنّ هيلاري كلينتون، مطالبَ بإقالة إيران من لجنة الأمم المتحدة للمرأة، في حين أصبح الصمت هو السائد الآن بشأن مأساة النساء والفتيات الفلسطينيات.
الحركة النسوية الليبرالية البيضاء عادةً ما تتجاهل النساء المهمشات، وهو أمر يستحق التساؤل. لذا، يثير اندماج ملالا كامرأة مسلمة ملونة في هذه الحركة وروايتها استفسارات مهمة.
كان بالفعل من الممكن أن تخدم ملالا النساء والفتيات الملونات بشكل أفضل إذا تخلت عن التزامها بالنسوية البيضاء واعتنقت نسوية تهتم بالتنوع والاعتراف بالتحديات التي تواجهها النساء من مختلف الأعراق والثقافات. هذه النسوية تركز على تفاعل الأنظمة المتداخلة للقمع مثل التمييز على أساس الجنس والعنصرية، مما يساعد في توفير دعم شامل وفعال للنساء والفتيات اللواتي يواجهن تحديات فريدة بناءً على هوياتهن وتجاربهن.
الناشطات اللواتي يتعاملن بحسن نية مع هذا المفهوم لا يمكنهن تجاهل الهياكل الاستعمارية والعنصرية التي تهيمن على حياة النساء والفتيات في جنوب الكرة الأرضية، والمجتمعات المهمشة في شمالها. إنهن يقفن مع النساء والفتيات من كل الألوان والأديان ويتحدّين الاضطهاد بكل أشكاله، بما في ذلك الإمبريالية البيضاء.
إذا كانت ملالا وغيرها من الناشطات مثلها حقًا يدافعن عن حقوق النساء والفتيات الفلسطينيات، فلن يكون من السليم بالنسبة لهنّ المشاركة في إنتاج المسرحيات الموسيقية مع هيلاري كلينتون. بدلًا من ذلك، يجب عليهنّ أن ينتقدن آراءها العنصرية والاستعمارية، ويدِنَّ دورها في الجهود الاستعمارية القاتلة التي تتّبعها الولايات المتحدة.
في الماضي، أُشيد بملالا لشجاعتها في النضال من أجل تعليم الفتيات، والآن لا يوجد سبب يمنعها من توسيع حملتها لتشمل النساء والفتيات في غزة. بفضل منصتها وتأثيرها الكبير، يمكنها أن تقدم دعمًا بكفاءة أكبر بكثير من مجرد الانخراط مع النسوية البيضاء.